الجمهورية : الحكومة تتكتّم على “اللغز الأستوني” وتفتح الملفّ الانتخابي

 كتبت "الجمهورية " تقول ، من تحرير الأسرى الأستونيين السبعة في لبنان وما رافقه ويرافقه من غموض وملابسات، إلى "جمعة أسرى الحرية" وما رافقها من أحداث أمنية وسياسية على الأراضي السورية، حدثان طغيا على الأهتمامات المحلية والإقليمية والدولية.
فقد طغت الأنباء الواردة من سوريا على الحركة الداخلية في لبنان، في ضوء الأنباء التي تردّدت حول توسّع رقعة الاحتجاجات على أراضيها والتظاهرات التي شارك فيها مليون شخص، على حدّ ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن رامي عبد الرحمن من "المرصد السوري لحقوق الإنسان". وذلك بالتوازي مع تزايد عدد القتلى والجرحى في المواجهات، ما طرح سؤالا كبيرا عن بدء العدّ العكسي لتبدّل المشهد هناك، خصوصا في ظلّ التوقعات بأنه "لن يمرّ وقت طويل قبل سقوط نظام الرئيس بشّار الأسد". وكذلك في ظلّ التحذيرات الأميركية من أنّ "الشارع يمكن أن يطيح النظام السوري إذا لم يبدأ سريعا بالإصلاحات". والتأكيد "أنّ الأسد فقد شرعيّته بسبب قمعه الدامي، ولكن مصيره يتوقف على الشعب".
لكن هذا المشهد السوري لم يحجب الاهتمام الداخلي بتتبّع لغز اختطاف الأستونيين السبعة الذي لم يُحلّ بعد، على الرغم من إطلاقهم ووصولهم الى بلادهم صباح أمس، إذ ظلّ ملفّ هؤلاء مفتوحا في ظلّ سعي حثيث على مستويات عدة وفي اتّجاهات مختلفة لمعرفة الثمن السياسي وغير السياسي الذي دُفع مقابل إطلاقهم بمعزل عن الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية.
وفيما أبدت فرنسا سعادتها بـ"الخاتمة السعيدة" لقضيّة هؤلاء الأستونيين، أعلنت وزارة خارجية أستونيا أنّ التحقيق لم ينتهِ بعد، وأكّدت "التعاون مع السلطات اللبنانية للعثور على جميع المجرمين الضالعين في عملية الخطف".
وفي هذه السياق تبلّغت مراجع مختصّة أنّ التحقيقات التي أجراها القاضي فادي صوّان في المحكمة العسكرية مع الأستونيين السبعة بعد إطلاقهم، شكّلت مرحلة متقدّمة على مستوى تبيان كثير من الحقائق الغامضة التي لفّت عملية خطفهم والجهات التي تقف وراءها. وقالت مصادر قضائية إنّ هذه التحقيقات ستتوسّع وإنّ القضاء يتّجه الى إصدار مزيد من الاستنابات القضائية لتحديد هويّة بعض المشاركين في عملية احتجازهم، إلّا أنّ المصاعب تتركّز على مستوى توفير المعلومات التي تتّصل بالأشخاص السوريين المشاركين في عملية الخطف. وأشارت الى "أنّ التحقيقات الأوّلية دلّت إلى أنّ الأستونيين السبعة عبروا الأراضي السورية بمعرفة الأجهزة الأمنيّة السورية التي سهّلت عبورهم ما بين البلدين مرّة بعد ساعات من خطفهم مباشرة، وأخرى قبيل إطلاقهم بساعات، وقد عرف هؤلاء أنهم انتقلوا من بلد إلى آخر، وتحديدا إلى الأراضي السورية بتغيّر بعض لهجات الأشخاص الذين واكبوا انتقالهم عبر طرق وعرة أحيانا رافقها غبار كثيف".
لكن قناة "الجديد" بثّت معلومات مفادها أنّ الأستونيين السبعة تعرّفوا خلال التحقيق معهم على خاطفهم ويُدعى وائل عباس وهو قائد مجموعة مجدل عنجر السلفية.
في حين أوضح وزير الداخلية مروان شربل في حديث له أنّ "الأستونيين لم يكونوا في قرية الطيبة (القريبة من مدينة بعلبك) عندما كانوا مخطوفين، وإنما سُلّموا هناك"، وقال إنّ "اللبنانيين المطالبين بمعرفة تفاصيل عملية خطف هؤلاء وإطلاق سراحهم، سيعرفونها لاحقا، ولكن نترك كلّ المعلومات طيّ الكتمان حاليّا لسلامة التحقيق". وأكّد أنّ أجهزة الأمن اللبناني "كانت على تنسيق تامّ مع خاطفي الأستونيين، ولكننا لم نقترب من منطقة الخطف بطلب منهم".
وقد غابت قضيّة الأستونيين عن مواقف لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي أطلقها أمس من طرابلس، حيث أكّد "أنّ عجلة العمل الحكومي قد انطلقت بزخم لمعالجة الملفّات كافّة سياسيّا واقتصاديّا وإجتماعيّا". ورأى "أنّ المشكلات كثيرة وضاغطة ولا يمكن أن تحلّ بكبسة زرّ".
وسيتوجّه ميقاتي اليوم الى الجنوب يرافقه وزير الدفاع الوطني فايز غصن وقائد الجيش العماد جان قهوجي لتفقّد وحدات الجيش اللبناني العاملة هناك وزيارة قيادة القوات الدولية، وربّما عرّج على رئيس مجلس النواب نبيه برّي في المصيلح، في حال عودة الأخير خلال الساعات المقبلة من الخارج.
وعشيّة زيارة ميقاتي الى الجنوب، طمأن المستشار السياسي لقائد القوات الدولية العاملة ميلوش شتروغر الى أنّ الجنوب يشهد حالة من الاستقرار، معتبرا أنَّ "طلب الحكومة اللبنانية التجديد للقوات الدولية (العاملة في الجنوب)، دليل على التزامها دعم هذه القوات والقرار1701، وكذلك التزام العمل معها"، مشيرا إلى أن "لا تخفيض في عديد القوات الدوليّة حسب ما ذكر البعض، وهي في ازدياد".
وعلى صعيد أمني، علمت "الجمهورية" أنّ موجة من التهديدات بلغت بعض الوزراء الجدد ومسؤولين آخرين في مواقع حسّاسة بوسائل متعدّدة وعبر الاتّصالات الهاتفية أحيانا، وتضمّنت التهديدات التي أشارت الى احتمال تعرّض المستهدفين لمخاطر جدّية، كلمات نابية وشتائم، إضافة الى استخدام آيات قرآنية".
وأكّدت مصادر الأمن العام لـ"الجمهورية" أمس أنّ أحد الأشخاص أجرى مساء الخميس اتّصالا هاتفيّا بالمقرّ المركزي للمديريّة العامة للأمن العام في محلّة المتحف وهدّد بقصف المبنى بعدد من الصواريخ. وتبيّن من التحليلات الصوتيّة للاتّصال أنّ المتصل كان خليجيّا.
وإلى ذلك، أكّدت مصادر وزارية لـ"الجمهورية" أنّ تعيين مساعد مدير المخابرات في الجيش عبّاس إبراهيم مديرا عامّا للأمن العام وُضع على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء المقرّرة بعد غد الاثنين. وقالت هذه المصادر إنّ الدفعة الجديدة من التعيينات ستكون تعيين مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي خلال الأسبوعين المقبلين.
وفي موازاة ذلك فتحت الحكومة ملف قانون الانتخاب الجديد الذي سيعتمد النظام النسبي، وستُجرى انتخابات سنة 2013 النيابية على أساسه، وذلك تنفيذا لما وعدت به في بيانها الوزاري. وفي هذا الصدد بادر وزير الداخلية مروان شربل أمس الى إطلاق ورشة لإعداد هذا القانون، وكلّف لجنة مختصّة ستجتمع كلّما دعت الحاجة برئاسته على أن تنجز مهمّتها في خلال ثلاثة أشهر، وترفع في نهايتها صيغة مشروع القانون الانتخابي الى مجلس الوزراء.
وكان رئيس الجمهورية ميشال سليمان أعلن قبل أيام أنّ قانون الانتخاب العتيد سيكون في رأس أولويّات الحكومة وسيعتمد النظام النسبي الذي يحقق التمثيل الصحيح، حسب تعبيره.
ومن المتوقّع أن تكون مجمل التطوّرات الجارية داخليّا وإقليميّا ودوليّا مدار الأحاديث خلال مأدبة العشاء التي سيقيمها سليمان في دارته مساء اليوم في عمشيت على شرف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي سيقام له استقبال شعبيّ في ساحة البلدة عصرا قبل أن يترأس قدّاسا في جبيل ليلبّي بعده الدعوة الى العشاء الذي سيشارك فيه أيضا الأقطاب المسيحيّون الثلاثة: رئيس حزب الكتائب اللبنانية الرئيس أمين الجميّل، رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون، ورئيس تيّار"المردة" النائب سليمان فرنجيّة، فيما يغيب عنه رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع الموجود في باريس، وذلك في غياب هو الثاني من نوعه بعد غيابه عن اجتماع قوى 14 آذار في "البريستول". كما سيتغيّب أيضا عضو كتلة "القوات" النائب جورج عدوان الذي اتّصل معتذرا لارتباطه بمواعيد في زحلة.
وسيحضر العشاء أيضا وزير البيئة ناظم الخوري، رئيس حزب الوطنيين الأحرارالنائب دوري شمعون ونوّاب قضاء جبيل الثلاثة سيمون أبي رميا، وليد خوري، وعبّاس هاشم، والنائب إيلي ماروني.
وقالت مصادر مسيحية مدعوّة الى العشاء لـ"الجمهورية" إنّ سليمان "يحاول تعويض خسارته الوطنية من خلال جمع المسيحيّين ويستعين بالبطريرك الماروني في هذا الاتجاه". وأكّدت أنّ جميع الأطراف المدعوّين سيشاركون في العشاء، كذلك سيكون الأطراف المسيحيّون في قوى 14آذار حاضرين في امتياز".
لكن مصادر مسيحية أخرى شدّدت على "الطابع الاجتماعي" للدعوة أكثر ممّا تحمل طابعا سياسيّا، ودعت إلى عدم تحميل المناسبة أكثر ممّا تتحمل.
من جهتها، ذكرت مصادر اطّلعت على الترتيبات الخاصة بهذه العشاء ـ اللقاء أنّ رئيس الجمهورية قصد منه أن يرحّب على طريقته باللقاءات التي استضافتها بكركي على مستوى القادة الموارنة، الأمر الذي انعكس أجواء إيجابيّة على الساحتين المسيحية والوطنية.
وسيكون هذا اللقاء المحصور بالقيادات المارونية مناسبة ليتناقش سليمان معهم في القضايا الوطنية الكبرى وسبل تطوير الخطوات الهادفة الى تعزيز الوحدة الوطنية. 

السابق
جدول مجلس الوزراء يستبق مائدة عمشيت ··
التالي
الديار : إنطلاق الورشة الحكومية هذا الأسبوع والحكومة تعقد جلستين أسبوعياً