لِمَ يحق لنا القلق تجاه برنامج إيران النووي؟

أعلن رئيس هيئة الطاقة الذرية في ايران، السيد فريدون عباسي دواني، في 8 يونيو (حزيران) عن عزم ايران زيادة قدراتها لإنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 20 في المئة الى ثلاثة أضعاف، وتحويل نشاط التخصيب من مفاعل ناتانز الى فوردو. داخليا في ايران، أثار هذا الاعلان من قبل نظام فقد مصداقيته القليل جدا من التعليقات، وسرعان ما طغت عليه أحداث المسرح السياسي المحلي المتمثلة بالنزاع الأخير رفيع المستوى بين القائد الأعلى للثورة خامنئي والرئيس أحمدي نجاد. لكنه كان اعلانا مهما لأنه يوضح جليا أن برنامج ايران النووي ليس مخصصا لأغراض سلمية بحتة.

لدى ايران محطة طاقة نووية واحدة مخصصة للأغراض المدنية، وهي تسعى لبناء المزيد. وهذه المحطات كافة بحاجة ليورانيوم مخصب لدرجة 3.5 في المئة كوقود لها. وبالتالي فان خطط رفع نسبة التخصيب لما هي أعلى من ذلك تثير تساؤلات مشروعة.

لليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة بعض الاستخدامات المدنية، لكن ليس في محطات الطاقة النووية للاستخدامات المدنية التي تزعم ايران أنها ترغب بها. بل انه مستخدم عموما كوقود لمفاعلات الأبحاث التي تنتج نظائر للاستخدامات الطبية، الى جانب غير ذلك من استخدامات. وهذه مادة عالية الكفاءة: حيث ان مفاعل أبحاث واحداً في بلجيكا قادر على انتاج تقريبا كافة النظائر الطبية التي تحتاجها جميع دول أوروبا الغربية.
كما أن لدى ايران مفاعلاً واحداً للأبحاث. والخطط التي أعلن عنها السيد دواني سوف توفر أكثر من أربعة أضعاف الاحتياجات السنوية من الوقود. الا أن هذا المفاعل قادر حاليا على انتاج نظائر مشعة تكفي لإجراء مليون بحث طبي كل عام – وهذا يعادل احتياجات المملكة المتحدة، ويفوق كثيرا ما تحتاجه ايران. كما تتطلب الخطة الجديدة تحويل ما لا يقل عن نصف الانتاج السنوي الحالي لايران من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5 في المئة، ما يعني بالتالي حرمان محطات الوقود النووي الايرانية منه

اذا كانت ايران جادة في تطوير طاقة نووية للأغراض المدنية، فما الذي يدعوها لتحويل موارد ومواد محدودة عن الاستخدام في برنامج للطاقة المدنية بهذا الشكل، بينما ترفض بازدراء عروض من العالم الخارجي – بما في ذلك من دول المجموعة الأوروبية الثلاثية + 3 المؤلفة من المملكة المتحدة والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة – لتقديم مساعدات تقنية للاستخدام السلمي للطاقة النووية في ايران؟
الا أن هنالك غرضا واحدا واضحاً لهذا اليورانيوم المخصب. فالتخصيب من اليورانيوم الطبيعي ليصل لنسبة 20 في المئة يستغرق الكثير جدا من الوقت ويعتبر خطوة تستهلك موارد مكثفة تصب تجاه انتاج اليورانيوم عالي التخصيب اللازم لتطوير سلاح نووي. ولدى تجميع كميات كافية من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة تحت الأرض في قم، سوف يمكن تحويله في غضون مجرد شهرين أو ثلاثة الى مادة تستخدم في الأسلحة. سوف تبقى هناك تحديات تقنية الانتاج الفعلي لقنبلة نووية، الا أن ايران ستكون قد اتخذت خطوة كبيرة في ذلك الاتجاه.

من المحتمل قيام ايران بتخصيب اليورانيوم عالي الكثافة في موقع سري سابق مخفي بعمق تحت الجبال. وقولها إنها سوف تسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالمراقبة لا يعتبر ضمانا في الوقت الراهن. حيث ان لدى ايران تاريخاً متواصلاً من التهرب والتعتيم في علاقاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فقد رفضت السماح للوكالة بالاطلاع على مواقع أو مواد أو وثائق أو الالتقاء بأشخاص ذوي صلة. كما أنها لم تجب عن أسئلة طرحتها عليها الوكالة بشأن شرائها لمواد لها علاقة بالمادة النووية وطبيعة عملها الذي يمكن أن يكون مفيدا فقط في تطوير سلاح نووي – من قبيل مُفَجّر متعدد النقاط لإطلاق عبوة متفجرة بشكل نصف دائري – أو باللغة المبسطة: مفجرات للاستخدام في قنبلة نووية. فإيران ناشطة في برنامج تطوير الصواريخ الباليستية، بما في ذلك تطوير صواريخ يفوق مداها الألف كيلومتر، وقد أجرت بالفعل عدة تجارب صاروخية خلال شهر يونيو (حزيران). وأي مراقب عاقل لا يسعه سوى الربط بين الأمرين.

هذه ليست قضية مجردة أو نظرية: فبرنامج ايران النووي قد يؤدي لسباق تسلح في الشرق الأوسط، وهي منطقة متقلبة الأوضاع أصلا. وسيكون من السذاجة وتنصل من الواجب – مرة أخرى – افتراض حسن نية ايران.
لهذا السبب صدرت حتى الآن ستة قرارات عن مجلس الأمن الدولي تطلب من ايران تعليق برنامج التخصيب فورا، لكنها تجاهلتها جميعها. وقد رفضت ايران حتى الآن الدخول في أي مفاوضات بشأن برنامجها النووي ما لم ترفع المجموعة الأوروبية الثلاثية + 3 كافة العقوبات وتعترف فورا بحق ايران بالتخصيب. لكن ليس هناك منطق لرفع العقوبات ما لم تدخل ايران في مفاوضات لتبديد مخاوف تستند على قرائن بشأن برنامجها النووي. وحتى الآن كان رد فعل ايران عكس ذلك.

وهذا الاعلان الأخير يؤكد الأهمية العاجلة لزيادة الضغوط، والمملكة المتحدة على استعداد لاتخاذ اجراءات: فقد وافقت بالفعل في الشهر الماضي على اضافة 100 جهة أخرى لقائمة العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، وأعلنت خلال الأسبوع الماضي عن فرض المزيد من اجراءات حظر سفر ضد جهات معروفة مساهمتها في انتشار الأسلحة النووية. ربما تأمل ايران بأن التغيير غير المسبوق المصاحب للربيع العربي سوف يحول أنظار العالم عن برنامجها النووي. لكننا عازمون على أن ذلك لن يحدث. .

السابق
عين السمكة تخدم العين البشرية
التالي
“التشات” هالايام للغزل والغرائز ولكن…