المحكمة تواجه بدرالدين بالوكالة !!

مَن يعرف مصطفى بدر الدين الذي يتهمه قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والمكلفة متابعة قضية اغتيال الرئيس الأسبق للحكومة رفيق الحريري، يعلم أنه بمجرد أن يوجه الاتهام إلى هذا الشخص يكون قد سُلّط الضوء مباشرة على القضايا السياسية بعمقها في المنطقة.

يأتي اتهام بدر الدين ليؤكد أن الولايات المتحدة الأميركية بعقليتها "العشائرية"، إنما تسعى الى أخذ ثأرها ممن وجّه إليها أولى الضربات القاصمة للظهر انطلاقاً من لبنان، وصولاً إلى ما ألمحت إليه الكويت في بيان طالبت فيه تسليمها بدر الدين، على خلفية اتهامه بتفجير السفارة الأميركية في الكويت في ثمانينيات القرن الماضي. لكن الكويت والكويتيين من جهة، بمطلبهم هذا يخدمون التوجه الأميركي مرة أخرى في ما يسعى إليه من إدانة لبدر الدين، في إطار سياسة تراكم الملفات التي تدينه ـ بحسب الرؤية الأميركية ـ ويتعامون من جهة ثانية، عمّا شكّله بدر الدين من عنصر قوة في إطلاق المقاومة الكويتية ضد غزو صدام حسين لبلادهم، فالرجل خرج من سجنه الكويتي إلى المقاومة دفاعاً عن أرض وسيادة الكويت، في الوقت الذي كان حكّامها يركبون الطائرات هرباً من هول الغزو إلى أوروبا وتحديداً بريطانيا التي غصت في تلك الفترة بعائدات الدينار الكويتي.

مَن يعرف مصطفى بدر الدين يعرف أنه رفض طلب من أطلقه من أسره في الكويت، عندما عرضوا عليه أخذه إلى إيران ليعود منها إلى لبنان للقاء عائلته، وهو فضّل أن يخرج من زنزانته ليحمل البندقية دفاعاً عن الكويت، لأنه بعقيدته يؤمن بأن صدّام هو من الأعداء الذين يجب مقاتلتهم وأنه أحد ركائز سياسة الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، وأن الحرب التي كان يخوضها ضد إيران، فضلاً عن حربه المتواصلة ضد العراقيين في الداخل وتحديداً الأُسر الدينية فيه، هي جزء من معركته الأساسية.

الاتهام الذي وجّهته المحكمة الدولية هو اتهام أميركي على خلفية ما تجمّع لدى الاستخبارات الأميركية حول بدر الدين وشركائه، إنهم يقفون وراء ضرب مشروعها السياسي والأمني والعسكري في المنطقة، وهذا الاتهام ليس خاضعاً للمعطيات التي يدّعي القرار بأنها توفّرت له في قضية اغتيال الحريري، فهذا الملف ما زال فارغاً من أي معطى حقيقي يُمكّن المحكمة من البناء عليه لإصدار قرارها، إلا أن لعبة الأمن والاستخبارات التي تحكّمت فيها جعلتها تصل إلى المكان الذي تريده في إدانة بدر الدين وإخوانه والحزب الذي ينتمي إليه.

كان هذا الاتجاه واضحاً منذ لحظة اغتيال الحريري، وربما يمكن القول إن من قتل الحريري كان المتهم بالنسبة إليه جاهزاً، لأن بدرالدين وقبله الشهيد عماد مغنية ومن بقي من إخوانهما حيّاً، يعرف الجميع وبخاصة أجهزة الاستخبارات الأميركية و"الإسرائيلية" بأنهم نماذج فريدة من نوعها، إن على مستوى الشخصية أو على مستوى الشجاعة أو على مستوى الجرأة، حيث أن ما يستطيعونه لا يستطيعه أحد سواهم، حتى أن أولئك الذين ربّتهم الولايات المتحدة لخدمة هدف سياسي معيّن وسرعان ما افترسوها في أول المنعطفات.

إذا أردنا تسمية الأمور بأسمائها، فإن عنوان القرار الاتهامي الصادر بحق بدر الدين ورفاقه ليس سوى واجهة للاتهامات الأميركية والتي أيضاً لا تملك دليلاً عليها، وهي تفجير مقرّ المارينز في بيروت عام 1982 وتفجير مقر قيادة القوات الفرنسية أيضاً في بيروت في الفترة نفسها حيث كانا يشاركان في إطار القوات المتعددة الجنسيات التي أتت إلى لبنان بعد الاجتياح "الإسرائيلي" له، وصولاً إلى اتهامهم بتفجير السفارة الأميركية في الكويت بحسب الادعاء الكويتي، ليُصار إلى الاستنتاج بأن الاتهام بحدّ ذاته يهدف إلى إيقاع الفتنة بين مكونات المنطقة وليس مكونات لبنان فقط، باعتبار أن هؤلاء الشباب من المسلمين الشيعة وأن المقتول هو من المسلمين السُنّة بصرف النظر عن حجمه ودوره. هذا هو عنوان القرار الاتهامي ومضمونه السياسي الفعلي لأنه من الصعوبة بمكان أن تقدر الولايات المتحدة الأميركية ومن خلفها ـ أو من أمامها ـ "إسرائيل" على إعادة السيطرة على مقدرات الأمور كما لو أن هؤلاء غير موجودين.

لقد خاض بدر الدين ورفاقه الحروب ضد "إسرائيل" مباشرة وبشراسة، كما خاضوها ضد القوات العسكرية الأميركية، وهم خاضوها من قبل ضد صدّام حسين دفاعاً عن الكويت، ولسان حالهم يقول إنهم مستعدون لإكمال ما بدأوه ولو بعد حين.
نعم، هم خاضوا المعارك ضد "إسرائيل" في خلدة وفي بيروت وعلى تخومها وأكملوها في ما بعد ضد الاحتلال في الجنوب، وهم رفضوا التدخل العسكري الأميركي وقاوموه على طريقتهم، لكن كل ذلك يضع بدر الدين ورفاقه في كفّة، ويضعون اغتيال الحريري في الكفة الأخرى، وهي ليست كفتهم لأنهم لم ينظروا إلى هذا الرجل بالعين نفسها التي رأوا فيها أعداءهم، كان الرجل بالنسبة إليهم صديقاً وربما كان في بعض الأحيان مشاغباً لكنه لم يكن في يوم من الأيام عدواً ولا شيطاناً أكبر وجبت محاربته.

هذا التمدّد الأميركي صوب المقاومة من خلال المحكمة الدولية، سيرد عليه "المتهمون" بأسلوبهم الذي اعتادت أميركا عليه ـ ليس عبر استشارة محام ـ إن هي حاولت التقدّم خطوة واحدة بعد. فما تطلب تنفيذه الولايات المتحدة من السلطة اللبنانية لن ينجح لا من خلال حكومة تخضع للأكثرية الجديدة ولا من خلال أخرى قد تخضع للإملاءات الأميركية.. هذا التوجّه لا يقدر على تنفيذه أي أحد بالوكالة.. فهل هناك قرار بأن يُنفذ الأمر بالأصالة؟

السابق
الحياة: مجلس الوزراء يقر الخميس حماية الثروة البحرية ويجدد لسلامة ويعيـّن سلمان رئيساً لأركان الجيش
التالي
نعيم ضائع