كلام هادئ عن مواجهة حادّة!

أجواء التوتر والتصعيد التي يعيشها لبنان هذه الأيام، ليست مفاجئة لأحد، لا في الداخل ولا حتى في الخارج!
الجميع كان يتحضّر لمواجهة ساعة الحقيقة التي ستعلنها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري·

الإنقسام الداخلي حول هذه المسألة البالغة الأهمية والحساسية ليس جديداً، بعدما تمحورت الأطراف السياسية في خندقين موازيين ومتجابهين في آن: خندق 14 آذار، وخندق 8 آذار·

كذلك الحال بالنسبة للصراع الإقليمي – الدولي حول المحكمة ومهمتها والذي رسم محورين متجابهين أيضاً: الأول يقتصر على سوريا وإيران، والثاني يضم دول مجلس الأمن الدائمة العضوية، بما فيها روسيا والصين، والاتحاد الأوروبي ومجموعة من الدول الأخرى، إلى جانب طبعاً أكثرية الدول العربية والإسلامية، التي أيّدت قيام المحكمة، وأبدت حرصها على كشف الحقيقة وتحقيق العدالة بهدف وقف مسلسل الاغتيالات السياسية في لبنان·

غير أن إدراك هذا الواقع الانقسامي المرير، لم يخفّف من حذر اللبنانيين، ومن قلقهم على الأمن والاستقرار، قياساً على تجارب مريرة ومواجهات سابقة، كادت تودي بالبلد وأهله إلى مهاوي الفتن والحروب الداخلية·

فهل نحن اليوم أمام منعطف قد يُعيد الأوضاع إلى زمن السنوات السوداء، أم أن <المعركة> حول المحكمة ستبقى في إطارها السياسي، ويحافظ الجميع على أصول اللعبة الديمقراطية في التعامل مع الحكومة الميقاتية؟

ليس في الأفق القريب ما يُشير إلى احتمال وقوع مواجهات مسلّحة في الشارع، على غرار ما حصل في عامي 2007 و2008، وكاد يشعل الفتنة المذهبية داخل البيت الواحد·

الرئيس سعد الحريري يشدّد على قوى 14 آذار وجمهور تيار المستقبل ومناصريه الابتعاد عن لغة العنف في الشارع، وإن كان يحتفظ بحقه الديمقراطي في تنظيم التظاهرات ورفع اليافطات المندِّدة بالحكومة، وبتراجعها عن الالتزام بالتعاون مع المحكمة، وقد يصل الأمر إلى مستوى الدعوة للإضراب أو للإعتصام·

وكلام السيّد حسن نصر الله في إطلالته الأخيرة أول أمس <طمأن> اللبنانيين بأن لا استخدام للشارع في رفض المحكمة، وأن التصدي سيتم عبر قنوات وأساليب سياسية وإعلامية·

وإذا كانت المواجهات المسلّحة في الشارع مُستبعدة، فهل ثمّة ضمانات بعدم عودة التفجيرات والاغتيالات مرة أخرى، على نحو ما كان يحصل بين خريفي عامي 2004 و2007؟

الجواب ستحمله تطورات الأسابيع القليلة المقبلة، على ضوء مجريات المواجهة السياسية المحتدمة في الداخل، وعلى إيقاع الأحداث المتلاحقة في الاقليم، وخاصة في الشقيقة سوريا

لا نذيع سراً اذا قلنا ان المواجهة الداخلية الجديدة ستنعكس تداعياتها السلبية على حياة اللبنانيين اليومية، بدءاً من تراجع حركة الاستثمارات الوافدة، إلى انخفاض عدد القادمين في موسم السياحة والاصطياف، إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تئن من وطأتها المؤسسات والعائلات على السواء، إلى الأخطار المحدقة بالوضع المالي، نتيجة تلك التداعيات السلبية، أو بسبب تدابير عقابية دولية في حال تنصلت الحكومة من الالتزام بمفاعيل القرار 1757 الخاص بإنشاء المحكمة وإلغاء البروتوكول المعقود بين وزارة العدل ولجنة التحقيق الدولية·

ثمة <حصار> اقتصادي ومالي غير مباشر يستهدف الوضع اللبناني، من خلال تجميد حركة المساعدات والقروض، وكل أشكال الدعم، منذ مطلع العام الحالي·

ولكن هذا الواقع غير المعلن، مرشح للتظهير والتصعيد، في حال اعتبرت عواصم القرار الدولي ان الحكومة الميقاتية أخلّت بتعهداتها أمام الشرعية الدولية، عندها يصبح لبنان على عتبة <الدول المارقة>، التي لا تتعاون مع الشرعية الدولية، ولا تحترم تعهداتها وموجباتها في قرارات مجلس الأمن الدولي، وتحق عليه العقوبات الاقتصادية والمالية والديبلوماسية التي تطال الدول الخارجة على الشرعية الدولية! فهل تستطيع الأكثرية الحالية، وخاصة حزب الله والتيار العوني، تحمل تبعات مثل هذه الإجراءات العقابية؟

ليس دقيقاً الكلام عن ان <العدالة تهدد الاستقرار>، وان استمرار عمل المحكمة الدولية يهدد الأمن في لبنان!

في الانظمة السياسية الحضارية تبقى العدالة هي في صلب الاستقرار الأمني والاجتماعي والاقتصادي، لأنها تشكل الضمانة وصمام الأمان، عندما تختل الموازين وتطغى التجاوزات·

وعندما عجز الوطن الصغير عن تحقيق <العدالة الوطنية>، لجأ الى <العدالة الدولية> بإجماع كل مكوناته المتواجدة على طاولة الحوار الوطني·

وعند توقيع بروتوكول التعاون مع لجنة التحقيق الدولية، كانت كل الاطراف السياسية الفاعلة مشاركة، او على الأقل ممثلة، في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الاولى، في صيف عام 2005·

وفي هذا السياق، قد يكون من حق الامين العام لحزب الله ان يدافع عن كوادر وعناصر الحزب المتهمين من قبل لجنة التحقيق الدولية، واتهام المحكمة بالتسييس والانحياز··· إلخ·

ولكن لا يستطيع السيد حسن نصر الله ان ينوب عن الدولة ويعلن عجزها المسبق عن القيام بمسؤوليتها في التعاون مع المحكمة، لانه بذلك يكون قد أكد اتهام المعارضة بأن هذه الحكومة هي حكومة حزب الله أولاً وأخيراً·· مع كل ما يعني ذلك من اضعاف للحكومة ولرئيسها على الصعيدين الداخلي والخارجي·

وعشية احتدام المواجهة السياسية الحادة بين فريقي 14 و8 آذار، في جلسات الثقة بدءاً من الثلاثاء، والتي قد تتحول الى تظاهرات صاخبة في الشارع، تبقى التساؤلات المقلقة التي تُحيِّر اكثرية اللبنانيين:

كم ستدوم المواجهة السياسية الجديدة··· وهل ستبقى في اطارها السلمي بعيدة عن عنف السلاح في الشارع؟

والى متى سننتظر ظهور حل او <تسوية ما>، بعدما اضاع حزب الله فرصة التسوية الاقليمية بضمانة دولية، والتي كان من المتوقع ان تفتح ابواب المصالحة والمسامحة على مصراعيها··· وتجنّب الوطن المعذّب المزيد من الخضّات والتجارب المريرة··؟

السابق
كلام في المسؤولية
التالي
نصر الله: الحكم على المحكمة