المدعى عليه، يوجّه التهمة الى نفسه!

عندما تتحوّل مجلة دير شبيغل الى مادة لنقض القرار الاتهامي للمحكمة الدولية، يصبح المدعى عليه وكأنه يتهم نفسه بنفسه.

فنظرية اللجوء الى الدفاع في ملف اغتيال الحريري والاغتيالات والتفجيرات التي تَلت من دون الغوص في عمق الملفات، أو الاتكال على تقديم المعلومات المؤهلة بنقض ما سيتضمنه القرار الاتهامي من وثائق وقرائن، تشبه نظرية المؤامرة التي حاول حزب الله اعتمادها كقرينة لمنع اتهام عناصره بالاغتيال، عندما كرّس لها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مؤتمرا صحافيا طويلا، عرض فيه شرائط المراقبة الملتقطة من طائرات إسرائيلية لكورنيش البحر في بيروت، يعود تاريخها الى ما قبل البدء بالأشغال البحرية، في محاولة لإلباس الفرضية التي تتّهم إسرائيل لباسا منطقيا.

حزب الله يحاجج في ملف الاغتيالات من خارج ملف الاغتيالات، وهو يركّز على نظرية المستفيد من الاغتيال، متجاهلا أنّ الفعل قد يكون جهة واحدة، وان الجهات المستفيدة قد يفوق عددها أصابع اليد الواحدة، وقد تتراوح علاقتها بالضحية من الارتباط بأعمق درجات العلاقة، الى أن تكون الاكثر خصومة وعداء، وبذلك تصبح إسرائيل احد ابرز المستفيدين من اغتيال الحريري.

وبالعودة قليلا الى الوراء، فإنّ لجنة التحقيق الدولية قد حققت في كل المسارات، فهي استجوبت عناصر خلية ال 13، كما انها حقّقت في سيناريو اغتيال الحريري جوّا، وهي حققت في اتهام الأوستراليين الستة في الاغتيال، وبذلك لم تترك أي من الاحتمالات إلّا وذهبت فيه الى النهاية، لتخرج بعد ست سنوات من الجهد المستمر بالقرار الاتهامي الذي قطعت رحلة الوصول اليه مسارا صعبا، بسبب المحاولات التي لم تتوقف لمَنع المحكمة الدولية، وقبلها لجنة التحقيق الدولية، من متابعة عملها، حتى وصلت تلك المحاولات الى خوض معركة أخيرة لمنع ولادة القرار الظني، وقد دفعت حكومة سعد الحريري ثمن هذه المعركة.

والأسماء التي وردت في القرار الاتهامي لم تكن بعيدة عن التداول، فمنذ البداية تمّ تحديد عدد من الأسماء بفعل التحقيق، ووصلت الى حزب الله طلبات مباشرة باستجوابهم، وهذا حصل بعد العام 2006. لكنّ الحزب رفض بشكل مطلق، حتى أنّ الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله استقبل رئيس فرع المعلومات الذي وضعه في صورة البدايات الاولى للتحقيق، طالبا منه استجواب بعض الأسماء، لكن الطلب وضع في الأدراج، وقوبل بصَمت الحزب ورفضِه.

ولقد جرت كل تلك المحاولات في العام 2006، بعد ان قامت القوى الامنية بتحديد الأرقام الهاتفية التي نفّذ بها الاغتيال، هذا التحديد الذي كلّف صاحب الاختراق وسام عيد حياته، فاغتيل بسبب كشفه رأس الخيط للخليّة المشتبه بتنفيذها الاغتيال. لكنّ الذين اغتالوه، استعملوا هذه المرة الهاتف الخلوي، لعدم تكرار الخطأ القاتل مرتين.

بعد صدور القرار الظني، سيكون على حزب الله الإجابة عمّا سيتضمنه هذا القرار من وقائع، وهذا لن يتمّ إلّا اذا وافق الحزب على تسليم الأسماء المشتبه بها، وتزويدهم بكل ما يدحض القرار الظني. وإذا لم يفعل، فإنّ وقائع هذا القرار ستصبح هي الإدانة، لأنّ المتهم فَوّت فرصة الدفاع عن نفسه.

السابق
الحياة: جنبلاط يستغرب توقيت القرار الاتهامي ويشدد على تلازم الاستقرار والعدالة
التالي
كيف تصنع ثورة؟