الرئيس نفى عن سورية التهمة مئة في المئة

كثرت التعليقات والتحليلات والمقابلات الإعلامية على قرار الاتهام الذي أصدرته المحكمة ذات الطابع الدولي ضد أربعة أعضاء في حزب الله، احدهم القيادي مصطفى بدر الدين، أخو زوجة عماد مغنية، القائد العسكري في حزب الله الذي اغتيل في دمشق سنة 2007.

ووجدت أنني لن أزيد شيئاً مهماً على ما نشر في بلادنا وحول العالم، فاخترت أن انقل إلى القارئ اليوم وغداً من مقابلة لي مع الرئيس بشار الأسد في 30/5/2010 في القصر الجمهوري المطل على دمشق، ومع السيد حسن نصرالله في مكتبه في الضاحية الذي دمر في حرب صيف 2006.

التوقيت مهم، ففي المقابلة مع السيد كانت سورية متهمة بقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وكان معظم حديثنا عن هذا الاتهام ونوع المحكمة المقبلة. وفي المقابلة مع الرئيس السوري كان حزب الله قد اصبح متهماً بالاغتيال، غير أن الموضوع ورد في نصف صفحة من ست صفحات لأن موضوع المقابلة كان وساطة قمت بها بطلب رسمي مصري لإصلاح العلاقة بين الرئيسين حسني مبارك وبشار الأسد، وهي وساطة انتهت بالفشل.

قلت للدكتور بشار: «إن المحكمة قادمة لأنني لا اعرف عن قرار صدر عن مجلس الأمن الدولي وألغي بعد ذلك»، وهو قال لي: «انه واثق مئة في المئة من أن التحقيق سيثبت براءة سورية من اغتيال الحريري، و بكرة بتشوف».

وحاولت أن احصل على مزيد من المعلومات وقلت له إنني بدأت اصدق ذلك، ولكن ماذا عن أمر حزب الله. ففي كل يوم نسمع تسريبات من التحقيق وأسماء أعضاء في حزب الله خططوا للاغتيال أو نفذوه.

الرئيس الأسد قال لي: «انه يستغرب هذا الكلام، وحزب الله ليس من عادته أن يتصرف بهذا الشكل».

طرحت على الرئيس سيناريو هو أن الجناح العسكري في حزب الله مع الحرس الثوري الإيراني خطط لقتل الحريري من وراء ظهر السيد حسن نصرالله، لذلك اغتيل عماد مغنية قبل أن يصل خيط الاتهام إليه. ورد الرئيس الأسد أن هذا السيناريو وغيره كان موضوع بحث هنا مشيراً بإصبعه إلى مكتبه الذي جلسنا أمامه، إلا انه عاد وقال انه يستغرب التهمة لأن ليس من عادة حزب الله التصرف بهذه الطريقة.

وسجلت في ذهني أن الرئيس نفى عن سورية التهمة مئة في المئة، إلا انه لم ينفها بهذا الشكل القاطع عن حزب الله، ربما لأنه لا يستطيع نفي تهمة موجهة إلى غيره، وإنما يبدي رأياً.

حملت أوراقي بعد المقابلة وعدت إلى لندن حيث أخرجت مقابلتي السابقة مع السيد حسن نصرالله للمقارنة، وبدا واضحاً أن زعيم حزب الله كان يخشى منذ البداية تسييس المحكمة ونفوذ الولايات المتحدة على مجلس الأمن، وإمكان أن تستغل المحاكمة للإيقاع بسورية ومحاولة تغيير النظام.

كنت جلست مع الحاج حسين خليل، المساعد السياسي للسيد، قبل الدخول على السيد للمقابلة، وكان الحاج حسين قد عاد من مقابلة مع رئيس الوزراء فؤاد السنيورة في الساعة السادسة مساء، واتصل به سعد الحريري وأنا معه وفهمت من الحديث الهاتفي انه قدم عرضاً ليعود نواب حزب الله عن مقاطعة الحكومة. ورفض الحاج حسين العرض قائلاً انه لا يلبي شروط حزب الله.

في الجلسة مع السيد حسن نصرالله اتصل سعد الحريري به مرتين، وأرجح انه كان يحسّن العرض المقدم إلى حزب الله. ورفض السيد العرض.

ويبدو أن أخانا سعد خجل من تكرار الاتصال بالسيد، فجاء الاتصال التالي من الحاج حسين الذي بلّغ السيد أن سعد الحريري عاد إلى الاتصال به وقدم عرضاً جديداً رفضه السيد وطلب من الحاج حسين أن يبلغ سعداً هذه الكلمات (حرفياً): «قول للشيخ سعد أن عندي ثلاثة أولاد، أصغرهم أحبهم إلي. يأخذه ولا يطلب مني هذا الطلب».

كان السيد حسن في منتهى التهذيب مع سعد وخاطبه دائماً بلقب الشيخ، وحكى لي بعد نهاية الاتصال أسبابه لرفض عرض العودة إلى الحكومة. وسيجد القارئ غداً تفاصيل موقف حزب الله في حديث السيد معي.

ورأيت سعد الحريري بعد ذلك في دبي وقلت له إنني كنت مع الحاج حسين والسيد حسن وهو يتصل بهما، وسألته لماذا كرر المحاولة ليسمع الرفض نفسه، فقال انه أراد تصفية ذمة جماعة 14 آذار فلا يقول احد إن الحكومة لم تحاول التجاوب مع حزب الله.

السابق
كيف تصنع ثورة؟
التالي
اللعبة أكبر من لبنان..جاهزون لأي طارئ.. وتحت أمر القيادة