هل باتت للامتحانات الرسمية مربّعات أمنية؟

لم يكد يمر اليوم الثاني على الامتحانات الرسمية في الثانوية العامة، حتى ارتفعت صرخة تدين عملية التسريب التي تعرّضت لها مسابقة علم الاجتماع.

"بدأت القصة بعد وضع اليد على المسابقة عينها مكتوبة بخط اليد، وقد وصلت إلى أيدي المرشحين". هذا ما أوضحه رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب، مؤكدا "المضي قدما في التحقيق في هذه القضية وكشف ذيولها، ولا سيما أن الامتحانات الرسمية خط أحمر لا نسمح بالمساس بها".

لا ينكر غريب أن هناك من يحاول وضع العصي في دواليب مسار الامتحانات الرسمية: "هذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها بعضهم الإساءة إلى سمعة الامتحانات الرسمية، منذ نحو عامين تم القبض على شبكة غش". ويضيف: "قد نعجز عن منع الغش كليا، ولكن أقله لنكن له في المرصاد".

ويلفت غريب إلى "أن رابطة الأساتذة ما إن تبلغت الدلائل الحسية إلى عملية التسريب، حتى سلّمتها بدورها إلى وزارة التربية والمدير العام"، مطمئنا في الوقت نفسه إلى أنّ المسألة باتت في يد التفتيش المركزي للتحقق منها. ويشدّد غريب على ضرورة أن يتم التحقيق على مستويين: "بداية، لا بد من التأكد من حتمية عملية التسريب ومن قام بها، وفي ما بعد استكمال التحقيق وإنزال أشد العقوبات بمن هرّب الأسئلة". يضيف: "في كل الأحوال المسابقات ستكشف وأرقام المراكز ظاهرة. لذا، إنّ عملية التسريب ستبقى محصورة".

في هذا السياق، استبعد غريّب أن يتم إعادة إمتحان مسابقة مادة علم الاجتماع: "أستبعد هذا الاحتمال، في الوقت الراهن يفضل التريث وتهدئة البال، ومتابعة الامتحانات بأجواء طبيعية بالتزامن مع أخذ تدابير وإجراءات أمنية جديدة"، مؤكدا في الوقت عينه حرصه على "عدم أن يذهب الصالح بجريرة الطالح من الأساتذة. لذا، نرفض أن تسيء هذه العملية إلى سمعة شهاداتنا والكادر التعليمي، في ما لو صحت عملية التسريب".

ويحذّر غريب من يحاول إظهار الدولة عاجزة عن تنظيم الامتحانات الرسمية: "قد يكون من مصلحة بعضهم إظهار أن الدولة عاجزة وغير قادرة، فأحيانا نسمع بعضهم يتحدّث عن خصخصة الامتحانات وتحويلها إلى شركة أو مشروع مغاير، وكأن الدولة مفلسة وأعجز من تنظيم امتحانات رسمية وضبطها. ولكن في كلّ الأحوال نحن لهم بالمرصاد، والرابطة لن تتهاون في هذا الموضوع". ويسأل: "كيف ننجح في إجراء الامتحانات في قطر ونعجز عن إتمامها على الأراضي اللبنانية؟"

محفوض

بدوره، يؤكّد نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض "أنّ الامتحانات الرسمية خط أحمر"، وبنبرة حاسمة يقول: "أحد المراكز التي شهدت تسريبا أعتقد أنها في منطقة الضاحية، وقد يكون هناك مركز آخر. في كلّ الأحوال، نكرّر مناشدتنا ضرورة دوزنة عملية الرقابة بين مختلف مراكز الامتحانات".

ويعتبر محفوض "أنّ عملية التسريب قد لا تكون متعمدة، إلا أنّها كشفت المستور وأظهرت وجود الكثير من الثغرات التي لا بد من التنبّه لها".

يضيف موضحا: "إذا ثبتت عملية التسريب فعلى الوزير أخذ الإجراءات اللازمة، وإعادة الامتحان في المراكز المعنية. أما إذا كانت عملية التسريب واسعة، فلا بد من تكرار الامتحان في صورة عامة".

أكثر ما يقلق محفوض هي أجواء الرقابة المتفاوتة التي يختبرها الطلاب: "مسألة الانضباط في مراكز الامتحانات زادت عن حدها. إننا نتلقى الشكاوى على نحو مستمر، وأخيرا تلقيت اتصالا من أحد المراكز في الأشرفية يشكو أجواء الرعب التي تمنع الطلاب من الكتابة والتأقلم مع الامتحان، وهذا غير مقبول". ويضيف: "لن نقبل بتحويل بعض المراكز إلى ثكنات عسكرية"، موضحا أنّ "المراقبة يجب أن تكون لمنع الغش وعلى نحو أخوي".

في هذا السياق يسأل محفوض: "ما هي المعايير التي على أساسها يتم اختيار رؤساء المراكز؟ لماذا لم يتغيّر بعضهم منذ نحو أكثر من 10 سنوات؟ أسماء بعضهم باتت معروفة إلى حد يتلقى أصحابها اتصالات هاتفية إلى منازلهم طلبا للمساعدة والدعم". ويضيف: "حان الوقت لتشهد عملية الامتحانات نفضة وإعادة تنظيم وترتيب لسد الثغرات التي بدأت تطفو على السطح".

يصرّ محفوض على بتر عملية التسريب وأي محاولة أخرى يمكن ان تشهدها الامتحانات: "كمعلّمين تكاد لا تكفينا رواتبنا، ولكن ينشرح صدرنا ونفتخر بشهادة طلابنا. لذا، لن نقبل أي مسّ بمستوى الشهادة. لا بد من معرفة من سرّب ومعاقبة من استفاد"، رافضا أي مماطلة يمكن أن يشهدها التحقيق.

دياب يتابع مع مركز التفتيش

وفي محاولة لمتابعة عملية التسريب والتحقق من مدى صحتها، اجتمع وزير التربية والتعليم العالي البروفسور حسان دياب بالمفتش العام التربوي شكيب دويك في حضور المدير العام للتربية رئيس اللجان الفاحصة فادي يرق، واطّلع منه على التطورات المتعلقة بتسلم التفتيش القضية ومباشرة التحقيقات في ما نشرته وسائل الإعلام حول تسريب جزء من مسابقة علم الاجتماع في الامتحانات الرسمية لشهادة الثانوية العامة فرع الاجتماع والاقتصاد في دورتها العادية التي تجرى راهنا. وأكد دويك أن العملية أصبحت بين يدي التفتيش وهو يتابعها، وفي حال ثبوت أي مخالفة سيتخذ في شأنها العقوبات القانونية اللازمة، كما أنه سيرفع كتابا للطلب إلى النيابة العامة عن طريق وزارة العدل التوسع في التحقيقات.

وأشار الوزير إلى أنه تم التعاون مع خبراء في الخطوط لتفحّص المخطوطة اليدوية التي سلّمت إليه وإلى المدير العام للتربية، لمقارنتها بخطوط المعنيين بالامتحانات في مراحلها كافة.

وأكّد الوزير أنه سيذهب في هذا الموضوع إلى النهاية، حتى لو كانت مجرّد شائعة، ولن يغطي أي مخالف. وقد استغل هذه الضجة للتشدد في الإجراءات الإدارية والتقنية علما أنه تم اعتماد أساليب متطورة تمنع إمكان إجراء أي تواصل شخصي أو إلكتروني طوال فترة العمل على الأسئلة التي تخرج من بنك الأسئلة إلكترونيا، كما تشاور مع اختصاصيين في مجال الاتصالات والمعلوماتية والأمن لاتخاذ تدابير وقائية ومنع أي محاولة للتأثير في صدقية الشهادة وفي نزاهة الامتحانات الرسمية، في المستقبل، حتى لو تبيّن أن ما أثير غير حقيقي.

وتفقّد الوزير والمدير العام لجان وضع الأسئلة، واطّلع على كيفية اختيار الأسئلة وطريقة التأكد من مطابقتها للمنهج وعدم تكرارها وصولا إلى الوقت المحدّد لطبعها وتوزيعها فجرا، كما تفقد غرف منامة اللجان الفاحصة. مؤكّدا حرصه على عملها باستقلالية تامة وكاملة لأن كل ما يتعلق بالامتحانات مقدّس.

في انتظار ما ستؤول إليه التحقيقات، يتابع طلاب فرعي علوم الاقتصاد والاجتماع والإنسانيات امتحاناتهم على نحو طبيعي. في كل الأحوال، ما تشهده امتحانات الثانوية العامة أبعد من البحث عما إذا كانت العملية متعمدة بالتزامن مع تسلم البروفسور حسان دياب حقيبة وزارة التربية، والتلطي وراء مآرب سياسية… سمعة الشهادة اللبنانية مهدّدة، فهل من غيارى للدفاع عن مستوى الطلاب الأكاديمي والشهادات الرسمية؟

السابق
صور تعطي المواطنية الفخرية للإيطاليين الجرحى
التالي
زواج المتعة لممارسة الجنس بالحلال