اللواء: طابع التدخُّل السوري المفضوح يُكبِّل عمل الحكومة ويُعيق انطلاقتها

عدم التزام الرئيس ميقاتي بوضع برنامج محدّد لعمل حكومته يعني ضمناً تجنّب التعهّد ببرنامج لاعتبارات غير مُعلنة
في إطلالته التلفزيونية الأولى بعد تشكيل الحكومة الجديدة، حاول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إعطاء انطباع للبنانيين بأن ترؤسه للحكومة الحالية قد تم بفعل حيثيته السياسية الشخصية ولاعتبارات لبنانية محضة، وليس كما ارتسم في أذهانهم لدى تسميته رئيساً للحكومة من قبل تجمّع الاكثرية القسرية الجديدة بقرار سوري اتخذه الرئيس بشار الأسد شخصياً نهاية العام الماضي، كما تردد على لسان شخصيات وسياسيين من كافة الأطراف وفي معظم وسائل الإعلام، وذلك لإبعاد الرئيس سعد الحريري عن سدة الرئاسة الثالثة، رداً على رفضه الانصياع لرغبات الرئيس السوري و<حزب الله> بالتنازل عن المحكمة الخاصة بملاحقة مرتكبي جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري·

لم ينفك الرئيس ميقاتي طوال المقابلة المنسقة سلفاً بإتقان عن تقديم نفسه بمظهر المستهدف بغير وجه حق من قبل خصومه السياسيين، مع حرصه على إعطاء انطباع بأن توليه لمهمات الرئاسة الثالثة ينطلق من موقعه الجامع لكل الأطراف على حدٍّ سواء، وليس لجانب طرف دون سائر الاطراف، إسوة بما كان عليه الوضع لدى ترؤسه الحكومة في ربيع العام 2005· متجاهلاً طريقة تسميته وما تسببت به من انقسام سياسي حاد واختلاف الظروف والوقائع الحالية عن الاوضاع التي تولى بها الرئاسة من قبل وبموافقة كل الأطراف السياسيين آنذاك·

وقد سعى الرئيس ميقاتي قدر الامكان إلى تعميم هذا الانطباع على حكومته ايضاً، وتصوير ولادتها بأنها لبنانية صرفة، قافزاً فوق كل الوقائع الملموسة التي تؤكد بصمات النظام السوري في حسم خيار التأليف المتردد لاكثر من سبب بكل وسائل الضغط والاكراه المعمول بها في مثل هذه الحالات والمعروفة من معظم اللبنانيين، محاولاً تقديم الحكومة للرأي العام اللبناني بصورة جامعة ومشرقة وبطابع تفاؤلي بقدرتها على القيام بالمهمات المنوطة بها في هذه المرحلة الحساسة، وساعياً بكل حنكته لتجاوز مفاعيل الخلافات السلبية التي واكبت عملية التشكيل الطويلة نسبياً والتي تجاوزت سقف التجاذبات العادية في مثل هذه الحالات وأدت الى تآكل قسم كبير من صدقية الحكومة ونظرة الناس اليها وأثرت بشكل ملحوظ على تماسك الاطراف المشاركين فيها وعملهم كفريق واحد في المرحلة المقبلة·

وتجنب رئيس الحكومة عن سابق قصد التطرق الى الخلل التمثيلي الفاضح في الحكومة العتيدة لمناطق مهمة كالعاصمة التي اقتصر تمثيلها على شكل رمزي باهت لا يعبر إطلاقاً عن موقعها وحجمها السياسي والديمغرافي، مع تغييب كامل لهذا التمثيل لمدن كبيرة كصيدا وقسم كبير من البقاع، في حين ان تمثيل طرابلس بهذا العدد من الوزراء لاسباب محض انتخابية وفي محاولة مكشوفة لإعطاء افضلية وتأييد شعبي لرئيس الحكومة وحلفائه على خصومه السياسيين في المدينة بالانتخابات النيابية المقبلة، جاء مخالفاً لكل الشعارات والوعود التي أطلقها رئيسا الجمهورية والحكومة للبنانيين طوال مرحلة التشكيل بالالتزام بتشكيل حكومة يراعى فيها التمثيل المناطقي والشعبي في كل لبنان على حدّ سواء، وهذا لم يلمسه النّاس في تركيبة الحكومة الحالية على الإطلاق·

ولوحظ كذلك، أن الرئيس ميقاتي لم يلتزم بوضع برنامج محدد لعمل الحكومة العتيدة، مكتفياً بعبارات بسيطة ومقتضبة كعنوان لاهتمامات الحكومة وهي ما يعني ضمناً تجنّب إطلاق برنامج أو شعارات فضفاضة قد يكون من الصعب ضمان تنفيذها لاعتبارات ووقائع غير معلنة، إما لعدم ضمان إمكانية استمرار عمل الحكومة الحالية إلى وقت طويل تحتاجه مثل هذه العناوين، او لعدم توافر القدرة ضمن فريق العمل الوزاري الذي تضمنه الحكومة الحالية للاتفاق في ما بينه وتنفيذ مثل هذه البرامج التي تحتاج الى الحد الأدنى من التجانس وتطابق الرؤى·

وفي الخلاصة، بدت رؤية الحكومة العتيدة حيال التعاطي مع المسائل والقضايا الاقتصادية والمعيشية مقتضبة، وغامضة في مقاربة الاستحقاقات المرتقبة كالمحكمة الدولية والقرارات الدولية، ولم تظهر ردود فعل سياسية وشعبية تظهر تقبلاً لتبديد الانطباع بأن وصول الرئيس ميقاتي لسدة الرئاسة الثالثة لم يكن بدافع من النظام السوري كما اراد والاشارة الى ذلك، في حين ان اشارته عن غير قصد بعدم وجود تواصل عربي ودولي معه على مستويات رفيعة، تعزز الاقاويل الرائجة بعدم رضى هذه الدول عن الطريقة التي اعتمدت في وصوله لرئاسة الحكومة وتعطي دلالة على عدم تبدل نظرة هذه الدول تجاه الحكومة الجديدة بعد التشكيل قياساً على النظرة التي كات سائدة قبلها

السابق
الانباء: رئيس المجلس الدستوري لنظام انتخابي يقلص دور العصبيات والمال
التالي
الاخبار: ميقاتي: وعدونا بمعارضة سـلميّة!