هل يريد حزب الله حقاً قيام الدولة في لبنان؟

بين الموقف النظري والمبدئي والوقائع الميدانية

هل يريد حزب الله حقاً قيام الدولة في لبنان؟

في الاحتفال بالذكرى السنوية لرحيل الامام الخميني الذي اقامته السفارة الايرانية في بيروت قبل عشرة أيام، اطلق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله سلسلة مواقف هامة تتعلق بنظرة الحزب الى الدولة في لبنان، حيث أكد «حرص الحزب على قيام الدولة وضرورة العمل من أجل ذلك، وان «قوى 8 آذار» و«قوى 14 آذار» حريصة على قيام الدولة وهذا يتطلب التعاون من أجل تطوير النظام اللبناني والعمل لبناء دولة حقيقية».

لكن هذه المواقف لم تنل حقها من الاهتمام والمناقشة في ظل الأزمة التي يعاني منها الوضع اللبناني على صعيد تشكيل الحكومة والمتغيرات الحاصلة داخلياً وخارجياً والتي تشغل اللبنانيين وتجعلهم في وضع غير مستقر.

وتزامنت مواقف «السيد نصر الله» مع حرص حزب الله على الالتزام بتوجيهات الجيش اللبناني لعدم السماح بقيام تظاهرات جديدة لأبناء الشعب الفلسطيني في لبنان باتجاه الحدود اللبنانية – الفلسطينية في ذكرى النكسة (5 حزيران – يونيو) بعكس ما حصل في الجولان ومناطق فلسطينية أخرى.

ويؤكد هذا التوجه حرص الحزب على عدم تعريض لبنان حالياً لتطورات خطيرة قد تطيح الوضع الداخلي.

ويتحدث مسؤولون بارزون في الحزب عن وجود توجه حقيقي لدى قيادة الحزب للاسراع بتشكيل الحكومة ودعم قيام الدولة ومؤسساتها لمنع حالة الفراغ القائمة ولاستعادة أجواء الاستقرار وتحريك عجلة الوضع الاقتصادي في ظل الأزمات التي يتعرض لها الوضع اللبناني حالياً والتخوف من انعكاس ما يجري في دول المنطقة على الوضع الداخلي. ويؤكد هؤلاء المسؤولون «ان لا خيار أمام اللبنانيين والعرب سوى قيام الدولة الديمقراطية الحقيقية وان يكون للشعب دور أساسي في المحاسبة والمساءلة، وان لا شيء يعوِّض غياب الديمقراطية بعكس ما كان قائماً وسائداً في مراحل سابقة».

فما هي حقيقة نظرة حزب الله لقيام الدولة في لبنان؟ وهل تتوافق المواقف النظرية والمبدئية مع أداء الحزب السياسي والواقعي والميداني؟

المواقف المبدئية للحزب

بداية ما هي الأسس التي ينطلق منها حزب الله تجاه الدولة في لبنان؟ وما مدى صحة انه لا يريد قيام الدولة أساساً لأنه يُقيم «دولة داخل الدولة» أو ما سماه الكاتب وضاح شرارة في كتابه الشهير «دولة حزب الله»؟

المسؤولون في حزب الله، وعلى رأسهم الأمين العام السيد حسن نصر الله يؤكدون في مواقفهم العلنية وفي اللقاءات الخاصة «أن الحزب يريد قيام الدولة القوية والعادلة في لبنان، وان من مصلحة الحزب قيام الدولة لأنه لا يمكن أحداً ان يحل محل الدولة ودورها في الخدمات وادارة شؤون الناس والدفاع عن الوطن، وان نشوء المقاومة الاسلامية كان بسبب غياب الدولة وجيشها، وان الحزب يريد اليوم قيام دولة قوية قادرة على الدفاع عن لبنان، وان دور المقاومة المساهمة في الدفاع عن الوطن وليس الحلول محل الدولة».

كما ان الوثيقة الأساسية الجديدة للحزب التي اعلنت عام 2009 أكدت التزام الحزب بقيام الدولة وحددت الوثيقة رؤية الحزب لهذه الدولة.

لكن الأهم من المواقف العلنية والنصوص الفكرية والسياسية، ما يقوله مسؤولو الحزب في الجلسات الخاصة، حيث يعترف هؤلاء بأن حزب الله غير قادر، حتى لو أراد، على الحلول محل الدولة ومؤسساتها الاجتماعية والتربوية والأمنية والصحية، وان الحزب عمل خلال السنوات الماضية على تشجيع دخول المؤسسات الأمنية والعسكرية اللبنانية الى كل المناطق التي فيها الحزب بقوة، وذلك لمواجهة حالة الفلتان التي عانت منها هذه المناطق وخصوصاً على الصعيد الاجتماعي والمعيشي بعد انتشار ظاهرة المخدرات والفساد.

ويضيف هؤلاء «ان الحملة التي اطلقها حزب الله تحت عنوان «النظام من الإيمان» و«أسرتي سعادتي»، كانت تهدف الى تشجيع الالتزام بقوانين الدولة ومؤسساتها، وهذا يؤكد ان الحزب يعمل لقيام الدولة بشكل حقيقي لأن ما وصلت اليه الأوضاع في بعض المناطق يسيء الى الحزب ودوره ولا يمكن الحزب ان يواجهه «بشكل مباشر» وهو غير قادر على الوقوف بوجهه».

ويعترف أحد مسؤولي الحزب «بأنه خلال نقاشات داخلية حول الموقف من الدولة كان هناك اتجاهان داخل الحزب: الأول يعتبر ان الأفضل العمل لاضعاف دور الدولة ومؤسساتها، والثاني يدعو لقيام الدولة ودعم حضورها، مع تقديم رؤية الحزب حول أية دولة نريد؟ وان وجهة النظر الثانية هي التي انتصرت، ولذلك سعى الحزب في مواقفه الوطنية ومن خلال وثائقه وحلقاته الثقافية الى تأكيد أهمية قيام الدولة، رغم ان الظروف والوقائع السياسية الداخلية لم تساعد الحزب على شرح هذه الرؤية بشكل كبير، ما أساء لمواقف الحزب».

الوقائع الميدانية

في مواجهة المواقف الميدانية والعلنية للحزب الداعية إلى قيام الدولة، تقف الوقائع الميدانية معاكسة لهذه الرؤية، سواء من خلال استمرار احتفاظ الحزب بدور المقاومة الاسلامية العسكري والأمني، أو عبر ما يجري من ممارسات مخالفة لمنطق قيام الدولة من بناء عشوائي والانتشار شبه العسكري خلال فترة تسمية رئيس الحكومة، وما حدث في 7 أيار 2008، وما حصل خلال استقبال اللواء جميل السيد على المطار، إضافة إلى ممارسات عديدة تعارض منطق الدولة. فكيف يفسر مسؤولو الحزب ما يجري من ممارسات تختلف عما يقولونه حول ضرورة قيام الدولة القوية والعادلة؟

يعترف المسؤولون في حزب الله بوجود «حالة استثنائية يمر بها لبنان حالياً أدت إلى ضعف الدولة ومؤسساتها وانتشار ظواهر لا تتناسب أبداً مع منطق قيام الدولة».

اما بشأن استمرار المقاومة الإسلامية فيقولون «ان المقاومة نشأت في ظل ظروف تاريخية ونجحت المقاومة في تحرير الأرض والدفاع عن لبنان وان المطلوب اليوم البحث في الصيغة التي يمكن الاستفادة بها من دور المقاومة بما يتناسب مع قيام الدولة وتعزيز دور الجيش اللبناني، وهذا ما كان يُبحث في طاولة الحوار تحت عنوان «الاستراتيجية الدفاعية»، والحزب مستعد للنقاش في هذا الملف بدون أية مواقف مسبقة».

وتشير المعطيات الميدانية منذ عام 2006 وصدور القرار 1701 إلى ان دور المقاومة الاسلامية تحول الى دور ردعي ودفاعي وهي التزمت بالرؤية العامة للدولة اللبنانية ووقفت خلف الجيش اللبناني في العديد من المحطات، كما أكدت الوثيقة السياسية للحزب الصادرة عام 2009 دور المقاومة الدفاعي والردعي وهذا تطور هام في رؤية الحزب ومواقفه.

أما على صعيد الممارسات الداخلية وحالة الفوضى المنتشرة وخصوصاً في المناطق التي فيها وجود لحزب الله فلا ينفي مسؤولو الحزب وجود مسؤولية معنوية وعملية عن هذه الوقائع وان كانوا يؤكدون وجود مسؤولية على بعض الأجهزة الأمنية التي ساهمت في التغطية على بعض مظاهر الفلتان، وكذلك وجود قوى سياسية وحزبية، قد تتحمل جزءاً من المسؤولية تجاه هذا الواقع والحزب غير قادر على مواجهة هذه الأوضاع وحده، وان الصراع السياسي الداخلي وعدم استقرار الأوضاع يؤدي إلى ازدياد المشاكل والفلتان نظراً إلى استفادة البعض من هذه الأوضاع القلقة.

لكن بغض النظر عن المواقف المبدئية للحزب تجاه الدولة والوقائع الميدانية التي لا تنسجم مع هذه المواقف، لا بدّ من القول أخيراً «ان الدعوة التي اطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حول أهمية قيام الدولة وضرورة البحث حول كيفية تطوير النظام بعيداً عن الحسابات السياسية والحزبية، يجب ان تشكل مدخلاً حقيقياً للبحث في كيفية اخراج لبنان من المأزق الحالي، سواء على صعيد تشكيل الحكومة، أو لجهة دراسة موقع لبنان مما يجري من تطورات في الدول العربية وخصوصاً في سوريا، وكل ذلك يتطلب «مبادرة انقاذية» غير تقليدية»، إما يتولى حزب الله إطلاقها أو يتم العمل للبحث عنها عبر حوارات ونقاشات بعيداً عن الأضواء، فهل يتم التقاط هذه الفرصة، أم ان الأوضاع والظروف السياسية الداخلية والخارجية ستطيح الأوضاع اللبنانية وتأخذ لبنان نحو المجهول؟

السابق
مخيبر:يحق لمجلس النواب ان يجتمع لممارسة وظائفه
التالي
بري:كلام جعجع رسالة لميقاتي كي لا يقدم على التأليف ولينتظر ليرى البركة