فضل الله:آن الاوان لنزع حقول الألغام أمام التشكيل لتحصين البلد داخليا

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين.
وتناول فضل الله في خطبته "مسيرات العودة" في ذكرى النكسة فقال: "لقد أعاد الشباب الفلسطيني والسوري عند أطراف الجولان توجيه البوصلة مجددا نحو فلسطين، وتأكيد إرادة أهلها بالعودة إليها، رفضا لكل هذا الواقع الذي فرضه الكيان الصهيوني بالقوة، والذي يسعى المجتمع الدولي إلى تثبيته تحت عنوان التفاوض الذي يريدونه، تفاوض الذئب مع الحمل".

واشار الى انه "في مواجهة هذا الشباب الأعزل الذي يحمل كل المشاعر الصادقة والطاهرة، والمتطلع إلى هدف وحيد، وهو العودة إلى دياره وديار آبائه وأجداده، لا يبتغي من وراء ذلك هدفا سياسيا آنيا أو تسجيلا للنقاط في مواجهة هذا الشباب، قام الاحتلال بارتكاب أسوأ أنواع المجازر ضد هذا الشعب، التي شكلت طعنة في قلب الإنسانية، وفجيعة أصابت البشرية، من دون أن يحرك هذا المجتمع الدولي ساكنا لإدانة الإجرام الصهيوني، بل إنه ساوى بين الجزار والضحية بكلمات خجولة لا يعيرها قادة العدو أية التفاتة، لأنها تفتقد الحد الأدنى من الضغط الذي يشعر العدو بحجم الجريمة التي ارتكبها، أو بتحميله المسؤولية من خلال عقوبات تفرضها عليه المؤسسات الدولية، والتي تنصلت من القيام بكل ما يزعج العدو، ابتداء من مجلس الأمن إلى المحاكم الجنائية الدولية".

وقال: "أن القراءة المتأنية لهذه المجزرة، إذ تشعرنا بالروح المتوحشة والإجرامية لهذا الكيان، فإنها تشعرنا في الوقت نفسه بضعف هذا العدو وجبنه، وقد برز ذلك واضحا، إن في مواقف قادته السياسيين والعسكريين، أو في إعلامه، أو في الحركة الميدانية لجنوده وضباطه، حيث ظهر خوفه كبيرا من هذه الروح الجهادية المتأججة حبا للوطن، واستعدادا للتضحية لا حدود لها، لأنها تعبر عن عمق الجراح التي أصابت شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية والإسلامية".

ودعا فض الله "إلى إبقاء هذه الروح الثورية وإنعاشها بكل الوسائل، لئلا تضيع في متاهات الصراعات الداخلية"، كما دعا "الأمة إلى وقفة مسؤولة أمام ما يجري في فلسطين المحتلة، من إحراق للمساجد على يد المستوطنين الصهاينة المدعومين من قوات الاحتلال، والتصدي لهذا العدوان المستمر على الإنسان والمقدسات في فلسطين، لأن الأمة إن لم تتحرك، فلن تنطلق مواقف مسؤولة في هذا العالم الذي لا يعبأ بالإنسان العربي والمسلم والفلسطيني، ولا يهمه كل ما يتعرض له من ظلم، لا من قريب ولا من بعيد، إلا إذا كان قويا في عالم لا يحترم إلا الأقوياء".

ولفت الى انه "بينما يرتكب العدو مجازره في وضح النهار، ولا تنطلق في وجهه كلمات حاسمة، لا من دول الاتحاد الأوروبي ولا غيرها من الدول، تتحضر الإدارات الغربية لاستصدار قرار دولي في مجلس الأمن، مستغلة الأوضاع القلقة، خدمة لمشاريعها الاستكبارية للانقضاض على المنطقة، ولا سيما قوى الممانعة، وفي الوقت نفسه، يتحرك الحلف الأطلسي لاستكمال مخططه لرسم مستقبل ليبيا على صورة مصالح دول هذا الحلف، ما يتطلب من كل الشباب العربي الأخذ بعين الاعتبار المطامع الاستكبارية التي تتستر أحيانا بعباءة الإصلاح، وتجعلنا نخشى في ظل كل ما يحدث في ساحة الثورات العربية وخارجها، أن تستنزف الساحات الداخلية في صراعات تتوالى بين أبناء البلد الواحد، وترتفع فيها أصوات الفتنة، ويشهر فيها سيف المذهبية المختنقة، فيما الثروات تنهب، والعدو الصهيوني يقهقه، ولا يكتم الأسرار في أنه يعمل على استغلال كل ما يجري في الساحة العربية، ليستكمل سيطرته الكاملة على القدس، ويهود ما تبقى من الضفة الغربية".

وشدد على "ان السبيل الوحيد لتطويق هذا المخطط وإسقاطه، فيتمثل في أن تعمل الشعوب العربية والإسلامية، بكل فئاتها وطلائعها الواعية، على وأد الفتنة، وكف يد الأجنبي عن العبث بأوضاعها الداخلية، ودفع عجلة الإصلاح إلى الأمام قدما".
ورأى "ان من حق الشعوب العربية أن تحظى بحكومات عادلة، وبعناصر نظيفة الكف على مستوى السلطة، ولكن المسألة تستحق العمل الجدي، والسعي الحثيث، والحركة المسؤولة، حتى لا تخرج مجتمعاتنا وشعوبنا من باب الفساد، فتدخل في أنفاق الفتن الدامية والمعارك الداخلية المتنقلة، إننا نتطلع إلى كل شعوبنا أن تتحرك بإرادة عاقلة وحرة، بعيدا عن تدخلات الآخرين وتآمر المتآمرين".

وضع لبنان
وتطرق فضل الله الى الاوضاع في لبنان فقال: "أما لبنان، فقد أصيب بدوار جديد بين أحلام التفاؤل بولادة الحكومة، وحمى التشاؤم التي تصر على ربط مصير البلد بكل ما يجري من حوله، ليبقى على لائحة الانتظار، ويبقى رهين التطورات في المنطقة، وليتجرع المزيد من الآلام الاقتصادية، ويعاني جراء اللا إستقرار السياسي، ويبقى في دائرة الاستهداف الأمني".

وأكد "إننا أمام هواجس اللبنانيين القاتلة، في ظل هذه الأوضاع الصعبة، ندعو المسؤولين إلى الاستفاقة من غفلتهم، لفتح الطرق أمام كل المحاولات التي من شأنها تحصين البلد داخليا، بدلا من انتظار تعليمات الخارج، ثم، ألا تكفي فوضى السياسة في لبنان التي أدمنها النادي السياسي اللبناني، والتي تستدعي مواجهة حقيقية للأزمات، بدلا من سياسة إدارة الظهر لها؟ أما آن الأوان لنزع حقول الألغام أمام تشكيل الحكومة، حتى لا تضيع الدولة ويضيع الشعب تحت ذرائع سقطت وحجج تتبدل كل يوم، فتارة تتصل المشكلة بالأحجام، وطورا بالمواقع والمناصب، وتارة أخرى بالأسماء؟ إننا نحاول أن نقنع النفس بأن هذه الدوامة السياسية التي تؤدي إلى الهاوية قد انتهت، لنطمئن اللبنانيين بأن الحكومة التي انتظروها آتية، علها تخفف ولو قدرا يسيرا من آلامهم التي تفاقمت بفعل الأنانيات، حتى تحولت إلى آلام مستعصية على المعالجة".

وختم "أخيرا، فهنيئا لكل هؤلاء الحكام بهذا الشعب الهادئ والوادع، على الرغم من كل الآلام التي يعيشها، فلا مرة حاسب حكامه، ولا يوما استخدم سلطته في المناسبات الانتخابية لمحاسبة المسؤولين، فهل أدمن هذا الشعب على الاستسلام لهذا الواقع الأليم، فيما قوة الشعب تصنع المعجزات؟ فهلا استخدمنا قرارنا باستقلالية ولو لمرة، حتى يحسب لنا الحاكم حسابا فيما يقدم عليه أو يمتنع عنه؟ أيها اللبنانيون، مارسوا حريتكم وقراركم ولو لمرة، وستعرفون عندها مدى قدرتكم على تعديل السياسات وتبديل الحكام، وإننا بغير ذلك لن نكون شعبا جديرا بوطن أفضل".

السابق
هنك من يجرأميركا إلى نزاعات مسلحة في المنطقة
التالي
السفارة الفرنسية تعلن عن حملة تشجير في الجنوب غدا