قوى الأمن الداخلي تطوّع 400 امرأة بينهن ضباط

يتزامن الاحتفال بمرور 150 عاماً على تأسيس قوى الأمن الداخلي مع توجه المؤسسة الذكورية الطابع، إلى إدخال «الجنس اللطيف» إلى صفوفها منذ عام تقريباً. وقبل هذه الخطوة لم يكن هناك سوى سيدتين فحسب تعلقان شارة رتبة نقيب، من أصل 23 ألف عنصر موزعين بين رتباء وضباط

وإذا كانت مؤسسة قوى الأمن الداخلي تثير جدلاً سياسياً واسعاً منذ العام 2005، فإن فتح باب التطوع أمام الفتيات سيسهم حتماً في تلميع صورتها عند المواطن. في المقابل يبدو ان دون هذه الخطوة عقبات ومحاذير عدة يتم العمل على حلها من قبل متخصصين، وفي مقدمتهم النقيب سوزان حاج حبيش التي تراكم خبرة عشرة أعوام في المؤسسة، خدمت خلالها في مراكز عدة، من المعلومات إلى الاتصالات إلى القوى السيّارة، وصولاً إلى الشرطة القضائية.

تحمل النقيب حاج حبيش دبلوماً في هندسة المعلوماتية والاتصالات. لعبت الصدفة دورها في دخول خريجة الجامعة اللبنانية إلى سلك قوى الأمن.

«كانت لدي البنية الجسدية والنفسية العسكرية اللازمة، لكنني اصطدمت بعدم وجود مدرسة حربية للإناث في لبنان، إلى ان أعلنت شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي في العام 2000، وفجأة، عن طلب تطويع ضباط متخصّصين، من دون ذكر العبارة المعهودة «للذكور فقط». شكل الإعلان فرصة لنساء كثيرات سارعن الى التقدم الى الامتحانات، ولم تتمكن اللجان المختصة من رفضهن.

كانت النقيب حاج حبيش «مستعدة لخوض الامتحانات»، فتقدمت بطلب، وقُبلت «بعد امتحانات دامت اشهراً عدة». هي لا تميز «أبداً بين رجل وبين إمرأة»، بل تؤمن «أن نجاح أي منهما، في أي ميدان، يعود الى شخصيته وكفاءته».

ترسم النقيب صورة جميلة عن مدى تقبل زملائها لها في السلك العسكري الذكوري الطابع، فـ«معظم الرؤساء يحترمون وجود المرأة في السلك، وقلة منهم يشكّكون في قدراتها». لكنها، مؤمنة بعملها وبالموقع الذي تشغله، و«بالتالي، فإن من لا يؤمن بي، أو بالمرأة بشكل عام، هو من سيواجه الصعوبة، لأن تقدّم المرأة في المجال العسكري أمر محتّم».
400 دركية في جميع القطعات
منذ حوالى العام إذن، تحاول قوى الأمن الداخلي تغيير سلوكها «الجندري» عبر إشراك المرأة في بعض المهام مساواة بالرجل. ونظمت المؤسسة دورة تطوع، لرتبة دركي، من الذكور والإناث، في خطوة هي الأولى، كما طلبت ضباط اختصاص في مجالات عدّة، علماً بأن الدورة نفسها كانت باشرت امتحاناتها في العام 2005، وألغيت بسبب عدوان تموز 2006.

تقول النقيب حاج حبيش «إن إدخال المرأة إلى سلك قوى الأمن يأتي انطلاقاً من إيمان قيادتها بمبدأ المساواة بين المرأة والرجل، وبامتلاكها الطاقات عينها، وبأنها مكوّن أساسي لنصف المجتمع».

واستنادا لهذا «الإيمان» فستوزع السيدات المتطوّعات على قطعات قوى الأمن الداخلي كافة، ولن يقتصر وجودهن على الإدارات فحسب. تقول النقيب حاج حبيش: «سيتمّ توزيع المتطوعات بما يتناسب مع شخصية كلّ امرأة، على قاعدة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب». وستخضع الضابطات والرتيبات الجديدات لـ«دورة تدريبية مدتها ثلاثة أشهر أو أكثر، تشمل دراسة قانون قوى الأمن الداخلي الرقم 17، بالإضافة الى موادّ قانونية أخرى وكيفية كتابة المحاضر والتقارير، كما ستتدرّبن على كيفية التعاطي مع السلاح، من فكّ وتركيب ورماية، إضافة الى دروس في التنشئة التكتية أي وضع فرضيات عسكرية معينة وتنفيذها في عمليات تمويه، مما يعني انخراطهن في صلب العمليات الأمنية».

وبالإضافة إلى الدروس النظرية، «ستخضع المتطوعات لتمارين جسدية، وأخرى تركز على صقل شخصية عسكرية صلبة تتلاءم مع طبيعة عمل العسكر. وستأخذ المؤسسة 400 دركية رتيبة، أي ما يوازي نسبة 10 في المئة من آخر دفعة للذكور وتضم 4 آلاف عنصر. أما بالنسبة إلى الضابطات فإن نسبتهن لم تحسم بعد من أصل 25 ضابطاً، بانتظار قرار قيادة قوى الأمن.
تشير النقيب حاج حبيش إلى أن «التوزيع الطائفي سيكون 3 آلاف مسيحي من أصل 4 آلاف متطوّع، بهدف تعزيز قوى الأمن الداخلي بالعسكر أولاً، وإرساء التوازن الطائفي ثانياً. وبهذا تصبح نسبة المسيحيين عندها بين 35 إلى 40 في المئة، من مجمل العديد».

ستبدأ السيدات بالظهور ميدانياً بعد 6 أشهر «ومعها، سيلمس المواطن اللبناني نقلة نوعية»، وفق حاج، «خصوصاً أن حضور المرأة سيسدّ ثغراً موجودة في مجالات التحقيق والتفتيش، وكذلك في عمليات توقيف السيدات، حيث من الأفضل إرسال شرطيات للتعاطي مع المواطنين، إذ وبحسب طبيعة المرأة، فإن لديها تعاوناً موجّهاً مع المجتمع، ولا سيما لناحية الأمور المختصّة بالعنف الأُسري».

ثقافة التعاطي مع الدركيات
لكن ماذا عن عملية تأهيل العسكر والضباط الذكور بغية نشر ثقافة التعاطي مع الجنس الآخر في السلك العسكري؟

تقول النقيب حاج حبيش: «أخذنا الواقع الذكوري لمجتمعنا بعين الاعتبار، وستكون له معالجة جدية ومسؤولة، وبدأنا سلسلة محاضرات لكافة عديد قوى الأمن الداخلي، وقدمت شخصياً محاضرات في دورات عدة، فاق عدد المشاركين فيها 6 آلاف شخص، وتركز موضوع المحاضرات حول «أهمية إشراك المرأة في مجال إنفاذ القانون والشرطة المجتمعيّة». لمست النقيب «حجم الاهتمام من خلال الأسئلة التي انهالت، وأيضاً مدى الحاجة الى تبديل نظرة الرجال التي ورثوها». ومن الظواهر التي رصدتها «أن بعض الرجال يعتبرون أن نسبة البطالة كبيرة في لبنان، وأنه من غير المجدي أخذ الوظائف من أمام الرجل وإيلاؤها للمرأة»، وهو ما يبرز «غياب ثقافة المساواة، فضلا عن تساؤل بعضهم عن الصعوبات الروتينية التي يواجهها العسكر عادة، وكيفية تعاطي المرأة معها».

ولكن هل هناك قوانين في المؤسسة العسكرية تعاقب على التحرش الجنسي في حال حدوثه؟
ترى النقيب حاج حبيش إن وجود الجميع في مجتمع عملي مختلط «يجعل حوادث مماثلة واردة الحدوث في أي مكان سواء أكان شركة خاصة أم مستشفى، وسواها من أماكن العمل»، مشيرة إلى أن ما هو وارد خارج قوى الأمن وارد داخلها، و«بالتالي ينبغي معالجة الموضوع ضمن قوانين متخصصة». وتشير إلى أنه «لا يوجد في لبنان قانون يضبط أو يعاقب على التحرش الجنسي»، لافتة الانتباه إلى أن لبنان «وقع على اتفاقية سيداو منذ عام 1996، لكن ليس لدينا إلا مشاريع قوانين لغاية اليوم، وبالتالي نعمل على معالجة الموضوع ضمن إطار مؤسسة قوى الأمن الداخلي». أخيراً تلقت المؤسسة نصوصاً قانونية من خبراء أجانب متخصصين في القوانين التي تحمي المرأة، و«نعمل على ترجمتها وتنقيحها لجعلها ملائمة لمجتمعنا، وسيتم نشرها بشكل مذكرات وتعاميم ضمن مؤسسة قوى الأمن، وهو ما يجعل الوضع أفضل منه في الخارج».

وبغض النظر عن مدى مساهمة وجود المرأة في قوى الأمن الداخلي في إعادة تلميع صورة المؤسسة، ترى النقيب حاج حبيش أن قوى الأمن الداخلي «عرفت نهضة نوعية خلال الأعوام الخمسة الماضية، خصوصا في مجال التحقيقات الفنية، ممّا وضعها في المقدمة مع الأجهزة الأمنية الأخرى»، مشيرة إلى انه «باتت لدينا اليوم برامج وتجهيزات عالية التقنية بالإضافة إلى عسكر متخصص ومدرّب فنيّا وجسديّا، وهو ما رفع من نوعية التحقيق والملاحقة ونقل العمل الأمني من الطريقة العادية إلى أنظمة تعتمدها الدول الكبرى». أما التحدّي لدى قوى الأمن اليوم، «فهو تعميم هذه النظم إلى القطعات كافة لكي يشعر بها المواطن».
أما ما يسيء الى صورة قوى الأمن، وفق النقيب حاج حبيش فهما أمران، «الجهل والتقوقع، وسنحاربهما بالحفاظ على ما نملك من تقنيات، ونشرها على القطعات كافة»، فبرأيها «ستساهم الدورة الأخيرة، حيث تمّ تطويع عدد كبير من المسيحيين، في إعادة التوازن الطائفي إلى المؤسسة كي لا يشعر أحد بأنها لطائفة دون أخرى، وإنما للوطن بأكمله».

شاركت النقيب حاج حبيش أخيراً بدورة في الولايات المتحدة الأميركية ضمن برنامج «الزائر الدولي». زارت ولايات واشنطن ونيويورك وفلوريدا وتكساس، واطلعت مع المشاركين على النظام الفيديرالي الأميركي والقوانين المستحدثة في مجالات تبييض الأموال والجرائم العالية التقنية إلى التقنيات الجديدة المستخدمة في السجون، وضبط الحدود والتعاطي مع الداخلين خلسة الى البلاد وغيرها من الأمور». ولفتت انتباهها خلال الزيارة إلى المراكز العسكرية، «النسبة العالية لمشاركة المرأة، وتبوؤها المناصب العالية»، فهناك، لم يعد موضوع المساواة مطروحاً بل ثمة إيمان كامل بطاقات المرأة وقدراتها على النجاح». وعن الأفكار التي نقلتها إلى قوى الأمن بعد هذه الدورة تقول النقيب: «بعد كل دورة نعمد كمشاركين إلى تقديم تقارير عما حضرناه، وما يمكنه الإسهام في تحسين أداء قوى الأمن الداخلي»، وعليه «طالبنا بتشكيل لجنة لوضع أطر لتحديث طريقة العمل في مكاتب متخصصة».

وبغض النظر عن دور الجمال أم عدمه في تسهيل مهمة المرأة في السلك العسكري، ترى النقيب حاج حبيش أن «ما يهم هو تمتع الضابط بكاريزما القائد، لأن نوعية عملنا تعتمد على إصدار الأوامر، والكاريزما التي يتمتع بها القائد، تجعل العسكر يتأثرون به وبأفكاره وينفذون أوامره بلا تردد».

السابق
السفير: فرنجية: ابني طوني مرشح لانتخابات 2013
التالي
بري في مواجهة الديموقراطية القبلية