امتحانات البريفيه… رهبة الصغار

أكثر من 60 ألف طالب خاضوا، أمس، اليوم الأول من امتحانات «البريفيه» في مادتي الجغرافيا والرياضيات. الغياب لم يتجاوز الـ3% نظراً الى الأعداد القليلة للطلبات الحرة، أما الأهالي فبدوا أكثر قلقاً من أبنائهم

صخبٌ في الصباح أمام ثانوية الغبيري الثالثة الرسمية. صراخ يكاد يتحوّل بكاءً لحظة إعلان رئيس المركز قرب موعد الدخول إلى قاعات الامتحانات الرسمية. يرتبك الطلاب من الصوت، فينكبّون على كتبهم، كأنهم يحملونها للمرة الأولى. يقلّبون صفحاتها، في محاولة لتنشيط ذاكرة صغيرة، أهلكها التوتر صبيحة اليوم الأول. يقرع الجرس مرة أخرى. يرمي الصغار كتبهم خارجاً، ويدخلون تلاحقهم الدعوات والصلوات.

الثامنة والنصف صباحاً، يتغير المشهد. في الداخل ممتحنون وفي الخارج عيون أمهات شاخصة إلى أعلى، علّها تلتقط إشارة «جيدة» ممن بانوا من النوافذ. يطول الانتظار خارجاً قبل أن يأتي الخبر عقب أقل من نصف ساعة من بدء مسابقة الجغرافيا «عم بيقولوا هينة». تنفرج أسارير المنتظرين خارجاً، كما داخل القاعات، حيث يزول التوتر ويعود الممتحنون كأنهم «خارج مركز امتحانات رسمية»، كما تقول رئيسة المركز باسمة سرور.

تنتهي المادة الأولى، فيخرج الطلاب من القاعات. ابتساماتهم تشي بأن الامتحان الأول كان سهلاً. «هينة هينة»، تقول الطالبتان فاطمة جوني وفرح العطار. ثمة إجابات أكثر دقة «سهلة إلى درجة أنني سآخذ 19 وثلاثة أرباع على عشرين، فقد أخطأت باسم مدينة فقط»، تجزم سارة الحاج حسن. مع كل هذه السهولة، لم يرتح البعض لسؤال عن أهمية القطاع المصرفي في الاقتصاد اللبناني. «السؤال يحتاج إلى تحليل وغير موجود في فقرة واحدة في الكتاب»، بحسب حسين مشيك.

لكن، بكل الأحوال، بقي «قطوع» واحد، هو الرياضيات التي أعادت إلى الطلاب الشعور بالرهبة بأنهم مقبلون على «مجهول»، وبما أنّها أكثر المواد التي يحسبون لها حساباً، لازم هؤلاء القاعة حتى اللحظة الأخيرة يراجعون ما كتبوه قبل التسليم.
الثانية عشرة إلا عشر دقائق، يخرج الكل دفعة واحدة ويفتح الباب الكبير لثانوية حسن صعب الرسمية، فيهرع الأهالي نحو أولادهم يراقبون وجوههم. تلك الوجوه التي انقسمت ملامحها بين مرتاحة وذابلة، وثالثة متأرجحة بين «الجيد» و«اللابأس».

المرافق إلى ثانوية فرن الشباك الرسمية للبنات. في هذه الأثناء، كان يرق يُطمئن الوزير إلى سلامة إيصال الأسئلة إلكترونياً إلى سفارة لبنان في قطر حيث تجرى الامتحانات الرسمية للمرة الأولى، فيما الاتصالات ترد من رؤساء المناطق التربوية لإطلاع المدير العام على وضع المحافظات اللبنانية.
وذكّر الوزير بعد المحطة الثالثة له في مدرسة الشياح الثانية ـــــ إنكليزي، وثانوية عمر فروخ عند جسر الكولا، بغرفة العمليات في وزارة التربية التي تتلقى الشكاوى من الأهالي. وعن تلامذة المدارس غير القانونية، أو الذين تتوجب عليهم أقساط مدرسية، أوضح الوزير أنّه يجب ربط النزاع بشكوى أمام مجلس العمل التحكيمي ليُقبل ترشيحهم، ويتولى القضاء توفير حقوق المدارس. أما بالنسبة إلى المدارس غير المرخصة، فهناك عمل لإيجاد حل قانوني ربما يتبلور قبيل الدورة الثانية.
وقد مرّ اليوم الأول من امتحانات «البريفيه» بهدوء في طرابلس، فلم تتجاوز نسبة الغياب حاجز الثلاثة في المئة. على الرصيف المقابل لمدرسة مي الرسمية للبنات، تجمّعت عشرات الأمهات. القلق كان بادياً في عيونهنّ وهنّ يلوّحن لأبنائهن بعد انتهاء المسابقة الأولى. «كيف عملت يا رامي؟»، تسأل إحداهنّ بصوت مرتفع ابنها رامي خباز، فيشير لها من نافذة الغرفة بيديه إيجاباً، فتناديه ثانية «شو جابولك؟»، فيردّ عليها «جابوا لنا سؤال عن الزراعة»، فلا تملك إلا أنها تعبّر بارتياح عن ذلك، وتقول: «يقبر قلبي، حافظ هيدا الموضوع منيح».

في صور، بدت الثانوية الرسمية المختلطة أكثر هدوءاً من أي يوم تدريس عادي، على الرغم من أنها من أكبر مراكز تقديم الامتحانات في المدينة. صباحاً، تباينت الأحوال النفسية للطلاب الذين احتشدوا عند مدخل الثانوية الرئيسي. منهم من بدا عليه الخوف وهو يجري المراجعة الأخيرة للدروس، ومنهم من بدا واثقاً من قدرته على اجتياز الامتحان بسهولة. أما الأهالي فبدوا أكثر قلقاً من أبنائهم، وقد أشارت إحدى الأمهات إلى أنّ ملازمتها ابنها طوال يوم الامتحانات توتّرها، لكنها لا تستطيع أن تتنظره في المنزل.
بعيد الحادية عشرة والنصف، يبدأ الطلاب بالخروج. كثيرون راضون وكثيرون خائفون. دقائق وتنفضّ باحة الثانوية التي ازدحمت بالأهالي الواصلين ليقلّوا أبناءهم. ينصرف هؤلاء آملين بانقضاء أيام الامتحانات الثلاثة الباقية بلمح البصر، من دون أن يفارقهم تمنّ بإلغاء امتحان البريفيه من أساسه.
أما في صيدا، فتجول إحدى الراهبات من مدرسة راهبات عبرا على تلامذتها الممتحنين في ثانوية د. نزيه البزري الرسمية لشحذ هممهم، موصية إياهم بعدم التوتر، ومستفسرة عما إذا كانوا قد نفذوا تعليمات إدارة المدرسة، بتناول «ملعقة سمسم» قبل توجههم الى قاعات الامتحان، على اعتقاد أن السمسم «يفتح العقل والذهن»، أما التلميذ محمد السيد، ففضّل تناول سبع حبات تمر كما فعل تلامذة آخرون أو بتناول «حبة البركة» الجالبة للحظ والتوفيق. أمهات وآباء رافقوا أولادهم وأمدّوهم بجرعات معنوية.

أمام مركز ثانوية الحكمة في دورس ـــــ بعلبك، حاول الأهالي قتل التوتر بسيجارة تارة، وتبادل الأحاديث تارة أخرى. ريما مكية رافقت ابنها «لتشجيعه ولكونه أول ولد بالعيلة يتقدم للامتحانات الرسمية». أما غنى مرتضى فحضرت مع ابنتها لكي لا تميّزها عن أشقائها الثلاثة الذين سبقوها.

المشهد داخل الثانوية لا يختلف لجهة الهدوء عن باقي المراكز في بعلبك ـــــ الهرمل. لكن الاختلاف بدا واضحاً خارج مجمع عمشكي التربوي، بسبب صعوبة وصول الأهالي إلى المجمع وخطورة الطريق، فضلاً عن الازدحام الخانق للسيارات. الأهالي
انتقدوا قرار وزارة التربية باختيار هذه المنطقة الضيقة، فالمجمع يضم ثلاثة مراكز للامتحانات الرسمية. الازدحام لم يقتصر على عمشكي، بل طال طرقات مدينة بعلبك، ودوار دورس ــ عين بورضاي، ما استدعى تدخل عناصر إضافية لقوى الأمن الداخلي لتسهيل حركة المرور.

السابق
قانون جديد للتعليم العالي
التالي
“قانون تشفيط حضاري”