الجمعيات تطلق صرختها وتحذّر من الإقفال

المجتمع الاقتصادي غاضب.. ماذا يعني؟ عبارة قد لا تختصر مجريات التجمع الحاشد للجمعيات التجارية الممثلة لمختلف المناطق اللبنانية، التي التقت في جمعية تجار بيروت أمس. لكنها كافية للتعبير عن المنعطف الخطر الذي انزلق إليه الوضع الاقتصادي عموماً والتجاري خصوصاً، من جراء السياسات الحكومية المتعاقبة بالدرجة الأولى، وبفعل المماطلة المتمادية واللامسؤولة في تشكيل الحكومة الجديدة؛ الضرورية، بطبيعة الحال، لتسيير شؤون البلاد والعباد. لكن لا حياة لمن تنادي!

فلا الحكومة ستتشكل لأن التجار مستاؤون، وهي لم تكن يوماً في وارد التشكّل استجابة لمتطلبات تحقيق الصالح العام. ولا الحكومة الجديدة، إن تشكلت آخر الأمر، سيكون شغلها الشاغل إيجاد حلول لمشاكل الاقتصاد والتجار. الحكومة الجديدة، في أحسن الأحوال، ستدير أزمة تنحو منحى تصاعديا منذ سنوات، وهي مرشحة للانفجار لألف سبب وسبب. على التجار إذاً أن يتأقلموا أو أن… هذا من جهة. ومن جهة ثانية يعلم المجتمع التجاري علم اليقين انه لا يشكل قوة ضغط مؤثرة على الطائفيات السياسية الفاعلة الفعل الأول والأساس في المشهد السياسي اللبناني، إلا أنه مع ذلك ما انفكّ يحاول ويحاول.

علّ صوته الخفيض يصل إلى ما وراء جدران الصخب الفئوي والعبثي. لسان حاله على الدوام أن نضيء شمعة خير من أن نلعن الظلام ألف مرة. لكن لا اللعن نفع مع طقم سياسي كهذا، ولا إضاءة الشموع جعلتهم مرئيين ومن ثم مسموعين من سائر القوى الأهلية المتصارعة على السلطة والإمرة. وهو ما حدا برئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس الذي تلا البيان الختامي للاجتماع، أن يختم البيان بالقول تيمّناً بالمسيح: الوضع لم يعد يحتمل.. ومن له أذنان فليسمع. شمّاس يعلم جيداً أن المسيح لمّا أطلق صرخته المدوية تلك لم يلقَ جواباً من أحد! حالة طوارئ اقتصادية رئيس جمعية تجار مار الياس عدنان فاكهاني يؤكد أن لبنان يتعرض لما يشبه الـ"تسونامي الاقتصادي"، ويقول انه "للمرة الأولى منذ سنوات تجتمع الجمعيات التجارية من مختلف المناطق لتطلق صرخة موحدة احتجاجاً على التراجع العام والكبير للنشاط التجاري، بما يقارب الـ40 إلى 50 في المئة على تفاوت بين صنف وآخر".
 
ويضيف "الغالبية العظمى من التجار في إجمالي المناطق لم يصرّفوا بضاعتهم الشتوية إلا بحدود الـ30 إلى 40 في المئة. ما يعني أن 60 إلى 70 في المئة من البضاعة لا تزال مكدّسة في المخازن، ولم يدفع ثمنها للبنوك بعد". لذا، يتابع فاكهاني، "يذوق هؤلاء التجار الأمرّين وهم يحاولون تصريف البضاعة الشتوية من أجل استقبال البضاعة الصيفية". ويختم بالقول "ثمة حوالى 200 ألف مؤسسة تجارية فاعلة في مختلف الأراضي اللبنانية، تؤمن حوالى 60 في المئة من ايرادات الدولة الضريبية، وهؤلاء بات جزء كبير منهم على حافة الإفلاس، ما يهدد الاقتصاد الوطني برمته". التاجر ينزف وكان شمّاس قد افتتح البيان، الذي حمل عنوان: "التاجر ينزف والاقتصاد يتدهور"، متوجهاً إلى المسؤولين الذين لم يسمّهم بالاسم، بالسؤال "إلى أين انتم ذاهبون؟ والى أي مهالك تجرون الاقتصاد اللبناني؟ أفلا تدرون أن النشاط التجاري قد أصابته نكسات متتالية، فتراجع بنسبة 30 في المئة في مختلف قطاعاته، لا سيما في الآونة الأخيرة، بينما الأعباء تتعاظم والديون تتراكم".

وعن الاتصالات مع مختلف الأفرقاء السياسيين، أكّد شماس لـ"السفير" أنها جارية على قدم وساق، لكن "لا شيء يبشر بالخير، وما من بارقة أمل قد تشي بانفراج ما، ولو جزئيا، في المدى المنظور". وحذر شماس من "الآتي الأعظم من تعثرات وإقفالات وإفلاسات، إلى اضطرابات اجتماعية فبطالة وهجرة وعوزاً". وإذ أعلن أن الجمعيات التجارية "تطلق صرخته المدوية هذه لنحرك ضمائركم الساهية، بعد أن ضاق صدرنا واستنفدنا كل الوسائل المتاحة لدينا"، عاود تذكير المسؤولين بأن التجار يبقون حجر الزاوية في الاقتصاد الوطني، وصمام الأمان للتماسك الاجتماعي اللبناني. فللتجارة، برأي شماس، موقع الصدارة، إن من حيث الإسهام في الناتج القائم، أو من حيث تسديد الضرائب للخزينة، وتشغيل القوى العاملة، فتعزيز كيان الطبقة الوسطى. فإن هوينا، شدّد شماس، هوى الهيكل على رؤوس الجميع، وان نهضنا نهض لبنان بأسره. وطالب شمّاس "بتشكيل حكومة جامعة فاعلة، تعلن حالة الطوارئ الاقتصادية الاجتماعية، وتباشر باتخاذ التدابير العاجلة لوقف النزف، وامتصاص تفاعلات واقعنا المهترئ".
وطالب أيضاً "بتفعيل حكومة تصريف الأعمال، بوزاراتها كافة، وتنشيط العمل البرلماني، تسييراً لشؤون الناس، وما أكثرها، وملء الفراغات الوظيفية، والتصدي للاستحقاقات الداهمة، كي لا نقع في المحظور تجارة واقتصاداً ومجتمعاً". وختم شماس بالقول "قرر القطاع التجاري في لبنان التحضير ليوم حداد يكون بمثابة وقفة ضمير مع الوطن والمواطن، تقفل فيه المؤسسات التجارية في جميع الأراضي اللبنانية، وتتوقف عن العمل سلمياً، كخطوة أولى تتبعها خطوات تصعيدية". لكن شماس نسي قبل انفضاض اللقاء أن يذكر موعد الإضراب، لا لشيء سوى أن الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية عوّدت نفسها على التلويح بالجزرة، في حين يلوّح لها أهل السلطة بالعصا!".

السابق
سهل الماري: مشاريع زراعية ومائية تضمـن اخضـراره الدائـم
التالي
الانباء: لا حكومة قريبا