“آوتبوكس”: أفلام قصيرة من العالم تقفز خارج الصندوق

"إما أن أقدّم عملاً جديداً، أو أصمت".. تعتمد صونيا حدشيتي هذا المبدأ في حياتها، بدءاً من أبسط الأمور، مروراً بعملها في الإخراج، وصولاً إلى مشروع بدأت العمل على انجازه منذ عام، وهو إطلاق مهرجان أفلام قصيرة، في الهواء الطلق.
بعد مرور أقل من ثلاث سنوات على تخرّجها من قسم الدراسات السمعية والبصرية في "جامعة القديس يوسف"، تضع صونيا في رصيدها، قريباً جداً، مهرجاناً دولياً للأفلام القصيرة، يحمل اسم "آوتبوكس" أي "خارج الصندوق": صندوق الفرجة الذي تكسره إحدى الشخصيات المتحركة في الشريط الدعائي للمهرجان لتخرج منه السينما إلى الناس.

ولأنها تسعى لأن يصاب جميع الناس بعدوى عشقها للسينما، وهو ما أرادته منذ مراهقتها، حين كانت تنسخ الأفلام التي تحبها وتوزّعها على رفاق المدرسة وأولاد الجيران، ارتأت صونيا أن يكون مشروعها الأول مهرجاناً شعبياً للسينما "أختبئ وراء كواليسه وأسترق النظر إلى وجوه الناس وهم يشاهدون أفلامه"، بدلاً من إخراج فيلم خاص بها، وحدها.

لمعت فكرة إطلاق مهرجان سينمائي في الهواء الطلق، ببال صونيا، وهي تتابع دراستها في عامها الجامعي الأول، حين كان أحد أساتذتها يخبر عن مسرح مفتوح يجمع شرائح مختلفة من الناس لا يمكن أن تجمعهم صالة مغلقة. وتشرح أن "آوتبوكس هو مهرجان مفتوح بكل المعاني: مفتوح لجميع الناس ليشاهدوا الأفلام، ومفتوح للجميع لعرض أعمالهم. فصالات السينما المغلقة، التي تستضيف المهرجانات الدولية واللبنانية في بيروت، تجمع شريحة واحدة من الناس، حتى نكاد نرى الوجوه ذاتها في كل مهرجان".
ومن المقرر أن يبدأ عرض أفلام "آوتبوكس" يوم غد الخميس، في الحمامات الرومانية، في وسط بيروت، ويستمر حتى يوم الأحد.

وشكّل المنظمون لجنة لاختيار الأفلام تضم أصدقاء المهرجان وبعضاً من ذوي الاختصاص، وكان معيار اللجنة الأساسي في الاختيار هو "أن تتضمن الأفلام أفكاراً جيدة وتوجّه رسائل واضحة للجمهور.. فهدفنا ليس النخبة ولا هدفنا الترفيه فقط، بل مصالحة الناس مع الفيلم القصير وتشجيع إنتاجه".

وتشرح مؤسسة "آوتبوكس" سبب التركيز الحصري للمهرجان على الأفلام القصيرة بالقول انه "في ظل صعوبة أن تلمع السينما اللبنانية من خلال الأفلام الطويلة، لدينا فرصة وإمكانيات للإبداع في الأفلام القصيرة. هدفنا البعيد هو دعم صناعة هذه الأفلام في لبنان، ونحن نطمح لإنشاء شركة إنتاج خاصة لهذا النوع السينمائي".

يتضمن برنامج العرض، حسبما تشرح صونيا، "أفلاماً قصيرة من بلدان منوّعة، بعضها لم نعتد مشاهدة إنتاجه في لبنان، مثل كندا وأستراليا وروسيا والهند وفرنسا وأميركا".
يقدّم المهرجان ستة أفلام لبنانية وأربعة عشر فيلماً أجنبياً، من ضمنها أفلام أخرجها طلاّب، كما يتميّز بعرض ست حلقات من مسلسل الإنترنت اللبناني "شنكبوت" الحائز على جائزة "آيمي" الدولية للأعمال الرقمية، وذلك في اليومين الأول والثاني من المهرجان.

وللجمهور دور في تقييم الأفلام المختارة، إذ يصوّت المشاهدون، في اليومين الأوّلين لاختيار أفضل فيلمين مشاركين في المهرجان عن فئتي "الفيلم الأجنبي" و"الفيلم اللبناني"، على أن يخصص اليوم الثالث، أي السبت، للسينما الأسبانية، فيعرض أحد عشر فيلماً قصيراً، وقد تم تنسيق هذا النهار بالتعاون مع السفارة الإسبانية.

تعلن أسماء الفائزين والجوائز يوم الأحد، وهو اليوم الأخير من المهرجان، على أن يسبق الإعلان cine – concert يتضمن عزفاً لموسيقى تصويرية من تأليف الشابّة سكارليت سعد، ترافق عرض فيلمين صامتين هما "الكلب الأندلسي" (1928) للمخرج الأسباني لويس بونويل الذي كتب سيناريو فيلمه هذا بالاشتراك مع الرسّام سلفادور دالي، والثاني هو "سقوط منزل آشر" (1928) للمخرجين الأميركيين ميلفيل ويبير وجايمس سيبلي واتسون، المأخوذ عن قصة تحمل العنوان ذاته للكاتب الأميركي إدغار آلن بو.

تشارك صونيا في تنظيم المهرجان، صديقتها منذ الطفولة غرايس كسّاب، بصفة "مديرة فنية"، وماري روز الأسطا، ورهام عاصي، وروبينا أرسلانيان. وقد تمّ الترويج لـ"آوتبوكس" في "مهرجان كان السينمائي" بالتعاون مع شركة "بيروتس" Beiroots للإنتاج، إذ شارك المنظمون في اجتماعات شركات الإنتاج هناك، وعرضوا فكرتهم التي حازت على أصداء إيجابية، ما أدّى إلى تدفّق مشاركات جديدة على المهرجان من المقرر أن يدرس المنظمون إمكانية مشاركتها في دورة المهرجان الثانية، في العام المقبل.

تقول صونيا: "أسعى دائماً للإتيان بأفكار جديدة ومواضيع جديدة تشبهنا، عن تفاصيل الحياة الصغيرة التي تصنعنا". لذلك، ليس غريباً أن يكون فيلم تخرجها من الجامعة يروي قصة علاقة بين شاب وسيارته، وتردده في بيعها، واكتئابه بعد ذلك.
يتميّز "آوتبوكس" بأن الصبية التي أسسته تفيض أحلاماً ومشاريع وأفكاراً جديدة، وتخفق بالكثير من الجنون الذي لم يخذلها حتى الآن، لأنها تروّضه ليكون مجاوراً للواقع.. والمهرجان هو أحد ضروب هذا الجنون.
بكّرت صونيا في الإبداع، إذ بدأت تؤلف قصصاً قصيرة في السابعة من عمرها، وقد نشرتها لاحقاً في جريدة "النهار". كما كانت تكتب مسرحيات، وتجمع أولاد الحي، لتدربهم على أداء الأدوار: "كنت أعيش حالة المخرج حينها، حتى إن الأطفال كانوا يخافون منّي وينفذّون كل ما أطلبه منهم"، تقول.

وحين حصلت على آلة تصوير فيديو في الحادية عشرة من عمرها، بدأت تصوّر كل شيء يقع عليه نظرها.. إلى أن أخرجت أول فيلم في حياتها، وهي في السادسة عشرة من عمرها.

السابق
“زحف” شباب الضاحية إلى القدس بات له شروط…
التالي
سفير إسبانيا في النبطية: سنموّل نزع العنقودية