44 سنة منذ الحرب: ينبغي استغلال اوراق النصر

انتهى النصر العسكري الكبير في حزيران (يونيو) 1967 الى احتلال سيناء وقطاع غزة وهضبة الجولان والضفة الغربية. ومكّن هذا النصر العسكري ايضا لاول مرة في تاريخ الصراع الاسرائيلي العربي من الانتقال من الصراع الحربي الى مسيرة السلام السياسي.
أشك في أنه كان يمكن التوصل الى سلام دون سيطرة اسرائيل على هذه المناطق. إن ثمرات النصر المركزية لحرب الايام الستة هي في واقع الامر أوراق اللعب التي خلقتها الحرب من اجل اسرائيل. إن رغبة الدول العربية في اعادة هذه المناطق هي التي مكّنت من مسيرة السلام التي استمرت حتى ايامنا وإن يكن ذلك بطرق مشوش عليها.

بيد أن الانتقال من الصراع ومن طريق الحرب الى مسيرة السلام لم يكن سريعا واشتمل على حربين أخريين: حرب الاستنزاف وحرب يوم الغفران. وقد احتيج الى هاتين الحربين لاقناع اسرائيل بأن تفوقها الاستراتيجي ليس ضمانا مؤكدا لمنع الحروب والحفاظ على الوضع الراهن. أما العرب فأقنعتهم الحربان بالاعتراف بأن الحرب ليست وسيلة ناجعة لاعادة المناطق.

إن مسار النضج والتعلم الذي جرى على اسرائيل ومصر وسورية مدة السنين السبع والحروب الثلاث منذ 1967 الى 1973 أفضى بوساطة امريكية الى اتفاقي فصل القوات مع مصر والى اتفاق فصل مع سورية. ومهد هذا المسار ايضا الطريق الى اتفاق السلام الاسرائيلي المصري، وهو اتفاق غيّر الصراع الاسرائيلي العربي جوهريا. فإخراج مصر من الصراع الدامي جعل حرب يوم الغفران آخر حرب كبيرة في الصراع الاسرائيلي العربي.

إن مبادرة رئيس مصر آنذاك أنور السادات الى السلام وزيارته لاسرائيل في تشرين الثاني (نوفمبر) 1977 مهدتا الطريق الى اتفاق وقع عليه بين الدولتين على أثر ذلك، وكل ذلك نتائج مباشرة لنصر اسرائيل الحاسم في حرب الايام الستة. اعترف السادات بحقيقة ان السبيل الوحيدة لاعادة سيناء هي اتفاق سلام مع اسرائيل. فمن غير حاجة مصر الى اعادة سيناء، أشك في أن السادات كان سيأتي الى القدس. كانت شبه جزيرة سيناء ورقة المساومة الاسرائيلية التي اضطرت السادات الى تغيير السياسة المصرية الخارجية. وبنفس القدر أصبحت هضبة الجولان ورقة المساومة الاسرائيلية في الصراع الاسرائيلي السوري. فالاستعداد السوري، في الماضي على الأقل، لمفاوضة اسرائيل في اتفاق سلام كان ممكنا بفضل السيطرة الاسرائيلية على هضبة الجولان. وكذلك الاستعداد الفلسطيني لمفاوضة اسرائيل في اتفاق سلام مصدره السيطرة الاسرائيلية على الضفة الغربية والاعتراف الفلسطيني بأنه لا يمكن انشاء دولة فلسطينية باستعمال الارهاب. كانت الضفة الغربية منذ ذلك الحين الى اليوم ورقة المساومة الاسرائيلية في الصراع الاسرائيلي الفلسطيني.

رأى صاغة السياسة الاسرائيليون في حزيران (يونيو) 1967 آنذاك ثمرات النصر أوراق مساومة لاحراز سلام مع الدول العربية. ففي التاسع عشر من حزيران (يونيو) 1967 استقر رأي القيادة على أن تستبدل بسيناء وهضبة الجولان اتفاقي سلام مع مصر وسورية. ورغم أن هذا القرار لم يشمل الضفة الغربية وغزة لم تضم اسرائيل هاتين المنطقتين قط. وفي واقع الامر اذا استثنينا ضم شرقي القدس فان هذه المناطق كانت ترمي على هذا النحو أو ذاك الى مساومة الاردن والى مفاوضة الفلسطينيين بعد ذلك.

بعد حرب الايام الستة بـ 44 سنة يجب علينا الاستمرار في النهج نفسه والاحتفاظ بثمرات النصر لتكون أوراق مساومة للفلسطينيين في مفاوضة قد تجدد مرة اخرى.
على كل حال، ثبت ان جمود الوضع الراهن كان في الماضي وصفة لتجديد العنف ومبادرات غير مُرادة عند اسرائيل، وعلى ذلك، يجب على اسرائيل ان تستمر في ان تعرض من جديد رغبتها في السلام والحفاظ على نفسها بصفتها دولة يهودية وديمقراطية. أدرك رابين وبيريس وباراك وشارون واولمرت انه لا يجوز هدر ثمرات نصر 1967 وانه ينبغي استغلالها لصنع سلام. والسؤال الآن هل يستطيع بنيامين نتنياهو السير على آثارهم؟

السابق
آثار المواجهة مع الولايات المتحدة
التالي
نتنياهو توعّد بإدخال قوّات إلى سوريا ولبنان