حزب الـله والقرار الاتّهامي من الهجوم إلى الاستيعاب

قد يولد القرار الاتّهامي في مطلع تمّوز، وفق ما رشح عن مسؤول رفيع في الأمم المتّحدة قبل أيّام، أو يبقى الموعد غير محدّد، وفقا لما سارع الناطق باسم المنظمة الدوليّة إلى تأكيده. لكن المصادر المتابعة باتت تتوقّع القرار في مدى زمنيّ ضيّق. ومن شروط الحفاظ على النزاهة، أن تنفي الأمم المتحدة علمها بما يدور في شأن القرار الاتهامي والمحكمة الدوليّة، سواء في المواعيد أو المضمون.

مسار الانتظار الطويل للقرار الاتهامي، وسلسلة المواعيد التي تلاحقت منذ أكثر من عام ونصف العام، نفدت تقريبا، وتبيّن أنّ القرار الاتهامي والمحكمة الدوليّة ليسا متروكين للتاريخ، بل هما ينتظران نضوج اللحظة السياسيّة والأمنيّة… وقد باتت على وشك ذلك.

"حزب الله" كان في البداية يهدّد بحرب مفتوحة على القرار وكلّ الذين يسهّلون تنفيذه في بيروت، أي بما هو أكبر من 7 أيّار 2008. ولوّح بعض حلفائه باستهداف الأمم المتحدة في كلّ مكان في العالم، وقوّات "اليونيفيل" في الجنوب. وفي هذا السبيل أسقط "حزب الله" حكومة الرئيس سعد الحريري، وهو يحاول إقامة "حكومته" وتثبيت التركيبة التي تلائمه في أجهزة الأمن والقضاء. لكن "الحزب" الذي وصل اليوم إلى اقتناع بأنّ القرار صادر لا محالة، يبدو أكثر هدوءا في التعاطي مع ملفّ القرار والمحكمة. وأعلن أمينه العام السيّد حسن نصرالله قبل أيّام أنّ مضمون القرار "بات معروفا". وفي أيّ حال، إنّ هذا المضمون بات مكشوفا منذ أن أصدرت "دير شبيغل" تقريرها، وأكّدت في سياقه أنّ أسماء عناصر من "حزب الله" واردة فيه.

و"الكشف المبكر" عن مضمون القرار سمح للقوى المعنيّة و"حزب الله" في طليعتها باختبار الردود المتوقّعة بعد صدور القرار رسميّا. فقد "اعتاد" "الحزب" على هذه الحقيقة، ولم تعد تشكّل بالنسبة إليه صدمة تستأهل أو تبرّر ردّات الفعل الميدانيّة التي هدّد بها. كما أنّ دعاة التمسك بالقرار والمحكمة الدوليّة اختبروا تدريجا ردود فعل "حزب الله" من "السيناريو الكارثي" المفتوح على حرب ضدّ الجميع وكل شيء إلى "السيناريو الاستيعابي".

عمليّا.. صدور القرار!

عمليّا، القرار الاتهامي "صدر" في "دير شبيغل"… ولكن مع وقف التنفيذ، أي وقف الإجراءات القضائيّة المطلوبة بناء عليه. وعندما سيصدر هذا القرار رسميّا، فإنه لن يضيف الكثير لجهة كشف الجهات الضالعة ولا حتى طريقة تنفيذ الجريمة وحيثيّاتها. فسيناريوهات عديدة جرى تداولها في هذا الشأن. كما أنّ "التنفيذ" قد لا يكون مسألة محسومة تماما، لا بالنسبة إلى المحكمة ولا إلى 14آذار، لأن أحدا لا يضمن الوصول إلى المتهمين، ووصول هؤلاء إلى المحاكمة. وسبق لقادة معنيّين في 14 آذار أن أعلنوا أنّهم يحصلون على حقهم عندما يتمّ كشف الحقيقة، بمعزل عما إذا نال الجناة جزاءهم أم لا!

الاتّجاه الغالب اليوم لدى "حزب الله" باتت تحكمه المعطيات الجديدة التي عاكست المحور الإقليمي الحليف له، وتحديدا سوريا.

فقد أجرى مجموعة من التجارب الأمنيّة – السياسيّة، هو وحلفاؤه، اصطدم فيها بالحائط المسدود. وهو يدرك أنّ الظرف الذي نشأ في ظلّ الضغط الذي يتعرّض له حليفه الأساسي في دمشق لا يسمح بتجربة في تمّوز، لا سياسيّة ولا أمنيّة.

والتجارب في الأسابيع الأخيرة، كان جزء منها يستهدف تخفيف الضغط عن الحليف الإقليمي، ولكن فشل الضغط على الحدود الجنوبيّة في ذكرى: "النكبة" أو ذكرى "النكسة"، وفشل استثمار التوتر على الحدود الشماليّة، وفي الحالين أمسك الجيش بالمبادرة. وفشل الضغط في ملفّ "اليونيفيل" التي أكّدت استمرار عملها بعد عمليّة صيدا. وانتهت زوبعة الاتصالات بلا استثمار، وبإمساك المؤسّستين العسكرية والأمنيّة بالملفّ. وسبق للحركة النقابية "المدروسة"، لا سيّما السائقين العموميّين، أن جرى تطويقها على يد وزيرة المال ريّا الحسن. وطبعا هناك فشل ذريع في قيام حكومة "اللون الواحد".

تمرير "القطوع"

هذه المعارك الصغيرة تؤكّد أنّ بلوغ 7 أيّار جديدة بات اليوم أمرا مستحيلا، أو على الأقل شديد الخطر على الجميع. ووفق هذه النظرة سيقارب "حزب الله" القرار الاتّهامي المنتظر. ولن يجعل من مناسبة صدوره منازلة جديدة ليس الانتصار مضمونا فيها، ولا الخروج سالما منها، هو وسائر القوى الداخليّة. وهو سيكون في أعلى درجات التيقظ لتمرير القطوع، بالتزامن مع القطوع الإقليمي الداهم والمتفاقم احتقانا.

الصيغة المرجّحة لمضمون القرار الاتهامي تساعد "الحزب" على ذلك. فالأسماء الواردة فيه، وفقا لما يكشفه المسؤول الدولي، هي لعناصر من رتب متدنّية. لكن أسماء أخرى أضيفت بناء على التقرير الثاني الذي تقدّم به بلمار إلى فرانسين قبل أسابيع. والمعنيّون بملف التحقيق والمحكمة الدوليّين تعاطوا أساسا بكثير من الحذر مع "الأرض" في لبنان، لإدراكهم حساسيّتها وسرعة اشتعالها ومخاطر انتقالها إلى المنطقة بكاملها.

توقيت القرار هو المسيّس

فقد لا يكون القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري مسيّسا في المضمون، لكن توقيت إصداره مسيّس بالتأكيد، والدليل إلى ذلك أنّ تأخير إصدار هذا القرار شهورا كانت له نتائج حاسمة في تحضير الأرضيّة المناسبة لتلقّي هذا القرار في لبنان بما يضمن الوصول إلى غايتين:

1- عدم إشعال فتنة مذهبيّة تؤدّي إلى إطاحة الاستقرار الأمني والسياسي في شكل شامل، بما يهدّد مصير السلطة المركزية التي تحرص القوى الدوليّة والأمم المتحدة على استمرار دعمها. ويترجم ذلك الحضور القوي لـ"اليونيفيل".

2- التأكّد من قدرة هذه السلطة على مواكبة مستلزمات صدور القرار الاتهامي لجهة جلب المتهمين والحفاط على الشهود، وتاليا تلبية المتطلّبات التي تقتضيها المحاكمات

فالتأخير في إصدار القرار – وفق المصادر الواسعة الاطّلاع- لم يكن ناتجا عن خلل في البنية الإدارية للمحكمة، وهو الاتّهام الذي تعرّضت له أحيانا، كما أنّه ليس ناتجا عن عدم كفاية الأدلّة، ولا عن تباين في تقويمها بين المدّعي العام بلمار وقاضي الإجراءات التمهيديّة فرانسين. إنّه فقط محاولة لتوفير الظروف السياسية والأمنيّة الفضلى، فلا يكون القرار سببا في تفجير لبنان، بدلا من أن يكون مدخلا إلى كشف الحقيقية وإنهاء مرحلة الإفلات من العقاب. وقد تحقّق هذا الهدف.

تحضير "الأرض"

ويتعاطى اليوم "حزب الله" بهدوء لافت إزاء القرار المنتظر، ويخفض سقف التهديدات إزاءه، بعدما كان قبل أشهر يلوّح بردود لا حدود لها. إذ أعلن الأمين العام لـ"الحزب" السيّد حسن نصرالله يومذاك أنّ كلّ يد ستمتدّ إلى عنصر من المقاومة ستقطع. وبدا واضحا أنّ ذلك يعني ما هو أكبر من 7 أيّار، وفي السياق أيضا لوّح الوزير السابق وئام وهّاب بأنه في حال صدور القرار، لن تكون "اليونيفيل" في مأمن.

إنتظار القرار الاتّهامي كان ثقيلا ومكلفا للبنان وطاقمه السياسي، ولا سيّما لفريق 14 آذار. ولكن له إيجابيّات، لأنّه ربّما ترك للوقت أن يؤدّي دوره كاملا في تحقيق "التطبيع"، أي خلق الأرضيّة المناسبة للقرار الاتّهامي والمحاكمات.

ولكن في أيّ ظرف سياسيّ، وكيف ستكون صورة لبنان وسوريا في خلال المحاكمات وصدور وصدور الأحكام؟ تلك مسألة تحسمها التطوّرات التي تتسارع بما لا يتوقّعه مراقبون، ولا يملكه ذوو المعلومات حتّى الساعة. ولكنّه بالتأكيد ظرف مختلف تماما عن ذلك الذي اعتاد عليه اللاعبون في ظلّ النظام العربي السابق.قيم المقال
654321التعليقات

السابق
لبنان وسوريا.. طائف وطوائف
التالي
الانوار: ٢٢ شهيداً و٣٢٥ جريحاً بمجزرة اسرائيلية في الجولان