مسح العقارات الالزامي: فساد يقلق الأهالي

إزدادت في العامين المنصرمين أنباء كثيرة عن اتفاقات تجري "تحت الطاولة" بين المسّاحين العقاريين الذين اوفدوا إلى الجنوب لمسح الأراضي وتحديدها، وبين بعض السماسرة الذين دخلوا على خطّ المسح، والهدف هو تحميل الأهالي أعباء مالية اضافية مقابل إتمام عملية المسح العقاري، إضافة إلى "تشريع" استملاكات غير قانونية لأملاك عامة وبعض الأملاك الخاصة.

حتى إتمام المسح العقاري الالزامي في الكثير من القرى والبلدات الجنوبية، يبقى " العلم والخبر" الذي يمنح من المختار لصاحب العقار، بعد الحصول على توقيع الجيران، والعقد العادي (الصادر عن من وقّعه)، ووضع اليد العلني، تبقى هذه وسائل اثبات الملكية الوحيدة، التي سمحت بكثير من التعديات غير القانونية على الأملاك العقارية العامة والخاصة.

أمّا "القانون" الذي يعمل به اليوم لاتمام عملية المسح فهو "قرار" يحمل الرقم 186، وهو إرث صادر بتاريخ 15 أذار 1926 عن المندوب السامي الفرنسي، تمّ تعديله للمرّة الأخيرة عام 1959. والإرص هذا يتحدّث عن تثبيت الملكية بواسطة السندات التركية: "الطابو"، أو بواسطة قيد مسجّل في خانة العثماني، أو يقيّد في بدفاتر التسجيل بـ"جبل لبنان" القديم.

ويعمد بعض المخاتير الى الإضافة على "العلم والخبر"، بعبارة تبيّن أن وضع اليد تمّ "منذ أكثر من عشر سنوات"، حتى إن كانت الملكية حديثة. وبالنسبة لمهل الاعتراضات على التحديد والتحرير فهي تبقى مفتوحة طيلة فترة عملية التحديد والتحرير، وبعد اختتامها من قبل القاضي العقاري بثلاثين يوماً.

هذه تفاصيل تقنية لا بدّ منها من أجل الحديث عن الفساد الحاصل، والذي تمّ وانتهى عل الأرجح، أثناء عمليات المسح العقاري جنوبا.
ففي بعض بلدات الجنوب تشاع اليوم أنباء عن لجوء بعض مهندسي المساحة المكلّفين الى مطالبة أصحاب العقارات بدفع مبالغ مالية كبيرة، بشكل مخالف للقانون، لاتمام عملية مسح عقاراتهم، بحجّة أنّ "أغلب الملكيات العقارية، سيّما المبنية منها، هي بخلاف القانون، وتحتاج الى رسوم كبيرة لازالتها. ودفع المال للمسّاح سيؤمن تجاوز هذه الكلفة". هذا إضافة الى أخطاء كثيرة رافقت عمليات المسح وأدّت الى ضياع بعض الحقوق.
احد مهندسي المساحة في مرجعيون يكشف أنّه "جرت العادة على التزام أحد مهندسي المساحة عملية تحديد وتحرير احدى البلدات، بمبلغ 99 مليون ليرة لبنانية، بعد اجراء مناقصة قانونية، وهذا المبلغ قد لا يكون كافياً، فيعمد المجلس البلدي، بالاتفاق مع المهندس، إلى إعطاء الأخير مبالغ مالية محددة من أصحاب العقارات لقاء انجاز عملية المسح والفرز العقاري".

لكن المحامي حسين نور الدين يقول إنّ "المسح مجّاني، وكذلك المحاضر والدعاوى التي ترفع أمام القاضي العقاري، ولا يوجد أي نصّ قانوني يوجب على المسّاح طلب رخصة البناء أو رخصة الاشغال، ولا مشكلة قانونية في اجراء عملية الفرز وهي خارجة عن تكليف مهندس المساحة، وأيّ عمل يقوم به المهندس يجب ان يرفق بتوقيع المختار على المحضر، ما يحمّل الأخير مسؤولية أي خطأ أو تلاعب".
ويتابع نور الدين: "طالت الشكوك بعض المخاتير، فمنهم من وجّه التهمة اليه بوضع اليد على أملاك ليست له، سيّما الأراضي المهملة أو المنسيّة، أو المشاعات غير محدّدة المساحة. حتى أن العديد من الأهالي يقول إنّ بعض المخاتير أصبحوا من أصحاب العقارات الكثيرة، ومنهم من باع عقارات كثيرة ليست له".

وبحسب حسن زين الدين، من صفد البطيخ، فإنّ "أكثر من 40 في المئة من أصحاب العقارات في بلدة صفد البطيخ لم يحصلوا بعد المسح على سندات خضراء تثبّت ملكية عقاراتهم بسبب اعتراضات بعضهم ضد البعض الآخر، منها المحقّة ومنها غير المحقّة، ما حرم البعض من الحصول على سندات التمليك الخاصة بهم بانتظار حكم المحكمة الذي قد يطول كثيراً".

ويتابع زين الدين "البعض كان قبل المسح قد باع أرضاً ليست له، ما أخّر عملية المسح والحصول على السندات، إضافة الى الكثيرين من المهاجرين الذين فوجئوا بمسح عقاراتهم وتسجيلها بأسماء أقرباء لهم، ولم يتمكنّوا من الاعتراض ضمن المهل القانونية، بسبب عدم علمهم بذلك".

ويحاول أحد مخاتير المنطقة توضيح حسن نيّة المسّاح العقاري: "المسّاح لن يحصل على أي مبلغ مالي من عوائل الشهداء وفقراء البلدة، والإحتيال والسمسرة لا وجود لها، وردّا على ما يحكى عن أن الأراضي الكثيرة التي أصبحت أملكها هي من املاك المشاعات، أقول إنني أصبحت تاجراً وربحت اموالاً كبيرة من تجارة باتت معروفة".

ويبيّن المحامي حسين نور الدين أنه "اذا تبيّن أن البناء مطابق للتصاميم بحسب رخصة البناء تعطى رخصة الاشغال مجاناً، الاّ اذا كان يوجد تعديلات على البناء، وهذا لن يكلّف كثيراً، واذا تمّ مسح المبنى على أنه غير منجز سيضطرّ المالك الى الحصول على رخصة انشاء ورخصة اشغال. أمّا رخصة الانشاء فتعني انزال العقار المبني على الصحيفة العينية للعقار، والرسوم المتوجّب دفعها للحصول عليه هي 1 في المئة فقط من قيمة التخمين المالي للعقار".

وبالنسبة لعملية الفرز يضيف: "توجد مساحات دنيا (بالحدّ الأدنى) للعقارات الممسوحة التي يسمح بفرزها، ففي مدينة النبطية مثلاً المساحة الدنيا هي 1200 متر مربّع، وقد تزيد أو تقلّ بحسب البلدة أو المنطقة العقارية، ما يعني أنّ فرز العقار قبل مسحه فيه منفعة لاصحاب العقارات اذا كانت مساحة العقار أقلّ من المساحة الدنيا التي يسمح بفرزها بعد عملية المسح".

واللاّفت ما بيّنه أحد مهندسي المساحة من أن "أيّ معاملة عقارية ستنجز لاحقا من أجل العقارات الممسوحة ستحتاج من جديد الى رخصة اشغال، ما يعني أنّ ما تمّ تسويقه بالطلب الى المسّاح تدوين البناء على أنه منجز ومشغول لقاء مبلغ مالي لن يفيد المالك في شيء".

نتجه إلى بلدة حاريص، حيث اختلط الحابل بالنابل أيضاً، لكن الجهل في امور التحديد والتحرير سيّد الموقف. حتى أن البعض لا يعرف ماذا عليه أن يفعل، فيقول أبو خليل أحمد: "حصلت على رقم لعقاري، ولكن لا أعرف ماذا سأفعل لاحقاً". زميله حسن علي أحمد يقول إنّ ابن عمه المغترب سعيد "دفع مبلغ 70 الف دولار للمساح لقاء فرز ومسح عقاراته الكثيرة، فعن كل سند سيحصل عليه دفع مبلغ 300 دولار". ويقول خليل مالك: "لا أعلم سوى أنني دفعت مبلغ 1700 دولار عن منزل ابني والجميع هنا يفعل ذلك".

أما مختار حاريص علي ناصر فيقول: "لا أبرّىء المسّاح أو أدينه، يقال إنه يأخذ المال لكن لا يوجد اثباتات على ذلك، يبقى أنّه من المعروف عن السماسرة نصحهم الأهالي بضرورة تخليص عقاراتهم عند المساح لأنه يقدم أسعاراً متدنية".
ويقول علي جواد: "اخي مصطفى طلب المساح منه أولاً مبلغ 8000 دولار، وبعد التسوية وتدخلات البعض سيدفع 2000 دولار فقط لقاء فرز عقاره الى ثلاثة أجزاء. لكنّ المسّاح لا يقبل بأن يعطي أحدا أيّ وصل بالمبلغ الذي قبضه".
 

السابق
اراضي جزين بين الاستثمار والانعزال
التالي
مخاوف وإتهامات: «تمدد شيعي» بين البقاع والجنوب!