المستقبل: فيلتمان: المحكمة والالتزامات الدولية أساس تقويمنا لأي حكومة

نَعِمَ لبنان أمس بحركة ديبلوماسية أميركية ـ إيرانية مزدوجة ومتناغمة في التوقيت ومتباعدة في الأهداف والمرامي، إذ في حين أكد مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان موقف بلاده الداعم لـ"تغيير سياسي واقتصادي يمكنه تلبية التطلعات المشروعة للشعوب في جميع أنحاء المنطقة"، رأى مساعد وزير الخارجية الإيراني محمد رضا شيباني في ما يحصل خسارة أميركية "حيث تفقد واشنطن بسرعة كبيرة الموقع الذي كانت تتمتع به".
نقطة التقاطع، إذا صح التوصيف المنسوب الى أوساط مطلعة، كانت في تأكيد الطرفين على أهمية عدم التدخل في تشكيل الحكومة اللبنانية، وهو الذي شدد الرئيس المكلف نجيب ميقاتي على انه "مسؤولية لبنانية وفعل إرادة وطنية صرفة".
غير ان السفير فيلتمان الذي عبّر عن "قلق بلاده الجدي "إزاء أعمال العنف الجارية في سوريا، مديناً استمرار الحكومة السورية باستخدام العنف والترهيب" (…) دعا الحكومة اللبنانية الى "الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي لتوفير الحماية للمواطنين السوريين الذين يفرون من العنف في سوريا".

وفي الشأن الحكومي، أعاد المسؤول الأميركي التأكيد "بأن المجتمع الدولي سوف يقوّم علاقته مع أي حكومة جديدة على أساس تركيبتها والبيان الوزاري والإجراءات التي ستتخذها في ما يتعلق بالمحكمة الخاصة بلبنان والتزامات لبنان الدولية الأخرى".
دعم الجيش
وفي حديث أدلى به مساءً الى "المؤسسة اللبنانية للإرسال" (أل.بي.سي) أكد فيلتمان أن "الولايات المتحدة هي خارج مسار عملية تأليف الحكومة في لبنان"، وأضاف: "ليس جيداً ان نتدخل، بل الجيد ان يفهم اللبنانيون ماذا نريد من الحكومة، وما هي الخطوات التي يجب عليها اتخاذها فور تأليفها". وردًا على سؤال،
أجاب: "نريد ان نستمر في تقوية ودعم الجيش اللبناني ومساندته لكي يتمكن من بسط سلطة الدولة على كامل الاراضي اللبنانية".

الإصلاحات
وعمّا يحصل في سوريا، أكد فيلتمان أن "من مصلحة لبنان والمنطقة ان تكون في سوريا حكومة تحترم الديموقراطية وحقوق الانسان وسيادة لبنان، لكن لا استطيع ان اجلس هنا وأقول إن دولة سوريّة ديموقراطية ستقوم غداً، والسبيل الأفضل لحماية استقرار لبنان وتحييده عن أي تداعيات أن يتم البدء في الإصلاح في سوريا"، وختم بالقول: "من المؤسف سقوط ضحايا في سوريا، والمهم أنه يجب وقف استغلال مشاعر الشعب الفلسطيني لحرف النظر عمّا يجري في سوريا"، مشيراً إلى أن سبب زيارته إلى بيروت في هذا الوقت هو طلب البيت الأبيض منه شرح السياسة الأميركية الجديدة في المنطقة للقيادات اللبنانية في ظل المتغيرات الحاصلة.
أوساط ديبلوماسية مطّلعة أبلغت "المستقبل" أن فيلتمان بحث مع المسؤولين الذين التقاهم في كيفية حماية لبنان من تأثيرات ما يحصل في المنطقة. ورأى أن هناك "مداخل" محددة يمكنها أن تكون معبراً لتلك التأثيرات منها ما حصل يوم الأحد الماضي عند الحدود الجنوبية "وهو على جانب كبير من الخطورة خصوصاً إذا تكرّر". وكذلك الحال بالنسبة إلى الحدود الشمالية التي تشهد "أوضاعاً غير طبيعية"، ثم الفراغ الحكومي الذي يخلق تأزماً عاماً.
وأكدت الأوساط نفسها، أن فيلتمان لم يتطرق إلى الشأن الحكومي ولا إلى مساعي التشكيل وشدد على عدم التدخل في ذلك، لكنه أسهب في الحديث عن الوضع السوري والتطورات في المنطقة والتي يرى أنها "مستمرة ولن تتوقف فجأة".

استعلام
أوساط قصر بعبدا، قالت لـ"المستقبل" ان فيلتمان لم يبحث مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في تأليف الحكومة أو في أي شأن داخلي لبناني آخر، وان الزيارة تندرج "في سياق الاستعلام عن كثب عن تفاصيل ما يحصل في المنطقة وخصوصاً في سوريا".
وأكدت الأوساط نفسها ان الرئيس سليمان شدد من جهته "على ان الاستقرار في دول المنطقة والإصلاحات التي تدعو اليها الولايات المتحدة يتطلبان جهوداً وخطوات عملية (…) كما شدد على ضرورة الدفع بشكل جدي نحو تحريك عملية السلام وفق
مندرجات مؤتمر مدريد، إذ ان المشهد الذي حصل يوم الأحد الماضي في مارون الراس لم يكن تمثيلاً أو استعراضاً بل كان تفاعلاً حقيقياً من الفلسطينيين الذين شاهدوا أرضهم المحتلة عن كثب، وبالتالي لا حل في المنطقة يمكن ان يتحقق من دون حق العودة لهؤلاء".

وفي المقابل، قالت أوساط قصر بعبدا، ان الموفد الإيراني من جهته، ركز خلال لقائه الرئيس سليمان على الأوضاع في سوريا، "وعلى محاولات خلق فتنة علوية ـ سنية فيها، ناهيك عن المحاولات التي تجري في المنطقة لخلق فتنة شيعية ـ سنية، وان إيران حريصة على عدم الإنجرار وراء مثل هذه الفتن، لأن مفاعيلها ستكون سلبية على الجميع، وبالتالي فهي تعمل من أجل درء هذه الفتن".
على أي حال، وفي حين شملت لقاءات فيلتمان الى الرئيسين سليمان وميقاتي، الرئيس فؤاد السنيورة رئيس "كتلة المستقبل" النيابية، والنائب وليد جنبلاط رئيس "جبهة النضال الوطني" وعددا من الشخصيات لم يكن من بينها الرئيس نبيه بري الذي أبلغ مكتبه انه خارج بيروت.. اكتفى الموفد الإيراني بلقاء شخصيات من الأكثرية الجديدة، عدا عن الرئيس سليمان، على أن يجتمع اليوم الى الرئيس ميقاتي.
وكان لافتاً، ان السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي، قال بعد زيارته بري، رداً على سؤال "ان فيلتمان ليس جديداً على لبنان، وهو يتدخل من خارج لبنان ومن داخله، وبالتالي فإن ما نشرته وسائل الإعلام وويكيليكس برهان على ما يقوم به وما تقوم به الإدارة الأميركية".

كما كان لافتاً، قول جنبلاط بعد لقائه الموفد الإيراني أن "ما يقال عن أن الثورات العربية مبرمجة من الخارج هو غير صحيح(…) عندما تتحرر الشعوب تلتقي طموحاتها عند محاربة الظلم والفقر والاستبداد وعند القضية الأساس قضية فلسطين".
مواجهة
على هامش كل ذلك، أعلن نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم "أن لبنان والمنطقة امام مشروعين: مشروع أميركي إسرائيلي ومشروع المقاومة والاستقلال. بكل وضوح، جماعة 14 آذار جزء من المشروع الأميركي الإسرائيلي، فمواجهتهم ليست ضد العدو الإسرائيلي، وحساباتهم ضد المقاومة، وتصويبهم على سوريا، ومحاولة استئثارهم بالبلد جزء من أهدافهم، وكانوا يتمنون إنهاء "حزب الله" باليد الإسرائيلية، وويكيليكس شاهدة على ذلك في حرب تموز، واستخدموا في إطار المحكمة الخاصة وشهود الزور كجزء من محاولة ضرب المشروع الآخر المتمثّل بالمقاومة والممانعة. لذا، لا تستغربوا ما يفعلونه، فتصريحات جماعة 14 آذار هي نفسها التصريحات الأميركية والإسرائيلية، هذا مشروع واحد، نحن لا نطلق الآن صفات على أحد، ولكننا نقول: إذا كنتم مخالفين لهذا المشروع فخذوا المواقف التي تخالف هذا المشروع".
أضاف: مشروع المقاومة هو مشروع مواجهة، وإعادة الإعتبار الى استقلال البلد، والتأسيس لنكون أحراراً نأخذ قراراتنا من دون ضغط من أحد ومن دون سلطة علينا من أحد".

السابق
السفير: فيلتمان للأكثرية الجديدة: شكراً على الفراغ
التالي
اللواء: سليمان يتحفّظ وبري يتوارى وميقاتي قلق وهدية من جنبلاط