السفير: فيلتمان للأكثرية الجديدة: شكراً على الفراغ

لم يحمل مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان معه إلى بيروت وصفة حكومية كفيلة بإخراج الأكثرية الجديدة من مأزق تأليف حكومتها الجديدة، لا بل ربما يكون قد وجد، من خلال أداء أطرافها، الوصفة التي يريدها الأميركيون بإبقاء الوضع اللبناني معلقا بين أكثرية سابقة تصرف الأعمال ولا تحكم، وأكثرية جديدة تريد أن تحكم ولكنها غير قادرة على تجيير رصيدها السياسي في خدمة الحكومة الموعودة منذ أربعة أشهر.

وكما لم يعد لبنان يشكل حجر زاوية في المشروع الأميركي في المنطقة، في ضوء ما أصاب فريقه الحليف وحلفاء حليفه، بدا أن ادارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تراهن على صرف رصيد الثورات العربية، في سوريا، سعيا إلى إضعاف النظام السوري من جهة وفك تحالفه مع إيران من جهة ثانية، وبالتالي إضعاف حلفاء الإثنين، تلقائيا في لبنان وفلسطين، وعندها، يمكن أن ترتسم أكثريات جديدة ومعادلات جديدة.

وفيما كان ديتليف ميليس لا يستجيب للمرة السابعة لاستنابة قضائية فرنسية للمثول في الدعوى المرفوعة ضده من قبل اللواء جميل السيد، برز تطور لافت للانتباه في ملف شهود الزور، تمثل في استرداد السلطات القضائية السورية، قبل أيام قليلة، شاهد الزور السوري أكرم شكيب مراد، بعد انتهاء محكوميته، في سجن روميه في تهمة الاتجار

بالمخدرات. وعلمت «السفير» أن الإجراءات التي تمت بين البلدين اتسمت بالسرعة القصوى، ما عكس اهتماماً سورياً باستعادة المواطن المطلوب لدى القضاء السوري على خلفية ما أدلى به أمام لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
سياسيا، ظل المشهد الحكومي قابعا عند حدود الدرجة الصفر، في غياب المبادرات والمشاورات، فيما كان لافتا للانتباه أن مساعد وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان تجاهل خلال محادثاته مع كل من رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي الموضوع الحكومي وحتى المواضيع الداخلية الخلافية، مكتفيا بما جاء في بيانه الذي أعقب سلسلة لقاءات وقال فيه ان تقييم العلاقة مع أية حكومة جديدة في لبنان سيجري على أساس تركيبتها والبيان الوزاري والاجراءات التي ستتخذها في ما يتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتزامات لبنان الدولية الأخرى. واكتفى بالقول لميقاتي بأن بلاده تشجع قيام حكومة وحدة وطنية في لبنان من دون الخوض في موضوع تركيبتها ولا بيانها الوزاري، قائلا انه لا يأتي للتدخل في أي شأن داخلي لبناني، بل من أجل شرح خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما والموقف من الثورات العربية، وخاصة في سوريا.

وفيما كان نائب وزير الخارجية الإيراني محمد رضا شيباني يجري، أمس، سلسلة لقاءات مع رئيس الجمهورية وعدد من قيادات 8 آذار، مشددا خلالها على ان تشكيل الحكومة اللبنانية مسألة داخلية تتعلق بالشعب اللبناني، سجل دخول فرنسي مباشر على الخط اللبناني، عبر زيارة نائب مدير إدارة مصر والمشرق في الخارجية الفرنسيّة ألكسي لوكور غران ميزون، الذي اجرى في اليومين الماضيين سلسلة لقاءات مع بعض الاطراف اللبنانيين في مقر السفارة الفرنسية في قصر الصنوبر، كان أبرزها لقاء جمعه مساء أول من أمس بوفد من «حزب الله» ضم النائبين على فياض ونوار الساحلي ومسؤول العلاقات الدولية في الحزب عمار الموسوي، بحضور السفير الفرنسي في لبنان دوني بييتون. وعلم ان الموفد الفرنسي حرص على الاستماع الى وجهة نظر الحزب من التطورات، خاصة في شأن تشكيل الحكومة بالاضافة الى الوضع في سوريا.

وإذا كان اللبنانيون قد انهمكوا أمس، بمحاولة فك رموز زيارة فيلتمان الذي سيغادر بيروت صباح اليوم، وتحديد الهدف الكامن خلف الزيارة، فإنه سعى في المقابل الى إلقاء المزيد من الغبار حولها، من خلال النأي بها عن الشأن الحكومي اللبناني بإعلانه للمؤسسة اللبنانية للارسال مساء امس، «ان بلاده خارج مسار عملية تأليف الحكومة، وليس جيدا لنا ان نتدخل»، تاركا للبنانيين «ان يفهموا ما تريده الادارة الاميركية من هذه الحكومة».

على ان البيان الفضفاض الذي اصدرته السفارة الاميركية في ختام زيارة فيلتمان، انطوى على توضيح غير مباشر للهدف الحقيقي الكامن خلفها، ولا سيما ان مضمونه يفصح عما يمكن اعتباره «كلمات سر» مخفية بين سطوره، ومنها:
أولا، كلمة سر في الشأن الجنوبي، عنوانها أمن اسرائيل فوق كل اعتبار، وما الاشارة الى استياء بلاده من مسيرة العودة في الخامس عشر من ايار، على اعتبار انها تمس الامن الاسرائيلي، سوى اشارة ضغط اميركية لمنع تكرارها، ومن هنا جاءت دعوته لبنان الى «اهمية الحفاظ على امن حدود قوي على كافة حدود لبنان من أجل منع الحوادث التي تزيد من حدة التوترات التي يمكن أن تؤدي إلى وقوع إصابات، وتؤثر سلبا على أمن المنطقة» كما جاء في بيان السفارة.
وكان لافتا للانتباه في هذا السياق، أن السفيرة مورا كونيللي وخلال اجتماع فيلتمان بالرئيس ميقاتي، استوضحته عما وصلها من تقارير تفيد أن مئة حافلة قدمت من سوريا الى لبنان، يوم الأحد الماضي وتوجهت الى مارون الراس مباشرة، وكان رد ميقاتي أنه لم يتلق أي تقرير بهذا الصدد.

وردا على اسئلة فيلتمان وكونيللي، سجل ميقاتي على قوات «اليونيفيل» أنها سكتت على الخرق الاسرائيلي للقرار الدولي الرقم 1701 بإطلاق النار على المواطنين العزل، وطالب «اليونيفيل» بتفعيل دورها صونا لمهمتها في حماية منطقة جنوب نهر الليطاني بالتعاون والتنسيق مع الجيش اللبناني.

ثانيا، كلمة سر في الشأن السوري، ظهرت في ما سماه بيان السفارة «قلق الولايات المتحدة الجدي إزاء أعمال العنف الجارية في سوريا، وإزاء تقارير حول اضطرار مدنيين سوريين الى الفرار الى ملاذ آمن داخل لبنان»، كما ظهرت في دعوته الحكومة اللبنانية الى العمل مع مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين والمنظمات الدولية الأخرى، بما في ذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر، من أجل الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي «لتوفير الحماية للمواطنين السوريين الذين يفرون من العنف في سوريا».

ولعل الخطير في هذا الجانب ان فيلتمان لم يربط ما سماه «الملاذ الآمن» بالبعد الانساني، الامر الذي قد يدفع الى مقاربة الطلب الأميركي من زاوية السؤال عما اذا كان القصد منه محاولة دفع لبنان الى حماية المناوئين للنظام في سوريا وتأمين الغطاء لهم، متجاوزا بذلك منطوق اتفاق الطائف ومعاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق بين البلدين، أو من زاوية السؤال عما اذا كان القصد من هذا الطلب التمهيد لاستحداث مخيمات للاجئين السوريين في لبنان تستثمر اعلاميا في معركة الضغط على سوريا واتهامها باضطهاد شعبها، على غرار ما يجري على الحدود التونسية والمصرية مع مخيمات اللاجئين الليبيين!

وكان فيلتمان قد بدأ يومه اللبناني بزيارة رئيس الجمهورية ميشال سليمان ثم رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط، ثم الرئيس المكلف نجيب ميقاتي والرئيس فؤاد السنيورة ومستشار رئيس حكومة تصريف الاعمال الوزير السابق محمد شطح، نظرا لوجود الرئيس سعد الحريري خارج البلاد، فيما امتنع رئيس مجلس النواب نبيه بري عن استقباله، وأبلغ مكتب بري السفارة الاميركية بأنه خارج بيروت.

وعلمت «السفير» أن اللقاء بين جنبلاط وفيلتمان الذي حضره وزير الاشغال غازي العريضي كان صريحا واستعرض مسار الأحداث في المنطقة، وتركز بشكل خاص حول الموضوع السوري، وكانت لجنبلاط قراءته المناقضة لموقف فيلتمان في هذا السياق. ورفضت أوساط جنبلاط الكشف عن مضمون المحادثات، إلا أنها وصفت اللقاء بـ«الدقيق جدا».

وفيما أشار بيان رئاسي الى تأكيد رئيس الجمهورية على «أهمية تأمين الاستقرار في دول المنطقة وتشجيع خطوات الاصلاح التي تقوم بها هذه الدول في شتى المجالات»، اوضح ميقاتي بعد اللقاء «أن توجهه في تشكيل الحكومة هو قيام حكومة وطنية منتجة فاعلة وتلبي طموحات اللبنانيين وتكون قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والاقليمية والدولية في ظل ما يجري من تطورات، ولا يزال هذا التوجه هو القاعدة التي تحكم مواقفه علما أن تشكيل الحكومة مسؤولية لبنانية وفعل إرادة وطنية صرفة» وهو الأمر الذي أبلغه رئيس الحكومة المكلف لفيلتمان في بداية اللقاء بينهما.

وفي الموضوع السوري، جدد فيلتمان خلال اللقاءات مع سليمان وميقاتي وجنبلاط ما ردده الرئيس أوباما في خطابه ليل أول من أمس، من أن بلاده تراهن على أن يتولى الرئيس الأسد قيادة الاصلاحات في بلاده.. وإلا فعليه أن يتنحى عن السلطة.
وكان لافتا للانتباه دفاع رئيس الجمهورية عن موقف القيادة السورية وقال «مؤخرا بعد خطاب الرئيس الاسد الاصلاحي واتخاذه خطوات عملية مهمة وبدلا من ملاقاة هذه الخطوات، تصاعدت داخليا وتيرة الاحتجاجات التي أخذت في جانب منها طابعا أمنيا يهدد الاستقرار في الداخل السوري مترافقا مع ضغط دولي متواصل».

وعندما تطرق فيلتمان خلال اللقاء مع ميقاتي وسليمان لموضوع الدولة الفلسطينية على اساس حدود العام 1967، شدد رئيسا الجمهورية والحكومة المكلف على وجوب وضع قضية اللاجئين الفلسطينيين وتحديدا القرار 194 على جدول الأعمال، آخذين على أوباما أنه تجاهل هذه القضية كما قضية القدس.

وأبلغ فيلتمان من التقاهم أنه يتابع شخصيا ملف الثورات في كل من مصر وتونس والبحرين!

السابق
لماذا يقيم سعد الحريري خارج لبنان؟
التالي
المستقبل: فيلتمان: المحكمة والالتزامات الدولية أساس تقويمنا لأي حكومة