12 نيسان 2011، مستقبل الشرق رُسم في اسطنبول

المكان: تركيا

الزمان:12 نيسان الماضي.

الموضوع: اجتماع غير معلن نظّمته القيادة التركية لممثلين عن "الإخوان المسلمين" في سوريا ومصر والاردن، في حضور ممثل عن امير قطر وفي رعاية اميركية تمثلت بمشاركة مسؤول بارز في وزارة الخارجية الاميركية، رجّح انه السفير جيفري فيلتمان الذائع الصيت والبالغ الخبرة بشؤون المنطقة.

هي معلومات لا يتجرأ على البوح بها، والادعاء بصحة حصولها، إلا من يريد اثبات نظرية الضلوع الاميركي المباشر في الاحداث السورية، ومن هنا تبدأ المعلومات التفصيلية والوقائع الثانوية التي تثبت وجهة نظر القائلين بأن مسلسل الربيع العربي لم يكن في حقيقته، منذ تونس مرورا بمصر وليبيا، سوى استثمار اميركي لحركة التغيير في العالم العربي. استثمار عرف كيف يصبغ بعباءة تركية، اتفاقا مع الإسلام السياسي، سوف ينتهي اذا نجح باستلام هذا الإسلام الحكم في اربع دول عربية على الأقل: مصر، الاردن، سوريا واليمن، وسوف يكون حضوره مؤثرا في تونس، وربما في المتبقي من دول شمال افريقيا.

وفق أنصار هذه المعادلة، فإن اجتماع اسطنبول الذي حضرته القوى المتشددة داخل تنظيمات الاخوان المسلمين غيّب عنه التيار الاعتدالي. فإخوان سوريا، على سبيل المثال، حضر عنهم رياض الشقفة وغاب صدر الدين البيانوني، واخوان مصر والاردن حضروا ايضا وكان لديهم تصوّرهم الكامل في النقاش مع الاتراك والاميركيين، لخريطة المنطقة في مرحلة ما بعد سقوط الانظمة، حيث سيستطيع "الإخوان المسلمون" ان يكونوا، وخصوصا في هذه البلدان الاربعة، النواة لبلورة ما يمكن ان تجوز تسميته الديمقراطية الاسلامية.

في هذا الاجتماع، كان نقاش بين الاسلاميين وكل من الاتراك والاميركيين، حول معالم المرحلة المقبلة. فالسوريون اشترطوا في حال تمكّنهم من الإطاحة بنظام الاسد، ألا تضغط عليهم للجلوس على طاولة التفاوض مع اسرائيل، لأن ذلك سيعني سقوطهم في بداية استلامهم الحكم، وفضلوا الا يحصل اي تفاوض إلا بعد نيل غطاء اسلامي وعربي تتصدره المملكة العربية السعودية، أما الاردنيون فركزوا على نيل المساعدة والغطاء الدولي لإسقاط نظام الملك عبد الله، او لإجباره على التنازل عن الحكم الفعلي والقبول بصيغة الملكية الدستورية، وتعهدوا في المقابل باستيعاب الفلسطينيين في الضفة الشرقية، تمهيدا لأن يكون هذا توطئة لإيجاد مخرج لقضية حق العودة تسهيلا لعملية التسوية، اما الاميركيون فقد اكدوا على الاستعداد لدعم حركة الاخوان المسلمين في سياق الانتقال الديمقراطي لهذه الدول، وتعهدوا في الموضوع السوري ان يعملوا على طمأنة اسرائيل في خوفها من سقوط نظام الاسد، وما يمكن ان يليه من متاعب لا تستطيع تحمّلها. هذا فيما أبدى ممثل "خط الاستعداد" لتعميم تجربة المساعدة في قلب الانظمة التي نجحت في مصر وتونس وليبيا، واستعمالها في سوريا والاردن واليمن.

وفي محصلة نتائج هذا الاجتماع، تجزم القوى التي تعتقد بوجود مؤامرة أساسها التحالف بين الولايات المتحدة والاسلام السياسي في العالم العربي، أن احداث سوريا قد تمّ تصعيدها بشكل منظم في دفع هذا التحالف. ونشير الى ان نظام الاسد لم يكن الوحيد الذي توجّس مما يحصل، ولم يكن الوحيد الذي عرف بتفاصيل هذا التفاهم، اذ ان الملك عبد الله ساوره القلق الشديد، على اعتبار ان حكمه وضع على اللائحة. ولهذا، قام بحركة تشاور وتنسيق مع الاسد، واوفد اليه احد مسؤولي البلاط الملكي ليحذره من خطة منظمة، حصل على معطيات منها، تهدف لربط "الإخوان المسلمين" في الاردن وسوريا في حركة تعاون عابرة للحدود، تعمل على إسقاط النظام السوري اولا، وتنتقل بعد النجاح الى الاردن. وفي المعلومات الملكية تحذير من ثلاث مناطق سوف يحاول فيها اخوان سوريا تحويلها الى بنغازي، هي درعا وبانياس وحمص، ونصيحة بعدم تمكين هؤلاء من تحقيق اهدافهم.

اما عن الراعي التركي، فتقول هذه القوى ان اردوغان، الذي يضيف على انه احد صقور "الإخوان المسلمين" اللابس ثوب العدالة والتنمية، يطمح لأن يلعب دور القيادة في تعبئة الفراغ العربي في مرحلة ما بعد سقوط الانظمة، وإمساك قوى الديمقراطية الاسلامية لزمام الحكم. وهو دور بدأ يتوضح اكثر فأكثر، منذ ان سبق اردوغان كل زعماء المنطقة والعالم في إعلان عدم شرعية نظام مبارك، ومنذ ان رعى حركة "الإخوان المسلمين" في سوريا وحضنها.

تتخوف القوى التي تروّج لنظرية المؤامرة هذه، من ان المؤامرة لم تعد خرافة، وترجّح ان يكون الاتفاق بين الأميركيين والاسلام السياسي الصاعد، بداية لرسم مستقبل المنطقة على أسس جديدة، خصوصا اذا ما نجح هذا الاتفاق بإسقاط نظام الاسد. لكن المفارقة ان هذه القوى تتجاهل كليّا ملابسات سقوط النظامين المصري والتونسي الحليفين لأميركا، هذه الملابسات التي أعطت مؤشرا واضحا على ان الديناميّات التي ولدت الربيع العربي في هذين البلدين، هي نفسها التي حركت الثورة السورية، وهي التي وضعت الاستراتيجية الاميركية في المنطقة، في حالة إرباك، بحيث بدت الدبلوماسية الاميركية في تونس ومصر وليبيا في عجز عن اللحاق بحركة الشعوب. أما في سوريا، وهي مفارقة ثانية، فقد كانت سرعة تطور الثورة السورية اكبر بكثير من قدرة الدبلوماسية الاميركية على التفاعل مع الحدث، فهل كان ذلك ايضا التعبير عن المؤامرة المرسومة سلفا والمعدة للتنفيذ؟

السابق
النابلسي انتقد اثارة الاجواء ضد سوريا
التالي
“ثعالب الجنوب”في الجيش الإسرائيلي