أيّ إعداد فكريّ في “القوّات” و”أمل” و”التقدّمي الإشتراكي”؟

أخضر، أصفر، ليموني… سباق محموم تشهده الأحزاب اللبنانية لتحجز لنفسها لونا خاصّا بها، بعدما باتت الساحة اللبنانية مكتظّة بالرايات الحزبية. إزاء هذا المشهد، يبرز سباق من نوع آخر، وهو المحافظة على المحازبين واستقطاب المزيد من المناصرين. حيال هذه التحدّيات، غالبا ما تلجأ الأحزاب إلى تقديم أشهى أطباقها السياسيّة من خلال إعدادها التثقيف الفكري الذي تراه مناسبا ويتلاءم مع معايير مطبخها الخاص.

القوّات اللبنانيّة

يعتبر المسؤول عن التثقيف السياسيّ في القوّات اللبنانية الدكتور أنطوان حبشي "أن لا مفرّ من هذه العمليّة في كلّ حزب أو تيّار سياسي، ذلك نظرا إلى المهارات التي يكتسبها الفرد، من خلال تدريبه على وسائل الديمقراطية والحوار، وطريقة الإقناع والإصغاء… وغيرها". ويتابع: "على التثقيف أن يراعي مختلف المستويات الفكريّة والثقافية والعمرية التي يتحلّى بها الأفراد، لذا يحرص الحزب على توفير مختلف وسائل التثقيف".

أمّا عن المسار الذي يسلكه التثقيف، فيقول: "بداية، هناك الدورات العامّة التي تطاول مختلف الفئات الشعبية التي تريد التعرف إلى ماهيّة القوّات اللبنانيّة وفكرها السياسي، وهذا النشاط كناية عن مجموعة محاضرات متنقلة في الكثير من القرى والبلدات، تتمحور في شكل أساسي حول تاريخ لبنان والأحزاب اللبنانية والدولة ومقوماتها، إضافة إلى مفاهيم الديمقراطية". ويضيف: "يعدّ الإطار المركزي المواضيع في ضوء استمارات توزّع على أهالي المناطق لاستمزاج آرائهم حيال اهتماماتهم واحتياجاتهم".

وفي مرحلة تالية، تأتي دورات الكوادر، ويوضحها حبشي: "تعدّها الأكاديميّة السياسية للكوادرالمكوّنة من مجموعة من الدكاترة والأساتذة الذين يحضّرون المواد، وتمتد هذه الدورات على مدى 8 أشهر، وهي تعنى، من جهة، بإعداد الكوادر الحزبية، ومن جهة أخرى، تهتمّ بالمحازبين والمناصرين أصحاب الشهادات الجامعيّة".

كذلك يؤمّن الحزب دورات تثقيفيّة متخصّصة، فيخبر حبشي: "تدير هذه الدورات مجموعة من الكوادر المتخصّصة في إحدى الميادين، كالبيئة والصحة، وتهدف بدورها إلى توجيه الرأي العام". حيال تعدّد الدورات التي تؤمّنها "القوّات" على مدار السنة، يعتبر حبشي "أنّ الجامعة الشعبيّة تبقى أساس التثقيف السياسيّ، لا سيّما وأنّها تؤمّن التواصل مع أقرب القواعد الشعبيّة في مختلف المناطق اللبنانية".

لا ينكر حبشي أنّ الانتماء الحزبي لدى البعض قد تغلبه العاطفة، فيقول: "أخطر ما في المسألة هو الانتماء العاطفي، لذا فالتحدّي الأكبر يبقى في جعل الناس منتسبين فعليّا، وعلى نحو عقلاني". ويضيف: "إنّ محاولتنا الحاليّة في مأسسة الانتماء السياسي، ستقطع الطريق على أيّ انتماء "عمياني".

في هذا الإطار، يلفت حبشي إلى "أنّ عملية "غسل دماغ" خلال التثقيف السياسي مسألة جدليّة ومزدوجة الاتجاه"، موضحا: "كلّما حرص الحزب على توفير قاعدة شعبية مدركة حقيقة دورها السياسي من مراقبة ومحاسبة، يصعب على أيّ فئة أخرى غسل دماغها، وزعزعة مفاهيمها".

"أمل"

من جهته، يوضح عضو المكتب السياسي لحركة أمل حسن قبلان، "أنّ "أمل" حركة سياسيّة وطنيّة تحمل مشروعا سياسيّا وطنيّا عقائديّا، مما يلزم المنتمي إليها أن يكون مطّلعا ومقتنعا بمجمل عناوين مشروعها وأبعاده". ويضيف: "تبدأ المرحلة التأسيسيّة الأولى لمسيرة الالتزام السياسي في الاطّلاع والاقتناع بما ورد في ميثاق الحركة، الذي وضعه الإمام موسى الصدر، يضاف إليها الإنتاج الثقافي والسياسي المعبّر عنها بالمواقف لهذه المسيرة".

ويؤكّد قبلان "أنّ التثقيف السياسي يشكّل أولويّة وضرورة واجبة من ضرورات المسيرة التنظيميّة لأداء الحركة". أمّا عن أساليب التثقيف التي تنتهجها الحركة، فيوضح: "يبدأ التنفيذ الفعليّ من الخليّة، وهي الإطار الأصغر، ثمّ الشعبة في البلدات، ثمّ قيادات المناطق، فالأقاليم، والمكاتب القطاعية، مثل الطلّاب، العمّال، والتربويّون، والمرأة والكشّاف، ولكلّ من هذه الأطر، اجتماعاته ومواده التثقيفية الخاصة به، لكنّ الموقف السياسي الآني، يصل على نحو مباشر إلى كلّ المنضوين". ويضيف: "تضع هيئات مختصّة برنامجا تعبويّا، أمّا المواقف السياسيّة فيعدّها المكتب السياسي".

ويوضح قبلان "أنّ إعطاء الدروس التثقيفيّة يتمّ بواسطة كوادر متخصّصة وقيادات متمكّنة ومتقدّمة في الحركة، يضاف إلى ذلك دورات تخصّصيّة على مدار العام، وتحديدا في العطل الصيفيّة للطلاب". ويضيف: "وللحركة معهد خاص للكوادر، مهمّته أيضا تخريج الكوادر المتقدّمة في اختصاصات محدّدة".

أمّا عن مضمون المواد التي تدرّس والمفاهيم الأساسيّة التي تنقل إلى المنتسبين، يقول: "تؤمن حركة أمل بخيارات واضحة أوّلها عروبة لبنان ووحدته، ودولته ومؤسّساته الجامعة، وتعتبر الخطر الصهيونيّ خطرا دائما على لبنان، تلتزم القضيّة الفلسطينيّة. وعلى المستوى الداخلي تلتزم محاربة الحرمان وضرورة إلغاء الطائفيّة". ويضيف: " يشمل التثقيف السياسي العشرات من العناوين السياسيّة والثقافية والوطنية والعقائدية، على نحو يؤمّن تعدّدها شخصيّة متّزنة للمتلقّي ويحصّنه من التطرّف والتعصّب والعنف والانعزال".

يلفت قبلان إلى أنّ الحركة عمدت قدر المستطاع إلى "أن تقيم توازنا بين الانتماء الوطني وقضيّة الالتزام العقائدي والسياسي لدى المنتسبين"، ويضيف: " قضيّة الانتماء الوطني لا تتعارض مع الانتماء الدينيّ والعقائديّ، "أمل" ليست حزبا سياسيّا مُغلقا، إنّما حركة شعبيّة جماهيريّة تتّسم بالانفتاح والمرونة". ويتابع موضحا: "من جهتنا لا نقوم بأيّ عمليّة غسل دماغ لأنّ ما نطرحه يشكّل فطرة شعبنا وطبيعته الأساسيّة، فنحن لا نأتي بالأفكار من كوكب آخر، بل أفكار يعرفها الشعب على نحو طبيعيّ، لا سيّما وأنّنا نتكلّم لغتهم".

وعن تفسيره لانتماء معظم المنتسبين إلى طائفة محدّدة، يقول: "على رغم أنّ معظم المنتسبين هم من الطائفة الشيعيّة، إلّا أنّ أمل ليست حكرا على أيّ طائفة، وتؤكّد في مختلف أعمالها السياسيّة أنّها منفتحة على الجميع".

"التقدّمي الإشتراكي"

"من يفكّر في الانتساب إلى الحزب، عليه أن يشارك في مجموعة من اللقاءات التثقيفيّة والفكريّة والسياسيّة والحزبيّة"، هذا ما يوضحه مفوّض شؤون الداخلية في الحزب التقدمي الإشتراكي الدكتور يحيا خميس، مؤكّدا" أنّ "للتقدمي الإشتراكي خصوصيّته من بين الأحزاب اللبنانيّة، فهو يتمتّع بقاعدة فكريّة، كونه ليس مجرّد حزب سياسيّ يعتمد على العمل اليوميّ، لذا يسبق التثقيف الحزبي تثقيف فكريّ ثقافي مقرونا بتثقيف سياسيّ، وعلى أثر ما اكتسبه، يقرّر الفرد الانتساب إلى الحزب أو العزوف عنه".

ويضيف خميس: "في مرحلة ثانية يخضع المنتسب إلى مدارس حزبيّة نعني من خلالها شرح فكر التقدّمي الإشتراكي، وفق مستويات متعدّدة، وذلك في ضوء المستوى العلمي الثقافي، الذي يختلف من منتسب إلى آخر وقدرته على استيعاب القضايا الفلسفيّة، "إضافة إلى إيصال المواقف السياسيّة الداعمة للحزب وعمليّة شرحها وتوضيحها".

في هذا السياق، يشير خميس إلى أنّ المدارس الحزبيّة تنقسم إلى مستويات متعدّدة، مدرسة حزبيّة للجدد، للكادر الوسيط، وأخرى للكوادر الأعلى. ويوضح: "من خلال التثقيف الذي نعدّه، نحرص على تأمين التفاعل والتواصل المباشر بين المنتسبين والمحاضرين، لذا نبعد قدر المستطاع عن الأساليب الكلاسيكيّة والوعظ، وغالبا ما نوظف الوسائل التكنولوجيّة والتقنيّات الحديثة في عملنا".

ويوضح خميس "مع تعدّد المدارس التي تطاول مختلف المستويات بدءا من المنتسبين الجدد وصولا إلى الكوادر، يحرص المعنيّون، من خلال اللقاءات والحلقات، على الجمع بين التثقيف الحزبيّ والسياسي، وترسيخ التعلّق بالأرض والوطن، فذلك من صلب المبادئ الفكريّة للحزب التقدّمي".

أمّا عن المشكلات التي يواجهها الحزب خلال عمليّة التثقيف، فيذكر أبرزها: "بعيدا من المثالية، المشكلة التي تواجه مختلف الأحزاب، بما فيها التقدّمي هي عينها، غالبا ما يتلمّس الشباب الفصل بين الأمور النظرية والممارسة الفعليّة التطبيقيّة". ويضيف: "من باب النقد الذاتي، من أهم الصعوبات، أنّ الشاب اليوم قد يلاحظ اختلافا بين ما يتعلّمه وبين ما ينفّذه الحزب على الأرض، ولهذه أسبابها الخاصة التي تفرضها التغيّرات السياسيّة". في هذا السياق، ينتقد خميس الإعلام الذي يعمد إلى تضخيم القضايا وتظهير أنّ "بين مواقف النائب وليد جنبلاط والقاعدة الحزبيّة فجوة".

من الطبيعي في نظام يؤمن بالتعدّدية والديمقراطية أن تتنوّع وسائل التثقيف التي تلجأ إليها الأحزاب اللبنانية، ولكن يبقى الأساس الحفاظ على فسحة من التلاقي مهما اتسعت المسافات بين أساليب التثقيف… أقلّه الاتفاق على حبّ الوطن.

السابق
مدرسة العمروسية الرسمية مبنى متصدّع لـ 592 تلميذاً
التالي
إفتتاح المدرسة الذكية- ستار كولدج-زبدين‏