قلعة مارون الجنوبية.. شاهدة على التاريخ

تستريح قلعة مارون في مهب الريح فتجد نفسها سجينة اللوحة التراثية المهشمة جراء الإهمال،تنحني أمام همجية الإهمال الذي يتهشم بقلعة مارون التي تعيش على حافة الإنحدار نحو نفق مظلم قد يخرجها نهائيا من واقعها الاثري ليضعها على جدار ذاكرة النسيان،تتخبط به وتعانده عساها ان تنجح،ولكن يبدو انه متعشش داخلها، في حضرة غياب بارقة الامل لتعيد لها الروح التي تآكلتها السنين.

كل شيئ يسير عكس الاتجاه في قلعة مارون الذي يغيب عنها التاريخ، بنيت على تلة جبلية، من قبل آرام بن يعقوب على مذنب تومات نيحا من السلسلة الغربية لجبال لبنان، تحاورها السهول الزراعية، فهي كانت قلعة تجارية اكثر منها سكنية يقول ياسين الذي يشير الى "انها بنيت في عهد مارون بن كنعان ويطل عليها جبل "الطرطاء"، فيما تطل على قلاع الشقيف يارون وتبنين، ونشأت بينهم علاقة تجارية وعسكرية".

تعود القلعة الى مارون إبن يثرون إبن عيص شقيق النبي يعقوب وتسمى بالقلعة الآرامية نسبة الى سمعان "الوطني الغيور"، تتألف من ثلاث طبقات وتمتد على مساحة عشرين ألف متر مربع، فيها أربع ينابيع و365 بئر، و12 برج بعضها دائري أرامي كنعاني وبعض منها مربعة صليبية، كان فيها مدينة رياصية وصالات للإجتماعات وتحوي قصر الملك ناحية الغرب وأقبية، تأخذ الشكل المربع، وتزاوج بين حضار الكنعانيين والاراميين والبيزنيطين، ومكث فيها المسيح عليه السلام وكانت بلدة دير كيفا تعتبر من القرى العشر التي أهداه اياهم أحيرام ملك صور.

الوصول اليها اشبه بمغامرة ممتعة، بحثا عن المجهول، طريق وعرة يتوجب عليك تسلقها، لتجلس في كنفها، فيتوجب توقي الحذر في رحلة اكتشاف قلعة جميلة، تظهر المعالم لقناطرها المتبقية روعة البناء الذي تصارعت عليه الشعوب، أسوار مهتزة منزوعة الشكل، مساحة شاسعة تقطعها وان تحاول ان تجد اثار القلعة، الى ان يطل عليك ما تبقى من قناطر تزاوجت مع نبات الصبار، وتداخلت مع جدران المنازل، واكثر ما يستوقفك اثناء تجوالك داخلها، هي تلك الشجرات المزروعة حديثا في صالات الرياضة "كما يلفت الباحث في الحضارات البيولوجية والجيولوجية والإثنولوجية موسى ياسين " لم يعد المكان ذاك المكان الذي كان قبل 2100 سنة، إختفت قاعات الرياضة الواسعة وضاعت القاعات الثقافية وإنتفت الأسواق التجارية التي كانت تعج بالزوار، الذين يأتون من مختلف القرى لبيع بضاعتهم من العنب والتين والنبيذ، وذهبت أدراج الرياح المدابغ ومصابغ الجلود حتى الأبراج الدائرية العالية قضمها الإهمال ويهددها بالانزلاق .

تحاكي طبقات القلعة الثلاث حضارات تعاقبت عليها، الطابق الأرضي يشير إلى صليبية طابعه، والانقاض التي في أسفله إلى الحقبة الفينيقية. فإن الطابق العلوي حديث العهد ،جدّد بناءه الشيخ النصار، ويتوزع بين أقبية وآبار وبيوت حجرية، إنهار معظمها، وطمر بعضها. ويحوطها سور منيع بارتفاع ستة أمتار وعرض مترين، وينتصب عند كل زاوية من زواياه السبع، برج مستدير يبلغ قطره ثمانية أمتار، أو أكثر، بداخله قبو يستخدم مهجعاً للحراس، فضلاً عن الأقبية التي استُعملت كسجون لعقود خلت، وهنا يشير ياسين الى أنه هناك صلة ما بين القلعة ومغارة النفاخية المكتشفة حديثا التي تبعد عن القلعة بضع مئات من الأمتار ويرجح وجود نفق بين الأثنين ويعيد الامر الى الحمض الكبريتي الذي عثر عليه داخل المغارة.
اليوم يدق الخطر باب قلعة مارون- دير كيفا الجنوبية، وت
عيش حالة غثيان ينام في احضانها التاريخ فيما تستفيق على واقع لا تحسد عليه، يتدلى الاهمال من احضانها، فيسرق منها كل تفاصيلها ومعالمها دون ان يترك لها شيئا فتراها في حالة اهتراء زمني واضح للعيان، وما تهالك حجارتها المتبعثرة، او بجملة أصح المختفية من المكان، الا دليل على الحال المذرية التي تعيشها قلعة مارون الارامية الكنعانية، التي عصت على الجيوش الصليبية والمماليك والبيزنطين ولكنها وقعت في فخ الاهمال المتفشي بها، كسرطان خبيبث في حالته المتقدمة، الذي نهش بحجارتها وهيكلها، وينذر باختفاءها، فالابراج تعيش حالة طوارئ، خوفا من أن تسقط حجارتها وتختفي اثارها، فيما تتعكز التساؤلات وهي تسير على هضبة المكان الذي يلفه الصمت، لولا هبوب الهواء الذي يحرك صمته الغارق في حزن الباحث عن من يتلقف به، ويفيق التاريخ من كبوته التي قد لا يصحو منه الا مع الترميم الذي يبدو بعيد المنال عن الرؤى.

في ذاك الركن القاسي على الزمان تستريح القلعة من طنين الامس، وعجقة الذكريات، لتحكي قصتها مع التاريخ الذي يحاول أن يغازل المكان المتهالك، وإذ بك تتمالكك رغبة جامحة في كتم الأفكار التي تسرقك لتحاول أن تجمع تاريخ قلعة من أكبر القلاع على الإطلاق قلعة" دير كيفا الآرامية-كنعانية، ما يحدو بالباحث ياسين الى مناشدة جميع القيمين والمسؤولين عن الأثار في لبنان" الحفاظ على الثروة الاثرية، لانتشالها من واقعها.

السابق
السعودية تُكذِّب تقريراً بريطانياً بشأن عدم صلاحية مياه زمزم
التالي
الراعي استقبل عسيران ومنصور في بكركي