زاهي وهبي: سأتفرّغ للكتابة من دون التخلّي عن التلفزيون

إعلامي تميّز بخلقية في العمل ورقيّ في التعاطي مع ضيوفه فكسر قالب المقدّم العابس وكرّس صورة المحاور المثقف… إنه زاهي وهبي الذي قرر مغادرة كنف تلفزيون «المستقبل»، بعد 15 عامًا من إعداد برنامجه «خليك بالبيت» وتقديمه.

عن استقالته وإصداراته الشعرية الجديدة ورؤيته للإعلام العربي، كان الحوار التالي معه.

ما الذي دفعك إلى اتخاذ قرار مغادرة شاشة «المستقبل»؟

حان وقت التغيير ولكل شيء نهاية، بالإضافة إلى رغبتي في الراحة والتفرّغ أكثر للكتابة والشعر من دون التخلّي نهائيًا عن العمل التلفزيوني، لكني سأتّجه إلى عمل أكثر ثقافة والتزامًا بقضايا الشعر والرسم والرواية… فضلاً عن تراجع الإعلام اللبناني، في السنوات الأخيرة، من ضمنه «المستقبل» بفعل الأزمات المالية والإدارية، وشحّ سوق الإعلام على مستوى القنوات اللبنانية كافة، فلم يعد بإمكاني تقديم البرنامج بالمستوى الذي اعتاد عليه المشاهدون.

هل حصل إشكال مع إدارة «المستقبل»؟

غادرت بعد تفاهم مع المدير العام الأستاذ سمير حمود الذي حاول ثنيي عن قراري لكني أصررت عليه، لذا كانت مغادرتي محترمة تليق بعِشرة 18 عامًا من العمل المستمرّ في هذه المؤسسة التي أعتبرها منزلي وزملائي فيها أسرتي، وما الحلقة التكريمية الأخيرة إلا دليل يدحض أي تأويل أو تفسير في غير محلّه لاستقالتي.

إذاً، هدف الحلقة التكريميّة تكذيب الإشاعات.

الحلقة التكريمية مبادرة من الزميلة ريما كركي وقد لاقت ترحيبًا وتشجيعًا من إدارة التلفزيون ولم يكن هدفها دحض الإشاعات، أما إذا أدت إلى هذه النتيجة، كان به، لأن علاقتي بالمؤسسة جيدة ومحترمة، أساسًا، ولن تتغيّر بعد مغادرتي.

هل وضعت إطارًا محددًا لبرنامج جديد؟

بما أن استقالتي تتزامن مع بدء الموسم الصيفي وإجازات البرامج التلفزيونية عموماً، لذا سآخذ فترة تأمل وإعادة قراءة المرحلة الماضية واستخلاص حسناتها وتجنّب هفواتها، تمهيدًا لاختيار تجربة جديدة من ضمن جملة خيارات مطروحة أمامي وعروض من فضائيات واحتمال التعاون مع شركات إنتاج.

إعلانك تأييد المقاومة، ألم يحرجك مع إدارة «المستقبل»؟

أيّدت المقاومة في صراعها مع العدو الإسرائيلي قبل عملي في «المستقبل» وخلاله وبعده، أما بالنسبة إلى القضايا الداخلية، فأؤيد الحوار بين الأطراف كافة. إلى ذلك، كانت لدي حرية التعبير ولم تتدخّل الإدارة في رأيي ولم تفرض رأيها علي حتى على صعيد اختيار الضيوف، أشكّ في وجود هذه المساحة الحرّة في أي مكان آخر قد أذهب إليه.

متى يتوجّب على الإعلامي مغادرة مؤسسته؟

أنا مناصر للاستمرارية، لذا استمريت 19 سنة في «المستقبل» من ضمنها 15 عامًا في برنامج «خليك بالبيت»، إنما للضرورة أحكام. لولا تراجع الإعلام العربي وقصور الإعلام اللبناني عن تغطية القضايا العربية لما غادرت.

أين أخطأت وأين أخفقت خلال هذه المدة؟

من الطبيعي أن يخطئ كل من يتعاطى في الشأن العام تارة ويصيب طوراً، أترك الحكم للنقاد والمشاهدين والمتابعين. أحاول التعلّم من تجربتي، قدر الإمكان، والاستفادة من كل شيء سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا، حسنًا أو سيئًا. باختصار، لم أعد الشخص ذاته لأن الإنسان يتعلّم من التجارب وسأحاول الاستفادة من تجربة «خليك بالبيت» في البرامج المستقبلية وتفادي الهفوات التي وقعت فيها.

كيف كانت ردة فعلك إزاء النقد الذي كان يوجَّه إلى البرنامج؟

أعمل منذ ثلاثة عقود في الوسط الإعلامي والصحافي وبالتالي أعرف كل ما يدور فيه وخلفيات ما يُكتب، فإذا كانت خلفيّة النقد نزيهة وموضوعية أصغي إليه، سواء جاءت الملاحظات في الصحف أو في الشارع، في المقابل أتلافى النقد الذي ينطلق من خلفيات مغرضة وشخصية.

ماذا أضاف إليك هذا البرنامج؟

أفسح في المجال أمامي للاحتكاك بمبدعين عرب من المحيط إلى الخليج والاطلاع على نتاج الشخصيات الأدبية وغير الأدبية ومحاورتها. لذلك، أعتبر أنني تخرّجت بدراسات عليا من جامعة «خليك بالبيت» إذ كان الضيوف والمشاهدون أساتذتي إضافة إلى الزملاء الذين انتقدوا عملي ما أكسبني خبرة واسعة.

ما كان الهدف من البرنامج؟

فرض مساحة حوار جاد ورصين وغير مملّ، وقد اعتمدت على شخصيتي الأقرب إلى السهل الممتنع وحرصي على فتح الباب أمام تجارب إبداعية جديدة. أردت تقديم برنامج عربي من لبنان لا برنامج لبناني يُبث عبر الفضائيات، وقصدت أن يأتي المبدعون العرب إلى لبنان، خصوصًا في مطلع التسعينيات عندما كانت بيروت تنهض من الحرب وتلملم جراحها وتفرض حضورها مجددًا على المشهد الثقافي والإعلامي والفني.

إلى ذلك أردت تقديم تجربة ثقافية غير متجهّمة، ربما أكون جادًا في حواراتي لكني لا أعقّد الأمور بل أطرحها بسهولة وعفوية ليصل النقاش إلى أوسع شريحة من المشاهدين.

حوارك دافئ، هل هذا جزء من شخصيتك أم صورة فرضتها على البرنامج؟

أظنّ أنه جزء من شخصيتي، ربما أكون قد فرضته على البرنامج من دون تخطيط مسبق.

إلى أي مدى ساهمت شخصية الشاعر فيك في دعم مسيرتك الإعلامية؟

إلى حدّ كبير، لأن ضيوفي تعاطوا معي كزميل، من بينهم كبار الشعراء مثل أدونيس وسعيد عقل ومحمود درويش الذين تصرفوا معي باعتباري واحدًا منهم. سهّلت شاعريتي الأمور وظهر نجوم كثر في برنامجي معتبرين أن ذلك تكريم لهم. في المقابل، مُنح الشاعر في شخصيتي جواز مرور إلى القلوب بفضل الإعلامي، ومُنح الإعلامي في شخصيتي أسلوب الشاعر وحساسيته ونظرته إلى مسائل عدة.

هل ستلتزم بهذا الأسلوب في برامجك الجديدة؟

ربما سيشهد تغييرًا غير جوهري، ليجاري العصر وما يطرأ من تطورات هائلة على الوسائل الإعلامية وطبيعتها، بالإضافة إلى الاستفادة من تجربتي السابقة.

أين الشعر في حساباتك المقبلة؟

ركزت في السنوات الأخيرة على نتاجي الشعري وهذا واضح في إصداري مجموعة دواوين، لأنني أعتبر أن الشعر خياري الاستراتيجي فيما الورقة البيضاء شاشتي الذاتية الخاصة التي أرضي فيها نفسي كشاعر وكاتب. أما التلفزيون، فهو الشاشة الجامعة التي أطلّ منها لإرضاء الناس، لذا سأهتمّ بإصداراتي سواء إعادة طبع مجموعات شعرية نفدت من المكتبات أو إصدار مجموعات جديدة.

ما نشاطاتك في هذا الإطار؟

أحييت أخيراً عشر أمسيات شعرية بين لبنان والعالم العربي وسأصدر ألبومًا شعريًا موسيقيًا من إنتاج «روتانا شعر»، ترافقني فيه موسيقى الفنان المبدع رامي خليفة نجل الصديق الفنان مارسيل خليفة الذي وضع لمساته على العمل.

ماذا عن الإصدارات المكتوبة؟

تصدر في بيروت الطبعة الثانية من كتابي الأخير «رغبات منتصف الحب» وقد صدرت الطبعة الأولى في دبي ووُزعت كهدية مع مجلة دبي الثقافية في عدد مارس (آذار). إضافة إلى إصدار ديوان جديد قبل نهاية العام.

كذلك، صدرت لي في مصر مختارات شعرية بعنوان «تجري من تحتها الأنهار» وفي الجزائر «تغني لها» وثمة مجموعات شعرية نفدت من المكتبات سأصدر منها طبعة ثانية.

هل إصدار أعمالك في دول عربية مختلفة مقصود؟

لا، إنما عرض علي الشاعر الجزائري الصديق أبو بكر الزمال إصدار مختارات مخصصة للجزائر فرحبت بالفكرة، كذلك عرضت دار الشروق المصرية إصدار مختارات أيضًا ومجلة دبي الثقافية.

على صعيد آخر، استوحت المصمّمة العراقية هناء صادق من شعري ملابس عرضتها في عمان لرعاية الأطفال المصابين بمرض السرطان، كذلك استوحت المصمّمة المصرية عزة فهمي إحدى قصائدي وحوّلتها إلى عقد وأساور، وهذا يفرحني كثيرًا.

هل تشعرك هذه المحبة بأن تعبك أزهر؟

لحسن الحظ وُلدت في فمي ملعقة من تعب، لكني اليوم أحظى بمحبة من ذهب.

هل يتداخل جمهورك الأدبي مع جمهورك التلفزيوني؟

أشبّه الإنسان بالنهر الذي يجري في هذه الحياة وتصبّ فيه روافد عدة، لذا لا يمكن الفصل بين الإعلامي والشاعر فصلاً قاطعًا، إذ ثمة تداخل وتكامل بينهما لذلك أفرح عندما يستدرج أحدهما جمهور الآخر.

أي صفة هي ملازمة لشعرك؟

أنا شاعر حب أي حب للمرأة كإنسان وأنثى ما يعلي شأنها، حب للحياة والناس والأهل والتراب وكل ما يحيط بنا ويمكن إنشاء علاقة إنسانية معه، ولست شاعر الحب الذي يتغزّل بمفاتن النساء.

كيف تنظر إلى مستوى الإعلام في لبنان والعالم العربي؟

تراجع الإعلام اللبناني خصوصًا بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري لأنه غرق في الانقسام السياسي وتحوّل إلى متاريس وخنادق في زواريب السياسة اللبنانية وأزقّتها، ما حال دون مواكبة ما يجري على مستوى العالم العربي، بالتالي أثّر في اهتمام المشاهد العربي. وقد تزامن هذا التراجع مع تقدّم تجارب عربية أخرى على الصعيدين الخليجي والمصري اللذين فرضا حضورهما.

ألا يكبّلك هذا الاصطفاف السياسي؟

أنا داعية حوار وتواصل وأرفض ما يهدّد السلم الأهلي والعنف، كذلك أرفض الغرائز والعصبيات المذهبية والطائفية والعشائرية والمناطقية سواء في لبنان أو في العالم العربي، وأنحاز إلى المجتمع المدني وحقوق الإنسان والمرأة والحرية، انطلاقًا من هذه المسائل سأختار المكان الذي أعمل فيه.

بالنسبة إلى الزملاء، الواقع صعب وأتمنى أن يعينهم الله على التعامل معه بحنكة، طالما أن وسائل الإعلام خنادق ومتاريس تبثّ موادها كالرصاص، ما يقيّد العمل الإعلامي ويكبّل الإعلاميين ويفرض عليهم تصنيفات معينة.

ماذا عن الإعلام السياسي، ألا تنوي خوضه؟

أتابع الإعلام السياسي، إنما لا أرغب في امتهانه. قدمت برنامجًا سياسيًا في بداية عملي التلفزيوني لكني لم أجد نفسي فيه خصوصًا على صعيد السياسة المحلية اللبنانية الغارقة في الكذب والنفاق ووضع الأقنعة والقفازات والازدواجية في المواقف.

ما الهدف من هذا التنوّع في هوية ضيوفك العرب؟

أعتبر العالم العربي منجمًا من المبدعين، من هنا لا يجوز الاقتصار على الضيوف الذين يحتلون الشاشات وتسلّط عليهم الأضواء إنما البحث عن المواهب الدفينة.

كيف تخاطب الشعوب الثائرة اليوم؟

أنحاز إلى الناس أينما وُجدوا، هاجسي الوحيد ألا تؤدي الثورات والتحركات الشعبية إلى تفكيك المجتمعات والكيانات وتجزئة الدول العربية أكثر مما هي مجزأة. أدعم الثورة على الطريقة المصرية وهي مدنية وسلمية ورومنسية بعض الشيء وتضم تيارات دينية وأخرى مدنية، من الطوائف والأحزاب كافة.

من جهة أخرى، أخشى الثورات التي بدأت تأخذ طابعًا عسكريًا ودمويًا وأحمّل الأنظمة مسؤوليتها وليس الشعب، علينا الحذر والتحلي بالحنكة وبعد النظر، خصوصًا ممن يحاول ركوب هذه الثورات لتحقيق مصالح وغايات تضرّ بمستقبل الشعوب العربية.

ما نشاطاتك على الصعيد العربي؟

شاركت أخيرًا في «ملتقى الإعلام العربي الثامن» في الكويت، وترأست المنتدى الإنساني الأول في دبي، وسأشارك في «منتدى الإعلام العربي» فيها.

لحسن الحظ ، رسّخت اسمي وصورتي كإعلامي عربي قبل أن أكون إعلاميًا لبنانيًا، مع فخري واعتزازي بأن أكون من هذا الوطن الجميل، على رغم كل ما ألمّ به.

ماذا تتمنى على عتبة بدايتك الجديدة؟

أن تكون نحو مزيد من احترام العقل والوعي لدى المشاهد العربي وعدم الاستخفاف به وتقديم مادة لائقة به وبإنسانيته.

السابق
سبع سنين عجاف
التالي
إسرائيل تصنّف خامنئي الرقم 1 بعد بن لادن وتحرّض على نصرالله