النفايات تجتاح شوارع صور وقراها والمواطن وحده المتضرر

 في عام 2011، الذي شهد ثورات على الأنظمة في بعض الدول العربية، مطالبة بحل مشاكل تعاني منها الشعوب في تلك الدول، ربما يتطلع اللبنانيون إلى ثورة عارمة، تندلع من أجل حلّ مشكلة واحدة، ألا وهي مشكلة النفايات، التي ومن دون أي مبالغة، أضحت مشكلة جميع الناس، خصوصاً في منطقة صور، حيث تفاقمت الأزمة جرّاء إقفال مكبّ رأس العين، على الرغم من وجود معمل لفرز النفايات في بلدة عين بعال، الذي بدأ بناؤه الفعلي عام 2005، وانتهى عام 2008، فيما تمّ تركيب المعدّات اللازمة عام 2009، وكان من المفترض أن يفتتح عام 2010.

المشروع تمّ تمويله جزئياً عن طريق وزارة التنمية الادارية، من قبل الاتحاد الاوروبي بمبلغ 1.098.000 يورو (مليون وثمانية وتسعين ألف يورو) وعن طريق جمعية الشبان المسيحية بمبلغ 719.000 دولار (سبعمئة وتسعة عشر ألف دولار أميركي)، ومن قبل اتحاد بلديات صور بمبلغ 3.000.000 دولار أميركي، وذلك تحت إشراف ومراقبة دقيقة من قبل وزارة التنمية الادارية، التي تعتبر الجهة الرسمية القيّمة على المشروع.
لكن المعمل لم يعمل حتى اليوم، ويعود ذلك إلى أسباب عديدة تتعلق بإجراءات روتينية تخص التجهيزات، وأمور تقنية تطلبت بعض التعديلات عبر التجارب التي أُجريت، عدا عن المشكلة التمويلية عند التشغيل، وعدم توعية الناس على فرز النفايات من المصدر، وتبقى المشكلة الأكبر عدم إيجاد مطمر صحي حتى الآن، إذ من دونه لا يمكن للمعمل أن يعمل.

المشكلة وصلت الى مرحلة لا تحتمل التأجيل بعد، ويعتبر الحل من مسؤولية الجميع ابتداءً من الدولة، مروراً باتحاد بلديات قضاء صور، وصولاً الى المواطنين. وكما جرت العادة، الكل يرمي المسؤولية على الكل، و«ضايعة الطاسة». 

عز الدين
اعتبر رئيس بلدية العباسية علي عز الدين «أن النفايات مشكلة مستعصية تتطلب مُعالجتها تدخل مركزي، لأن المعالجة تفوق قدرة الاتحاد والبلديات»، وقال: «صحيح أن المعمل موجود، لكن تشغيله يتطلب خطوات عديدة، يقف في وجهها كعائق عدم إيجاد مطمر صحي حتى الآن، الجميع يريدون المعالجة، لكنهم يريدون ذلك بعيداً من بلداتهم، والمفارقة أن المكبّ العشوائي مقبول، أما المطمر الصحي فغير مقبول، الاتحاد سعى وما زال يسعى بطريقة جدية، لكن ما من تجاوب من أحد وخصوصاً من المواطنين، إذ ثمة جهل وعدم جدية في التعاطي من قبل الطرفين، أي البلدية والمواطنين. عملياً، عندما يكون الانسان جدياً في التعاطي، عليه أن يبحث في عمق الأمور، وهذا لا يحدث من قبل البلديات، حيث يجب عليها تقديم رؤية عملانية متكاملة وليس فقط إبداء الرأي».
ويضيف عز الدين: «أما العائق الثاني فهو الفرز من المصدر، الذي يحتاج إلى حملة توعية كبيرة ومستمرة، كون هذه الثقافة غير موجودة في مجتمعنا، على الرغم من حاجة هذه الحملة إلى تمويل ربما لا يتوفر لدى الاتحاد الذي بذل جهداً لاتخاذ هذه الخطوة منذ ثلاث سنوات، عندما انتهى بناء المعمل، حتى أن عدم الفرز من المصدر ليس مشكلة بحجم عدم وجود مطمر، لأن المعمل يمكن أن يتولى مهمة الفرز، لكن تكمن المشكلة هنا في زيادة التكلفة المادية بالدرجة الأولى، ومن هنا تظهر أهمية الترشيد في التوفير، وفي المحافظة على البيئة أيضاً، وفقدان هذه الثقافة مسؤولية المجتمع بأسره. نحن كبلدية كيف سنرشد السكان؟ فالموضوع له علاقة بالسلوكيات، لأن الوعي موجود، لكن كيف سيتحول الى سلوكيات؟».
ويتابع عز الدين حديثه قائلاً: «كما أن الروتين الاداري يسبب التأخير أيضاً. ولكن على الرغم من كل العقبات، الأفضل إجراء التجربة والاكتشاف من خلالها مدى جدوى المعمل، فأثناء التجربة يمكن للهبات أن تتدفق، من قبل أكثر من جهة ومنها وزارة التنمية الادارية التي تساهم بكلفة التشغيل، ويبقى ذلك أفضل من الوضع الحالي حيث أننا نرمي نفاياتنا في أكثر من مكان، والناس تعارض وحالياً لا نعرف أين نرمي هذه النفايات، والأكثر من ذلك أن هناك بلديات أخرى تقوم برمي نفاياتها في بلدتنا حتى من دون أخذ إذننا».
إزاء كل ما يحصل، ما من حل حالي برأي رئيس بلدية العباسية سوى بالعودة الى مكب رأس العين لمدة بسيطة تصل إلى خمسة أشهر، من أجل حل المشكلة ، ويقول: «أعرف أنها مهمة صعبة، لكن المسؤولية تتطلب ذلك، أقدّر وضع رئيس بلدية دير قانون رأس العين من ناحية المصداقية مع الناس، لكن يبقى طلبنا في اطار التمني ولمدة موقتة وبسيطة الى حين ايجاد الحل».
أما الحل المستقبلي للمشكلة فيعتبر عز الدين أنه «حتى لو لم يكن هناك أية مشكلة بتشغيل المعمل، فهو في الاساس موجود للتخفيف وليس للحل الكامل، فمن غير المنطقي لا فنياً ولا تقنياً ولا اقتصادياً من أن يُعالج معمل واحد نفايات منطقة بكاملها، لذلك من المفروض بناء معامل صغيرة حيث تستخدم كل مجموعة من البلدات معملاً قريباً منها وبذلك تُحل المشكلة».

سرور
بعد الحديث عن المشاكل والعقبات، ثمة مشكلة أساسية تأتي في المرتبة الأولى، ألا وهي العقلية المؤسساتية الممنهجة على نَفَسٍ قصير الأمد.
«المشكلة تفوق قدرة البلديات»، هذا ما يؤيده رئيس بلدية البازورية علي هاني سرور، الذي وسّع الفكرة، واعتبرها «مشكلة على مستوى العالم استطاعت بعض الدول معالجتها».
ويفترض سرور في حديثه أنه حتى ولو لم يكن هناك أي عائق في تشغيل المعمل، وأنه شُغِّلَ منذ اليوم، فذلك يؤدي إلى جملة اسئلة: «من يؤمّن كلفة الفرز؟ كلفة فرز الطن الواحد من النفايات تساوي حوالى 50 $، وإذا أخذنا بلدة البازورية مثلاً، وهي التي تنتج يومياً أكثر من 10 أطنان، يعني أن كلفة اليوم الواحد تفوق 500 $، ما يعني كلفة الشهر الواحد تفوق 15000 $، وهذه كلفة عالية جداً، حتى اذا تم قياسها سنوياً، واذا أضفناها إلى ثوابت نفقات البلدية الكبيرة جداً، واذا قارناها مع المبلغ المخصص للصندوق البلدي المستقل سنوياً (200.000 $) وبالطبع ذلك يعود الى حجم البلدية» من هنا تُعتبر كلفة الطن الواحد تفوق قدرات البلديات والاتحاد (بعد شوي الدولة بدا تلاقي الحل)، حتى أن التكلفة ستُصيب بعض الوزارات بطريقة مباشرة وغير مباشرة كوزارتي البيئة والصحة، الأولى ضررها مباشر وواضح، أما الثانية فضررها غير مباشر وناتج عن الأولى، حيث تتكلف الوزارة بمعالجة المرضى المتضررين».
ويضيف سرور: «تُحل هذه المشكلة ويُزاح هذا العبء عن البلديات، اذا تمّ اقتراح قانون في مجلس النواب ينص على دفع الأعباء التي تترتب على الفرز».
ويؤكد سرور «عدم امكانية حل مشكلة منطقة صور بكاملها في معمل واحد، للسبب نفسه (اقتصادي وبيئي)، فمن المفترض أن تتجزأ المعامل حسب جغرافية المناطق في حد أدنى إلى أربعة معامل».
وفي ما خص المطمر والتخوف من تواجده من قِبل الاهالي بسبب عدم درايتهم وعدم ثقتهم، يقول سرور: «كل شيء جديد هناك تخوف من التعاطي معه، لا أمانع ان يكون المطمر في البازورية، شرط أن يتطابق مع المواصفات الصحية والبيئية».
ويعتبر سرور أن التوعية مشروع على مستوى الدولة، «اذ أن ثمة دور للاعلام والتخطيط والتوجيه، وأهمية الفرز من المصدر تكمن في التوفير عموماً، وعلينا كبلدية خصوصاً من ناحية اذا تم الفرز في المعمل لا يمكن استخدام سيارات الكبس الموجودة لدينا، إنما علينا استخدام سيارات النقل العادية، وعلينا شراؤها لأننا لا نملك الا واحدة منها».
كما يعتبر سرور ان «هذه المشكلة عصرية وحالة طارئة، وأرى تقصيراً في التعامل معها من قبل بعض البلديات، وأكثر من ذلك، ثمة جهل في التعاطي مع الوضع ككل».

بسما
المشكلة المادية التي تحدّث عنها رئيس بلدية البازورية بعد تشغيل المعمل لن تُعاني منها بلدية عين بعال، انما العكس صحيح، لأن الأرض التي بُني عليها المعمل هي ملك بلدية عين بعال، هذا ما قاله رئيس بلديتها حاتم بسما، وأضاف: «نحن أجّرنا الأرض لاتحاد بلديات قضاء صور، بمبلغ يساوي 20 مليون ليرة لبنانية في السنة الواحدة ولمدة 25 سنةً قابلة للتجديد».
ويعود بسما الى وقت طرح فكرة تقديم قطعة الأرض، «حيث كان المواطنون خائفين، وقد تعرضنا لضغوط كثيرة، لكن طالما أنه مشروع بيئي ويُقدّم خدمات من دون أي ضرر، قبلنا به على الرغم من تمنّع أكثر من بلدية، فنحن تجرأنا وأعطيناهم الثقة، وسنراقب لنرى ما اذا كانت ثقتنا في مكانها الصحيح، وعند تشغيله اذا رأينا أي خلل بيئي سنعترض كبلدية قبل الاهالي».
وبما أن العائق الأساسي لعدم تشغيل المعمل هو في عدم وجود مطمر، أو بشكل أدق عدم قبول أية بلدية بوجوده ضمن عقاراتها، يقول بسما: «مثلما نحن تشجعنا وتجرأنا ببناء المعمل عندنا، فليتشجع ويتجرأ أحدهم بأن يكون المطمر عنده. لكني سمعت من الاتحاد أنهم وجدوا مكاناً موقتاً للمطمر، بين قانا وصديقين ورشكنانيه ودرعامس، لكن القرار باعتماد قطعة الأرض هذه غير مؤكد، لأن الأهالي يرفضون، واذا بقي الوضع والرفض على حالهما، فمن الممكن تأمين مطمر خارج المنطقة لحل هذه الاشكالية».
انها مشكلة لا يمكن لبلدية ان تحلّها، في وقت تعجز دول بحد ذاتها عن تقديم حلول ناجعة، لكن هذا لا يعني أنها لا تتحمل جزءاً من مسؤولية يشترك الاهالي فيها والاتحاد والدولة، فالمُقصّر والرافض لوجود المطمر، وعدم سؤال الدولة ومطالبتها، أمور تُحمّل المسؤولية للجميع.
وفي ظل العوائق الحالية والتردد في فتح المعمل وبدء تشغيله، وفي حين أن
البلديات ترمي نفاياتها بشكل منتشر وموقت بانتظار الحل، وبعد أن كان الضرر مجمعاً في مكب واحد (مكب رأس العين)، أصبح الضرر منتشراً في أكثر من مكان، لذلك يرى بسما وبشكل موقت، «الى حين ايجاد الحل، أن ثمة أفضلية للضرر المجمّع في مكان واحد، على الضرر المنتشر».

عطية
ويبدو أن العائق الأبرز هو المطمر، «الذي اذا وُجد يلقى معارضة حرصاً على السلامة العامة» على حد تعبير رئيس بلدية قانا محمد عطية الذي قال: «ان تخوف البلديات نابع من عدم الرقابة الفعالة من قبل الجهات المختصة في حال وُجد المطمر في بلداتهم، وبحسب ثقافة الناس ان المطمر سيحوي مواد مُضرّة، وهم حريصون على الجهة التي ستراقب، لأن المواطن هو الجزء الأساسي من هذه المشاريع، فهو المتضرر الوحيد، والبلدية لا تملك سلطة الأمر الواقع لتفرض على الناس، لا بل اكثر من ذلك، ليس لديها ما يكفي من الحجّة لإعطاء ضمانات لهم، لانعدام الثقة بالرقابة في هذا البلد، ونحن كبلدية مطلوب منّا الحفاظ على السلامة العامة (اقنعونا كي نقنع المواطنين)».
ويتابع عطية حديثه إلى: فنحن مسؤولون عن إيجاد حل يتلاءم مع البلديات، ولا نريد زرع مشكلة ننتظر فيما بعد الدولة كي تحلّها، كما يحصل عادة، نتيجة غيابها عن أمور كثيرة، كرست حالات أدت الى مشاكل ما نزال نعاني منها».
وفي ما يتعلق بالمطمر المقترح في بلدة رشكنانيه، مكان وجود مصدر مياه قانا، لدى عطية «بعض التوجس من المكان المُقترح ومن امكانية أن يكون هذا المكان ملائماً ليكون مطمراً يتلاءم مع الشروط الصحية، خصوصاً وأن المطمر سيكون بشكل عمودي. هذا شأن بلدية وأهالي رشكنانيه، هم يقبلون وهم يرفضون، وهم أهل ليأخذوا قرارات مناسبة، ولا يمكن لأحد مصادرة قرارهم، وعلى الرغم من ملاحظاتي، اذا وافقت بلدية رشكنانيه على وجود المطمر، عندها سأوافق أنا».
ويتحدث عطية عن طرحه الذي قدمه منذ ستة أشهر لحل المشكلة قائلاً: «أفضل حل أن نتقاسم المشكلة، وبما أنّ وجود المطمر في اي مكان مدة طويلة لا يُطمئن للاسباب التي ذكرت، كان طرحي أن تحمل كل بلدية المطمر مدة ثلاث سنوات (المداورة) واذا قُسّم بهذه الطريقة تكون الرقابة فعّالة، لأنها ستكون ضمن ولاية الاتحاد والبلديات المسؤولة عنه (مع شرط يُعطيها الحق بالرفض في حال الخلل في السلامة العامة) بينما اذا كانت المدة طويلة فستفقد الرقابة فعاليتها، وفي حال حصول أي خلل لن تتحمل مسؤوليته البلدية الجديدة، لأنها بكل بساطة ستعتبر نفسها غير مسؤولة عن قرار اتخذته البلدية السابقة، واذا تم الاتفاق على هذه الصيغة أنا مستعد أن تكون بلديتنا هي المبادرة».
اقتراح لم يُرد عليه بعد، يعود السبب بحسب قول عطية إلى عدم التعامل الجدي مع موضوع المطمر من قبل مصادر القرار في الاتحاد.
هاشم
قصة المطمر في رشكنانيه شرحها رئيس بلديتها رائف هاشم الذي قال: «عندما طُرِحَ الموضوع عليّ، رفضته أنا والاعضاء لأن الفكرة لم تكن واضحة، لكن عندما تم شرحها من قِبل الاتحاد وخبراء، اقتنعت أنه لا يضر بالصحة والبيئة، وطلبت منهم اعادة الشرح للاعضاء وأهالي البلدة ليقنعوهم، لأن الشرح اذا جاء من قِبل خبير مختص ويملك خبرة يُقنع أكثر. لم يستجب الاتحاد لهذا الطلب، وبشكل أدق الى الآن لم يتحدد موعد للقاء».
لذلك يعتبر أنه «لا يمكنه المضي فيه الا بعد شرحه للاعضاء وللناس واقناعهم، لأن الناس تقول عن المطمر انه مرض ويُلوّث التربة، ولا يمكنها أن تعرف العكس الا بعد الشرح الذي يؤكد عدم الضرر بالصحة والبيئة، وفي حال اي خلل يحق للبلدية إقفاله من دون الرجوع إلى أحد». وحالياً لا يعرف هاشم ما اذا كان المطمر في بلدته ما زال مطروحاً.

دبوق
معاناة القرى والبلدات في كفة، ومعاناة مدينة صور في كفة أخرى، هذا ما أظهره رئيس بلدية صور حسن دبوق في حديثه بقوله: «أين نضع النفايات؟ ففي مدينة صور لا مساحات واسعة لوضعها، كما تقوم القرى والبلدات بشكل موقت، وخلال خمسة أيام نجمع 700 طناً من النفايات في أرض المدينة، اذ فاضت المستوعبات وتراكمت النفايات على الأرض، مدينة صور لا تملك أي امتداد عقاري، اذ أن هناك محمية طبيعية وعقارات تابعة لوزارة الدفاع، فلا يوجد امكانية للعلاج الموقت، حتى لا يوجد مشاعات (كان في شوي عمّروا فيهن)».
ويضيف دبوق: «حتى أن النفايات يحرقها الناس في المستوعبات وفي أرضها، ما يُسبب خطراً بيئياً، وخسائر، اذ أن المستوعبات تضرَّرت عدا عن أعمدة الهاتف الخشبية، وكابل الكهرباء الذي احترق، خطر أحاط بنا من كل اتجاه، وفي كل الحالات ما يُصيبنا لا يمكن تسميته سوى نكبة، اذ ان هذه المشكلة أكبر من البلدية».
وفي سياق الحل الموقت يقول دبوق: «على أساس أن قراراً اتخذ ويقضي بأنه يمكننا رمي نفايات مدينة صور في مكب رأس العين بمفردنا بشكل موقت (هذا ما فهمناه)، وبعد أن رمينا أكثر من مرة، قالوا لنا هذا ليس اتفاقنا، الاتفاق هو عندما يشتغل المعمل يمكنكم وضع العوادم عندنا (أي مكب رأس العين) الى حين ايجاد المطمر».
وفي ظل هذه الأزمة يعتبر دبوق أنه «اذا أعيد فتح مكب رأس العين لسنة واحدة زيادة عن الخمس عشرة سنة، لن يؤثر كثيراً، لأن الزيادة ستكون 5 % (شو هني الخمسة بالمية)، شرحنا لهم وجهة نظرنا ولم يتجاوبوا معنا.
لكن اذا التزموا برمي العوادم عندهم (اي في مكب رأس العين) الى حين ايجاد مطمرعندما نبدأ بتشغيل المعمل، تُحل مشكلتنا على الرغم من كل ما قيل عن المعمل، وعن حجم استيعابه، لأن الأولوية لنا في استخدامه وليس لدينا خيار أو حل آخر».
ويؤكد دبوق أن «المعمل وبإضافة معدات عليه، تصل معالجته الى 200 طن يومياً ليس كما يُشاع، وبالطبع هناك جدية في العمل على ايجاد مطمر وسنعمل على معالجة مكب رأس العين».

الحسيني
بعد سماع رأي بعض رؤساء البلديات، كان لا بدّ من لقاء رئيس اتحاد بلديات قضاء صور عبد المحسن الحسيني، لإيضاح ما حصل، ولمعرفة مصير الازمة، فبدأ الحسيني حديثه بانتقاد السياسيين قائلاً: «عندما تبعد القصة عن مسؤولي بلدنا تصبح بسيطة، لأن الطاقم السياسي في البلد لا يُسهّل شيئاً».
وعن مسؤولية الاتحاد قال: «أنشأنا معملاً وقدمناه، ومنذ ثلاث سنوات ونحن نبحث عن مطمر ولم نجد مكاناً في 65 بلدة، ماذا نفعل؟ اذ ان كل شخص يرى الموضوع من زاويته الخاصة، وليس من زاوية المصلحة العامة، فلا أحد يُحمّلنا مسؤولية لأن كل مواطن مسؤول وكل سياسي مسؤول أيضاً».
وعن التخوف والهواجس من المطمر قال الحسيني: «يوجد خبراء ودراسات صحية، بيئية وهندسية واضحة، تؤكد أن المطمر لا يُشكل أي ضرر وخطر، وعرضنا ذلك أمامهم، لكنهم يتعاملون بعِناد، وأنا لا أفرض على أحد، ولا أملك قوة دولة لأفرض على هذا وذاك».
وعن رشكنانيه ردّ الحسيني بالقول: «إن تأجيل الشرح لأهالي البلدة والأعضاء جاء بطلب من الرئيس وليس من قِبلنا».
وعن طرح رئيس بلدية قانا قال:«الطرح غير جدّي، واذا أراد أن يكون المطمر عنده لمدة ثلاث سنوات فإن النفايات الموجودة عنده (بدها مطمر لحالا) كونه من الاساس يرمي في بلدته وليس في مكب رأس العين». وأضاف: «إن الرقابة لا تفقد فعاليتها اذا كانت مدة المطمر طويلة، حتى لو تغيرت البلدية، لأن كل مؤسسة ملزمة بالتي سبقتها. وفيما يتعلق بالمطمر برشكنانيه الذي قال عنه عطية أنه عمودي، وأؤكد أن هذه الفكرة لم تكن واردة، وإنما المطمر سيكون أفقياً وتحت الأرض».
وعلى عكس ما قاله رؤوساء البلديات، أكد الحسيني ان المعمل يكفي كل منطقة صور ولديه امكانية للتوسع أكثر والمال متوفر.
وفي ما خص تكلفة الطن الواحد على البلديات، قال الحسيني: «قيمتها حوالي (20$+TVA). وآخر خطوة كانت أن المتعهد استلم المعمل لكن لم يعطه الاتحاد أمراً بمباشرة العمل، لأن المطمر لم يؤمن بعد، وحتى بلدية دير قانون رأس العين لم تقبل بوضع العوادم في المكب. وبعد كل ماحصل سأعقد اجتماعاً للاتحاد، وأضع البلديات في صورة خطواتنا، وسأضع خيارات أمامهم إما نلغي التلزيم، وإما نجول على السياسيين، وإما أعتكف (ما عندي خيار آخر)».
ويصف رئيس الاتحاد الحال بـ«أننا ذاهبون إلى كارثة بيئية، وعلى رؤساء البلديات ان يتخذوا موقفا واحداً، وأن يتعاونوا في كل الاتجاهات والمواقع».

النائب خريس
وللسياسيين، بما أنهم يمثلون الشعب، وواجبهم يحتم عليهم أن يكونوا إلى جانب الشعب ويعالجون حاجاته. وبما أنه نائب عن المنطقة، كان لا بدّ من معرفة دوره في حل هذه المشكلة، فاعتبر النائب علي خريس الذي أن «مشكلة النفايات كبيرة وصعبة ومزمنة، وبعد ان اصبح مكب رأس العين يشكل خطراً كبيراً على البيئة والانسان والمياه، كان لا بدّ من مشروع المعمل الذي تم بناؤه وتلزيمه، لكن ما أعاق البدء بتشغيله عدم وجود مطمر، وهذا العائق هو نتيجة فهم الناس الخاطىء له، فلا أحد يقبل أن يكون المطمر في بلدته أو في محاذاتها، مع العلم أن هذا المطمر حضاري، وموجود في العديد من عواصم العالم، ولا يُشكل اي خطر على البيئة والصحة، خصوصاً اذا تم ضمن المواصفات المطلوبة، وعندما يكون هناك جدية في التطبيق نصل الى نتيجة».
وعاد خريس ليؤكد ما قاله رؤوساء البلديات وعكس ما قاله رئيس الاتحاد، أنه «فوجىء وصُدم بعد تلزيم المعمل كونه لا يشمل كل قرى الاتحاد، فهو يقتصر على مدينة صور والمخيمات، وبعض القرى المحيطة، وبعد ذلك عُقد أكثر من اجتماع لحل هذا الموضوع، وهذه مسؤوليتنا جميعاً (اتحاد، بلديات، ومسؤولون) لكن هذا لا يمنع أن نحل جزءاً من المشكلة، فذلك افضل من ان نقف ونتفرج».
أما عن الحل المستقبلي فيقول خريس: «هناك فكرة تم العمل عليها خلال أكثر من اجتماع ولقاء، تتمثل بتقسيم الاتحاد الى محاور، كل محور يتكون من مجموعة من القرى يصل عدهها الى 12 بلدة، ويكون لكل محور معمل خاص، وفي ما خصّ التمويل، يتم من خلال جزء من الاتحاد، جزء من صندوق البلدية، وجزء نجمعه من بعض المؤسسات الدولية، البنك الدولي، الاتحاد الأوروبي، وقد بدأت الاتصالات بالمعنيين»».
وأضاف خريس: «في الوقت الحالي، وبعد أن تم اقفال المكب وهذا من حقهم، حلّت بعض القرى مشكلتها بشكل موقت الا مدينة صور، التي كبرت فيها المشكلة كثيراً، جرّاء ذلك تم الطلب بإعادة فتح المكب لمدينة صور فقط لحوالى خمسة أشهر، الى حين يبدأ تشغيل المعمل، وهذا الاجراء لن يوّلد أزمة لأنها موجودة في الاساس».
ويؤكد خريس أن «هذا هو دورنا وهذه مسؤوليتنا في حل هذه المشكلة التي هي كارثة على صعيد لبنان، من خلال المعالجات والاجتماعات والاتصالات، وهناك جدية في متابعة وملاحقة الموضوع لأنه أصبح يؤذي كل شيء، البيئة، المجتمع والانسان، والمفروض أن تكون هناك حلول قريبة».

فشل الدولة
على ما يبدو أنه معمل لن يعمل، هذا ما يمكن استخلاصه مما قيل من وجود صعوبات وتناقضات ومما لم يُقل، فإذا كان الكلام الظاهر يوحي بذلك، فكيف ستكون الأمور في الخفايا؟ وعلى ما يبدو هذا قدر اللبنانيين، قبل ان يخرجوا من أزمة يدخلون في أخرى، وفي كل مرة تُثبت الدولة بكل تفرعاتها فشلها الدائم في المعالجة.
 

السابق
قباني دعا القضاة الى عدم الدلع في شأن المتورطين في مخالفات البناء
التالي
البيرق عن مصادر: معوقات تاليف الحكومة داخلية صرف