معالجة سياسية لمشكلات سياسية

كلمّا تأخرت المعالجة السياسية للأزمة في سوريا اتسعت أعمال العنف وخرجت عن إمكانات السيطرة. هناك تصور قاصر لحالات الاحتجاج وتبسيط شديد لطبيعة القوى والأهداف. مجرّد التركيز على البعد المؤامراتي الخارجي، رغم وجوده الأكيد، يغري البعض من أهل السلطة للبحث عن مخارج قوامها الردع في الداخل والرهان على تفاهمات إقليمية ودولية.
حجم العنف المسلح المتبادل يؤكد استعدادات جدّية لاستنزاف سوريا وعلى نجاح الاختراق الأمني لهذا النظام الحديدي، إذا كانت المجموعات السلفية هي في مقدمة الحراك فمن الخطأ تحويل البيئة الشعبية من حولها إلى خصم سياسي.
حتى الآن لم تنجح الإجراءات المعتمدة على الفصل بين هاتين الظاهرتين، الإسلام السياسي الشعبي والمجموعات الصدامية التكفيرية الجاهزة للتعامل مع الخارج .
تأخير الإصلاح أوقع الضرر الأساسي، وتأخير المعالجة السياسية سيفاقم هذا الضرر إلى حدود لا يمكن توقّعها.
لم تعكس الحكومة الجديدة الرغبة والإرادة في الانفتاح السياسي على مجتمع متعدد التيارات والأهواء والأفكار.
لم تعترف السلطة بوجود قوى نمت خارج النظام وسلطة الدولة ولديها شعور بالقطيعة أو بعدم التواصل والحوار.
قد تكون معظم هذه الفئات أو القوى غير متفقة مع توجهات النظام فالمصلحة الوطنية تقتضي محاولة استيعابها وإغلاق جميع المنافذ التي تحول المعارضة السياسية إلى فتنة أو تدفع بها إلى موقع عدائي.
اختلطت فعلاً مطالب الإصلاح بأجواء التصادم، واندلع العنف وأعمال التخريب حتى كادت تضيع الحدود بين الأمرين.
كل تفكير بأن النظام يملك المزيد من القدرة على الردع، وهو يملك بالتأكيد، يضعف شرعيته ويستدرجه إلى موقع الابتزاز في الداخل والخارج.
هناك قرار تاريخي بالمعنى الفعلي للكلمة بأن يغيّر النظام قواعد التعامل مع مجتمع متغيّر في عالم متغيّر.
كل حريص على سوريا مجتمعاً وكياناً ودولة ودوراً يقلقه التفكير أن لا وسائل سياسية فاعلة تحافظ على الوحدة الوطنية وعلى الأمن والاستقرار وعلى الخيارات السياسية الإقليمية في آن واحد.
لا يخدم سوريا دولة وشعباً إلا تجديد بنيتها السياسية وتفعيل إرادة شعبها بجميع مكوناته في مواجهة التحديات.
هذا العقد الوطني الذي لا شك بمتانته وهذا الإخلاص الوطني لسوريا ولوحدتها وتقدمها ودورها القومي هو الذي يحضر من خلال هجوم سياسي معاكس في المدى الوطني والإقليمي لا من خلال إجراءات أمنية فقط تجر الخسائر على الدولة والمجتمع.
نعرف ما يريده الغرب وكيف يتعامل مع قضايا الشعوب ولا نريده مرجعاً لأحوالنا ولمصيرنا، ولا لخياراتنا وأنظمتنا، لكننا لا نستطيع إحباط هذه الأهداف وتعطيل تلك الوسائل الخادعة إلاّ بتطوير دولنا وتعزيز حرية وقدرة مجتمعنا بوصفنا شعوباً لا بوصفنا رعايا لحاكم أو نظام، فلا تختزل هويتنا سلطة ولا حزب ولا عقيدة ولا جماعة ولا وصاية.
يبدو القمع أسهل الطرق للتعامل مع عنف الجماعات المسلحة وقد يكون حاجة لإعادة الأمن والاستقرار بعد هذه الاختراقات التي طاولت عدة مدن واستهدفت عدّة مؤسسات بالتخريب.
لكن ثمة حاجة للفصل بين ظاهرات العنف المتطرف وأهدافه وبين جمهور يشعر بالقلق والخوف من إعادة السيطرة الأمنية على حساب الإصلاح.
لعلها معادلة صعبة …. غير أن المأمول هو إيجاد نقطة التوازن الوطنية بين الأمن وبين تحديد الثقة بالدولة والحاجة لها كمرجع وحيد.

السابق
الفلسطينيون في سورية: قلب على فلسطين وقلب على سورية
التالي
عرس الغالي ابن الغالية