هل تتّجه الأوضاع نحو إشعال جبهة الحرب مع الكيان الصهيوني؟

تتابع الأوساط الإسلامية اللبنانية باهتمام وقلق التطورات الجارية في سوريا، حيث تختلف التقديرات في هذه الأوساط حول المنحى الذي ستؤول إليه وكيفية تعاطي النظام السوري مع ازدياد حدّة التحركات الشعبية. ففيما ترى بعض هذه الأوساط ان النظام قادر على استيعاب التحركات، سواء عبر «القبضة الأمنية والعسكرية المتشدّدة» أو من خلال الاستمرار في «نهج الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية»، ترى أوساط أخرى «أن الأوضاع في سوريا تتجه نحو خط تصاعدي من التوتر والأحداث الأمنية، وان النظام لن يكون قادراً على وقف مسيرة التحركات الشعبية أو مواجهة التطورات الأمنية، وان كل الخيارات مفتوحة سواء عبر الاتجاه نحو حرب أهلية وتقسيم سوريا أو حصول أوضاع غير مستقرة وصراع مستمر بين النظام وقوى المعارضة كما يحصل في ليبيا واليمن والبحرين».

وبموازاة هذه الأجواء بدأت بعض المصادر الإسلامية المطلعة الحديث «عن احتمال التصعيد على صعيد جبهة المواجهة مع الكيان الصهيوني لبنانياً وفلسطينياً، لما يؤدي الى «قلب الطاولة» وجعل الصراع مع العدوّ الصهيوني هو الأولوية، بدل ان تتحول الأزمات في المنطقة الى صراعات مذهبية أو قومية». وتلفت هذه المصادر «الى ان التوتر المستمر على الصعيد الفلسطيني وكذلك حصول بعض الخروقات الاسرائيلية على الجبهة الجنوبية ونشر المصادر الاسرائيلية معلومات مفصلة عن قيادات حزب الله في الجنوب وخرائط بمراكزه ومستودعات السلاح، ما قد يكون مؤشراً للاستعداد لاحتمال حصول تصعيد جديد في الجنوب».

فكيف تقرأ الأوساط الإسلامية التطورات في سوريا؟ وما مدى امكانية الاتجاه نحو خيار الحرب في المرحلة المقبلة؟

حول التطورات في سوريا

لم يعد خافياً ان ما يجري في سوريا قد أدى إلى انتشار حالة من القلق والإرباك لدى العديد من الأوساط الإسلامية اللبنانية، وخصوصاً حزب الله وحلفاءه، ومع أن قيادات الحزب لا تزال تؤكد اطمئنانها وثقتها بقدرة النظام السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد على استيعاب التحركات الشعبية والأحداث الأمنية، فإن هذا الاطمئنان العلني لا يخفي وجود بعض المخاوف والقلق في أوساط الحزب، حيث بدأت تطرح بعض الآراء حول الاحتمالات المتوقعة لما يجري في سوريا وكيفية التعاطي مع هذه الأحداث وانعكاساتها على الوضع اللبناني وقوى المقاومة.

ومن خلال بعض النقاشات والحوارات مع بعض المصادر المطلعة في الحزب والأوساط القريبة منه، هناك عدّة وجهات نظر، منها:

الأولى: وهي تعتبر ان النظام السوري قادر على مواجهة التطورات المتسارعة سواء من خلال الاصلاحات السياسية والاجتماعية، أو عبر المواجهة الأمنية والعسكرية، وان القيادة السورية ستعمل للجمع بين الأسلوبين السياسي والأمني لمواجهة الأحداث واستيعاب الضغوط الخارجية والداخلية، وانه كما نجح النظام السوري في مواجهة الضغوط التي تعرض لها في السنوات الماضية سيكون قادراً على مواجهتها اليوم.

والثانية: تعتبر أن الأوضاع في سوريا ستستمر بالتصاعد إن عبر التحركات الشعبية (تظاهرات واعتصامات) أو عبر الأحداث الأمنية (استهداف المخافر والضباط والجنود السوريين)، مع احتمال تصعيد المواجهات في المرحلة المقبلة، وان قدرة النظام على مواجهة هذه التحديات ليست سهلة وان الضغوط عليه ستتواصل إما بهدف تغيير سياسته أو لإحداث تغيير داخل النظام.

الثالثة: ترى ان الأمور في سوريا ستزداد صعوبة وان هناك عدّة سيناريوات محتملة كما يحصل في اليمن وليبيا والبحرين، وان أحد الخيارات ستدفع الوضع نحو حرب أهلية والتقسيم أو فقدان السيطرة على الوضع الشعبي والعسكري والأمني ودخول البلاد في حالة فوضى، ما سيترك انعكاسات خطيرة على كل الأوضاع في لبنان والمنطقة.

خيار الحرب مع الكيان الصهيوني

في مواجهة ما يجري في سوريا والمنطقة واحتمال ازدياد حدّة المواجهة على أكثر من جبهة ودفع الأوضاع نحو صراعات مذهبية أو قومية، بدأت بعض الأوساط الإسلامية بالحديث عن احتمال اتجاه الأوضاع نحو حصول حرب كبرى في المنطقة مع الكيان الصهيوني، وان هذه الحرب قد تنطلق إما من خلال الجبهة الفلسطينية أو اللبنانية، مع عدم استبعاد حصول بعض التوترات على جبهة الجولان، وتعتبر هذه الأوساط «أن اعادة اعطاء الأولوية للصراع مع العدوّ الصهيوني قد تؤدّي إلى قلب الطاولة على الجميع وتغيير اتجاه الأحداث».

وتلفت هذه الأوساط الى التصعيد الذي يحصل على الجبهة الفلسطينية خلال الأسابيع الماضية وازدياد عدد العمليات التي تستهدف المستوطنين الصهاينة، والى قيام الجيش الاسرائيلي بتسريب خريطة لكل المراكز والمستودعات العسكرية التي يستخدمها حزب الله في الجنوب، ومن ثم نشر معلومات بأسماء مسؤولي الأجهزة الأمنية للحزب وعناوين منازل قيادات وكوادر الحزب في الجنوب، في ما يشبه رسائل تهديد استباقية الى الحزب وقيادته.

ويضاف إلى ذلك استمرار المحاولات الاسرائيلية لخرق السياج الحدودي في بعض المناطق الجنوبية وكأنه محاولة لاستدراج الحزب والمقاومة الإسلامية للرد أو لمعرفة ردود الفعل على هذه الخروقات.

وفي مقابل هذه الأجواء التصعيدية أو التي تشير الى احتمال حصول حرب مع الكيان الصهيوني، ترى مصادر إسلامية أخرى «ان خيار التصعيد ضد الكيان الصهيوني لن يؤدي الى تغيير اتجاه الأوضاع والتغيرات في المنطقة العربية عامة وفي سوريا على الأخص، وان أي حرب ستحصل ستكون نتائجها كارثية سواء في لبنان أو فلسطين أو سوريا، كما ان ايران غير قادرة على المشاركة في أية مواجهة مقبلة نظراً إلى الضغوط والتحديات التي تتعرض لها اقليمياً ودولياً».

وتضيف هذه المصادر «ان الأوضاع في المنطقة العربية تتجه نحو التغيير ولم يعد بالإمكان بقاء الأوضاع على ما كانت عليه طوال العقود الماضية، وان الحديث عن اصلاحات سياسية في سوريا لا ينفع اذا لم يتم ربطه باجراءات حقيقية لجهة اطلاق المعتقلين وتغيير ذهنية النظام بالتعاطي مع الواقع السياسي الذي وصل الى أسوأ مستوياته منذ سنوات طويلة نظراً الى غياب قوى المعارضة الفاعلة».

إذن نحن أمام معطيات متضاربة ومتنوعة ان لجهة تقويم التطورات الجارية على الصعيد العربي عامة وعلى الصعيد السوري خاصة، أو حول احتمال دفع الأوضاع نحو حرب جديدة مع الكيان الصهيوني. لكن ما يمكن تأكيده أن التطورات الحاصلة اليوم أدت وستؤدي الى ادخال لبنان والمنطقة في مرحلة جديدة من الوقائع السياسية والجغرافية والاستراتيجية، وان الجميع يعرف كيف تبدأ الأحداث والتطورات، لكن لا أحد يستطيع ان يحدد نهاية ما يجري والى ما ستؤول اليه هذه التطورات وما هي الانعكاسات المتوقعة لها.

السابق
“صيدا تركض من أجل الحوار”
التالي
بلدية حبوش تتابع قضية تفسخ انابيب النفط وتسرب موادها