“خطة” لإسقاط النظام

تنظَّم تظاهرات أسبوعية في لبنان يدعو أصحابها عبر الـ"الفايسبوك" الى إسقاط النظام الطائفي ورموزه. إلاّ أن هذه التظاهرات لم تستطع بعد مرور أكثر من شهر ونصف شهر على بدايتها، أن تُحدث نقلة نوعية ذات دلالة، لا على مستوى المشاركة ولا على مستوى ردود الفعل. هنا كلمة.

لا أريد إسقاط النظام.
خذوا منّي هذا الموقف بحرفيّته، متحمّلاً المسؤولية المعنوية الكاملة التي تترتّب عليه.سأُتّهَم بالرجعية. بالتخلّف. بالانهزامية. بالهرم. بالتواطؤ مع الطبقة السياسية والأجهزة الحاكمة. بالسير في ركاب الطوائف وأمرائها وجنودها وقطعانها. ستُكال لي الأوصاف الدنيئة تلو الأوصاف، وسيُقال ما سيُقال. لكني عنيد. ولن أحيد عن موقفي هذا. قد أُعيَّر بأني ذاهبٌ الى الحج والناس عائدون منه. وبأني مدعاة للشفقة. وبأني بعتُ كرامتي وشرفي ومهابتي بأثمان بخسة. قد أُوصَم بالجنون أو بقلة الحياء أو بانعدام الذكاء، لأني مقامرٌ فاشل. من أجل ثنيي عن هذا الموقف، قد أُنصَح بأنه لا بدّ من أن يخسّرني كل ما بنيته في حياتي من مكانة محترمة وسمعة طيبة وشجاعة أدبية ومحاربة طواحين، فضلاً عن صدقيتي العلمانية والديموقراطية والثقافية. وهلمّ.
ماذا أيضاً؟ سيعاملني رافعو هذا الشعار، شعار إسقاط النظام، ومَن يجاريهم من رافعي الشعارات البرّاقة والمغوية، ومَن يمثل معهم، وراءهم وأمامهم، مثلما يُعامَل الحيوان الأجرب.
معليش. لكني، عن سابق تصوّر وتصميم، مصرٌّ على موقفي هذا، إصرار الغريق على الموت غرقاً.  فأنا بكل بساطة، أعي هذا كلّه، وأعي غيره من المترتبات، لكني لن أعير هذه المعطيات العقلانية والواقعية أيّ أهمية تُذكَر. فسأمشي عكس التيّار الرائج في بلادي العزيزة. ولن يرفّ لي جفن. ولن أشعر بالإحراج. ولن أحمرّ خجلاً أو أمتعض أو أطأطئ عندما يرشقونني بالبيض أو بالحجار أو بنظرات الازدراء والاحتقار. فلي ملء الثقة بأن موقفي هذا هو الموقف الصحيح، وبأن كل ما عداه قد يكون هراء بهراء.
لن أُفسح لأحد في المجال ليسألني سؤالاً، قبل أن أقدّم توضيحاً بسيطاً قد يُغني عن الأجوبة كلّها: كذبةٌ هي كذبة إسقاط النظام، لأن الشعب وحده هو مَن يستطيع إسقاط النظام. وبما أن الشعب هو نسيج هذا النظام، ولحمه وعظمه، فإنه – موضوعياً – يحميه، ويرفعه على أكتافه، ويضحّي بحياته وكرامته وأولاده في سبيل إبقائه. فهو، أي هذا الشعب (بمعنى الجماهير)، مَن يجب أن يتم إسقاطه. لكن ليس بالقوة. إنما بالمعرفة. على سيرة المعرفة، فأنا أريد إسقاط النظام، وسأقول لكم كيف. هكذا، بكل بساطة، سأُطلق نداء، هو في اعتقادي كلام تعيينيّ موضوعيّ، عارف بواقع الحال، وربما يخلّص من الورطة التاريخية المستمرة. قوام هذا الكلام، المعادلة البسيطة الآتية: نُسقِط الشعب (الجماهير) فيسقط النظام. صدِّقوني. كل ما نرفعه من شعارات في هذا المجال هو، على نصاعته، قبض الريح. لأن الشعارات ليست سوى شعارات، على رغم افتراض حسن النية لدى مطلقيها. بل على رغم حسن النية الأكيدة. فهذا الشعب الذي نعتقد أنه يدعو الى إسقاط النظام ليس شعباً. إنه جماهير – طوائف مسيَّرة تسييراً أعمى. والجماهير – الطوائف لا تستطيع إسقاط نفسها، لأنها هي النظام. الخارجون على الطوائف والعلمانيون والديموقراطيون موجودون، هذا أكيد، لكنهم قلّة، وهناك مَن يسقّطهم، بل من يتقصّد إسقاطهم في فخّ الطوائف. هكذا: لا حلّ جذرياً لنا إلاّ بالرجوع الى أوّل الطريق: كرنتينا عمومية، تربوية وثقافية، نحجر على الجماهير في داخلها، طوال أربعين يوماً، طوال أربعين عاماً، طوال أربعين دهراً، وهلمّ، الى أن تنحلّ الغرائز الطائفية انحلالاً يشبه انحلال الأجسام الترابية، فتنحلّ معها الطوائف، أمراء وجنوداً وقطعاناً، فتحلّ محلّ هذا الغرائز القاتلة ما يريده لأنفسهم الناسُ الأصحّاء (أشدّد على كلمة الأصحّاء) الخارجون من الحجر: الدين للمؤمنين، الإلحاد للملحدين، اللاأدرية للاأدريين، السياسة للسياسيين، السلاح للجنود، المدنية للمدنيين، العلمانية للعلمانيين، الديموقراطية للديموقراطيين، والحرية للأحرار. فآنذاك يصير الشعب شعباً… ويُسقِط هذا النظام.
هذه هي القوة الديناميكية الضاغطة التي قد تُسقِط هذا النظام. وهي تبدأ بالحجر التربوي التثقيفي على العائلات والمدارس والجامعات ومؤسسات التنشئة الأهلية والمدنية والمجتمعية والدينية، وقادة الرأي، والسياسة، والدين، الى أن يخرّج هؤلاء مواطنين مدنيين لا أرقاماً وأعداداً مضافة الى غرائز الجماهير والطوائف. صدِّقوني، لستُ مجنوناً ولا بائع ضمير ولا خسيساً ولا عميلاً ولا مطأطئ كرامة.
هو محض نداء صارخ في الضمير العام، فلا نضيّعنّ صرخة هذا النداء!
 

السابق
مصادر قريبة من حزب الله : لهذه الأسباب لم يشكل مقياتي الحكومة بعد
التالي
لنرحّب بالنقد مدخلاً للمشاركة