لنرحّب بالنقد مدخلاً للمشاركة

الرئيس بشار الاسد كان أكثر دقة في توجيهاته للحكومة السورية الجديدة، وبدا كأنه أكثر استيعاباً للمعاني – أو لمعظم المعاني – التي وردت في تظاهرات الجماهير السورية في الاسابيع الماضية. كانت توجيهاته لاعضاء الحكومة الجديدة وكأنها تصحيح مطلوب لما اعتبره العديد استفزازاً – وإن يكن لم يقصد ذلك – في خطابه أمام مجلس الشعب، بمعنى أن توجيهاته كانت بمثابة دراسة مفصلة لمنهجية الحكم من شأنها تنفيس الاحتقان وارجاع الثقة بين المواطن والسلطة. ولعل أهم ما اشار اليه في نهاية كلمته ان دوره سوف يكون اضافة الى صلاحياته، المساءلة. وبرغم ان المساءلة تندرج طبيعياً في طبيعة مهماته، إلا أن مسؤولية المساءلة والمراقبة عليها أن تكون بشكل أولي من مهام مجلس تشريعي منتخب بشكل شفاف، وليس لمجلس بدا في اجتماعه الاخير، وكأنه "تظاهرة" أخرى بدلاً من كونها مؤهلة لمراقبة السلطة التنفيذية، مما استولد غضباً مشروعاً في قطاعات عديدة من الشعب السوري. وهذا بدوره دفع العديد من الذين تظاهروا في المدن السورية الى بلورة الكرامة كفعل، وبالتالي عدم اكتفائهم بكونه شعاراً. لذا أدرك الرئيس الاسد هذا الواقع فجاء توجيهه للحكومة بالامس إقراراً بأن الكرامة تنطوي في ثناياها على قيم العدالة والحرية والمساواة.
***
تحتفل سوريا اليوم بمرور 65 سنة على جلاء الاحتلال الفرنسي، وهو عيد وطني – وبالتالي يشارك في احيائه كل من يتمنون دوراً لسوريا عرفته الاجيال العربية حاضنة لمفهوم الوحدة، والتي كان دورها ترسيخ ثقافتها وانفتاحها واستقامة أهدافها. سوريا هي التي عبأت جماهيرها لانجاز أول وحدة بينها وبين مصر مما جعل منها خميرة لما يجب أن يكون، إلا أن إدارة هذه الوحدة من خلال أجهزة بيروقراطية ومخابراتية عطلت نسيج الوحدة وأخرجت مفاهيمها الموحدة لمدة لا تزال في صميمها من احتمال عودة قريبة لها. وهكذا عندما تسلّم إدارة سياسات اصلاحية الى أجهزة تسمى "أمنية" ومخابراتية، تنعدم ممارسة نقد الذات والنقد المتبادل ايضاً. ويستتبع ذلك أن التداخل الدافئ بين شعوب الأمة يصبح معرضاً لاخطار التدخل من أجهزة تسمى أمنية واستخبارية قامعة للانفتاح، تتصرف حيال النقد كأنه تمرد، والمعارضة كأنها تقسيم للوحدة الوطنية.
لذا، ما نتوقعه في هذا العيد الوطني لسوريا، عيد الجلاء، أن يكون مدخلاً للتناغم مع ما تنجزه الثورات في عدد من الاقطار العربية، وبالتالي تسترجع دورها المحوري والتاريخي الذي تميز برحابة الانفتاح والتزام الكرامة للوطن – وللمواطن.
والمطلوب اليوم الترحيب بالنقد مدخلاً للمشاركة في مشروع النهضة التي نشاهد تجلياتها، بدءاً بالتحرر من الخوف والتصميم على انجازه بكل ابعاده، واستعادة الكرامة وانسانية مضامينها. هذا هو التحدي وهذا هو المطلوب في عيد الجلاء – العيد الوطني لسوريا.

السابق
“خطة” لإسقاط النظام
التالي
مأزق الأقليات وسط الثورات العربية