الراي: اتهامات سورية لـ”المستقبل” رسالة متعددة الاتجاهات بـ… “البريد الساخن”

طغت اتهامات سورية لـ «تيار المستقبل» بالتورط في احداثها الداخلية ومسارعة حلفائها في بيروت الى تبني تلك الاتهامات، على الملفات اللبنانية البالغة الحساسية وفي مقدمها مأزق تشكيل الحكومة الجديدة وتمادي الشلل في مؤسسات الدولة والخواء الامني المتزايد والتراجع المضطرد في الحال الاقتصادية – المعيشية.
وعملت الدوائر المراقبة في بيروت منذ اللحظة الاولى لبث التلفزيون السوري شريط الاتهامات للنائب من «تيار المستقبل» جمال الجراح بتمويل «خلية ارهابية» وتسليحها، على التدقيق ملياً في رسالة دمشق واهدافها من خلال «ربط نزاع» مع هذا الفريق من اللبنانيين، مع تعاظم الاحتجاجات في سورية وتطورها على نحو مثير.
ورأت تلك الدوائر، في ما يشبه «القراءة الاولية» ان النظام في سورية ربما قرر اصطياد اكثر من عصفور بحجر واحد، ومن بين ذلك:

• تقديم «قرينة» تترجم «خطابه» عن وجود «مؤامرة خارجية» تتعرض لها سورية.
• اطلاق اشارة عن قدرته على نقل معركته الى خارج الحدود، لا سيما الى لبنان.
• تحضير المسرح «الهش» في بيروت لتطورات من شأنها حرف الانظار عما يجري في سورية.
• تسليح القوى الحليفة له في بيروت ب- «اوراق» اضافية في المواجهة مع زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري.
• الايحاء للمجتمع الدولي ولا سيما للولايات المتحدة وفرنسا بان اي ضغط على دمشق سيُرد عليه في بيروت.
• افهام السعودية بان دخولها الى البحرين لجبه الخطر الايراني يعطي سورية الحق بجبه الخطر الذي يهددها من لبنان.
ويكفي استعراض شريط مئات الشاحنات من النقل الخارجي «المحشورة» على نقطة العبور الى سورية عبر احدى النقاط شمال لبنان، لرصد التداعيات السريعة للاتهامات التي اطلقتها دمشق، وقيل انها مجرد «دفعة اولى»على الحساب، في الملف الجديد المتأجج، والمرشح لمزيد من التفاعلات. وثمة من يعتقد في بيروت ان النظام في دمشق سيذهب الى مزيد من التشدد المزدوج في سورية ولبنان، بعدما شكلت «جمعة الاصرار» تطوراً متمادياً في حجم الاحتجاجات ورقعتها، خصوصاً بعدما كان قرر «المزاوجة» بين سياستين في التعاطي مع تلك الاحتجاجات: خطاب اصلاحي من فوق وقبضة امنية صارمة من تحت، لكن مع نتائج بدت معاكسة حتى الان.
واللافت هو انه كلما انفلشت «بقعة زيت» الاحتجاجات في سورية وتدحرجت كرتها اللاهبة ازداد القلق في لبنان على وقع رصد التداعيات المحتملة، والتي افضت حتى الان الى تمادي الفراغ الحكومي الناجم عن «البلبلة» في صفوف حلفاء سورية الذين يمسكون بالاكثرية البرلمانية التي كانت اختارت الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة الجديدة.
وكان ملف الاتهامات المتلفزة للنائب الجراح، تفاعل امس ولليوم الثالث على التوالي، على المستويات السياسية، القضائية، الامنية والاقتصادية. في حين أكمل السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي ما كان بدأه اذ اعتبر أنّ «ما عرضه التلفزيون السوري من اعترافات تضمنت اتهاماً لأحد نواب «المستقبل» بتمويل خلية إرهابية هو إعلان وإخبار يستوجب من القيادات اللبنانية المعنية انطلاقا من اتفاق الطائف والاتفاقات الموقعة بين البلدين واتفاقية الأخوة والتعاون أن تبادر دون طلب جديد».
وقال علي في كلمة له خلال مؤتمر صحافي عقده في مقر السفارة السورية في محلّة الحمراء في الذكرى الخامسة والستين لعيد الجلاء في سورية، رداً على سؤال عن قيام أي جهة لبنانية رسمية بالتواصل معه على هذا الصعيد «انّ هذه الجهات قد تكون اتصلت بجهات نظيرة لها في سورية»، معربا عن ثقته بأنّ «الغالبية العظمى من الشعب اللبناني هم غيّورون على قوة سورية واستقلالها وسيادتها ومنعتها، يدركون أنّ أي أذى يصيب سورية يصيب لبنان بنفس القدر وأحياناً أكثر». واذ أوضح أنه «مع القراءة الواقعية المسؤولية التي يفترض أن يباشرها الجميع»، أمل في «أن يكون لبنان على مستوى التحديات التي تستهدفه كما سورية» ولا سيما ما وصفها ب- «الرؤى القاصرة وغير المكتملة لحجم الصراعات الداخلية اللبنانية أو على مستوى المنطقة»، وداعياً الى «ادراك أن أي انزلاق لمظاهر الفتنة هو إلغاء للوجود ولموقع الجميع».

ووسط هذا «السقف»، بدأت التداعيات «المتدحرجة» لهذا الملف المستجدّ تظهر على العلاقات اللبنانية – السورية من جهة، كما على علاقة «المستقبل» – دمشق وتيار الحريري – «حزب الله» من جهة اخرى، في ضوء البيان الشديد اللهجة الذي أمنت فيه كتلة نواب الحزب «غطاء» لبنانياً للاتهام السوري الذي بدا موجهاً من خلال كلام السفير علي الى ما يمثّله الجراح سياسياً.

واذا كان انتقال دمشق الى «المرحلة ب» بعد بثّ الاعترافات، اي «البناء» السياسي عليها، شكّل بحسب الاوساط السياسية في بيروت مؤشراً الى «الانتكاسة» التي اصابت العلاقة السورية – السعودية منذ انتهاء مبادرة «السين – سين» حيال الوضع في لبنان وما أعقبها من إسقاط حكومة الرئيس الحريري وإقصائه، فان دوائر أخرى ترى ان القيادة السورية ب- «هجومها» على «المستقبل» تحاول توجيه «إنذار مبكّر» الى الرياض من مغبة منحها اي «غطاء» للتحركات التي تجري في اراضيها او إعطاء «اوكسيجين» لتحركات جديدة لجماعات «تمون» عليها من منطلق مذهبي.

اما «حزب الله»، فترى الاوساط انه استفاد من اتهام «المستقبل» في
محاولة «رد التحية» لتيار الحريري الذي كان هاجمه بعنف على خلفية موقف السيد حسن نصر الله الداعم للمعارضة البحرينية، والذي جرّ تداعيات سياسية غير مسبوقة على مستوى علاقة الحزب بالمنامة التي باشرت عملية ترحيل عشرات اللبنانيين من اراضيها. كما انه تلقف هذه «الخرطوشة» وقام بـ «تلقيمها» لبنانياً في إطار استكمال «الكباش» مع الحريري والسعي الى «فرْملة» اندفاعته و«فتحه النار» على الحزب وعلى ايران، ناقلاً «معركة» قوى 14 آذار الى مستوى جديد.

وفيما ردّ نواب من «المستقبل» على «حزب الله» وكرروا نفي اي علاقة للتيار بأحداث سورية مؤكدين «هزالة الاتهام او الادعاء ممن قالوا إنه تم تمويلهم وأرسل السلاح لهم» وواصفين مشهد الاعترافات بانه «غير مقنع» (في رد على قول حزب الله ان نفي «المستقبل» لم يقنع احداً)، لاقى رئيس البرلمان نبيه بري بدوره موقف السفير السوري اذ اعلن مستشاره النائب علي حسن خليل تأييده لما طرحه علي، داعياً الدولة اللبنانية الى ان تضع يدها على الاتهامات السورية، وان تبادر الى استكمالها من خلال تحقيقات، لكنه لفت الى انه على المعنيين السوريين ان يستكملوا هذا الملف وان يرسلوه الى لبنان، مؤكدا ان استقرار سورية قوة ومناعة للبنان.

وعلى المستوى القضائي، بدأت القراءات في «الخطوة التالية» في ضوء اعتبار السفير السوري ان «ما جرى عرضه من اعترافات كاف لتحرك القضاء والجهات اللبنانية المسؤولة بشكل تلقائي». وقد نُُقل عن مصدر قضائي في بيروت ان القضاء اللبناني لا يمكن ان يتحرك الا من خلال ملف، موضحاً انه يجب انتظار الخطوة السورية ليبنى على الشيء مقتضاه، ومؤكداً انه لا يمكن لاي دعوى ان تقام على اعترافات تلفزيونية غير مثبتة بقرائن، اضافة الى ان المتهم المعني بهذه القضية هو اساساً نائب، وبالتالي يجب الانتظار ما سيقوله مجلس النواب في حال وجهت اليه مذكرة قضائية في هذا الموضوع، وعما اذا كان سيوافق على رفع الحصانة النيابية عن النائب المعني لمحاكمته.

وحذر المصدر الذي توقع الا يتجاوب مجلس النواب مع المطلب السوري، من «امكان ان يدخل هذا الامر البلد في ازمة قضائية مع جارته، عدا عن تأزم العلاقة السياسية بينهما».

وفي الشق الأمني، كان بارزاً «الغموض» الذي لفّ «حقيقة» ما تم الكلام عنه من ضبط أجهزة لبنانية اسلحة كانت مهرّبة الى سورية عبر البقاع الشمالي، وهي المعلومات التي اعتُبرت محاولة ل- «إسناد» الاتهام السوري المتلفز ب- «أساس» من المقلب اللبناني. وقد استوقف الاوساط المراقبة مسارعة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي الى نفي أن تكون القوى الأمنية ضبطت أسلحة مهرّبة من لبنان إلى سورية، كما نفى أن يكون قد تناهى إلى سماعه أن جهازاً أمنياً لبنانياً قد ضبط أسلحة مهرّبة، بحسب ما ذكرت «رويترز» التي نقلت عن مصدر عسكري لبناني أن شرطة الحدود اعتقلت عند وادي البقاع الشرقي شخصين احدهما لبناني والآخر سوري كانا يحاولان قيادة سيارتين محملتين بالأسلحة إلى سورية، عبارة عن بنادق كلاشينكوف وأسلحة نصف آلية وبعض القنابل.

يذكر ان تقارير في بيروت اشارت الى أن أشخاصاً من آل ناصر الدين يعملون لمصلحة حرس الحدود السوري قبضوا على أربعة أشخاص كانوا يحاولون إدخال بنادق صيد نوع Pump action إلى سورية بهدف بيعها وقد سلموا ثلاثة منهم للمخابرات اللبنانية وهم محمد وركان عيسى شاهين من بلدة القصر وأحمد محمود العلي مكتوم القيد، كما سلموا مصطفى علي نمر وهو مكتوم القيد أيضاً للمخابرات السورية التي اشارت معلومات الى انها اعتقلت شخصاً آخر كان ينتظر في الجهة المقابلة للحدود.
اما على مستوى التفاعلات الاقتصادية لقضية وضع تيار المستقبل في «قفص الاتهام» السوري، فقد استمرت لليوم الثاني أزمة تراكم الشاحنات التي عادت الى واجهة المعابر الشمالية مع سورية، في ظل تشدد الجانب السوري في إجراءات التفتيش، وهو ما رسم مشهداً غير مسبوق منذ العام 2006.

وفي حين قرأت دوائر سياسية في «تضييق الخناق» السوري على الشاحنات اللبنانية محاولة لـ «تعزيز صدقية» الاتهامات بدور لبناني في إذكاء الاحتجاجات في سورية، ذكرت «الوكالة الوطنية للاعلام» اللبنانية الرسمية امس ان ازمة الشاحنات لا تزال على حالها عند نقطة العبودية – الدبوسية الحدودية الشمالية بفعل التشدد الذي تفرضه السلطات الحدودية السورية والتدقيق في حمولة الشاحنات قبل السماح لها بدخول الاراضي السورية.

وأشارت الى ان عدد الشاحنات التي تعبر يوميا لا يتجاوز 120 شاحنة في حين ان عدد الشاحنات الرابضة عند هذه النقطة يفوق 400 شاحنة محملة بشتى انواع البضائع والتي تنتظر دورها للعبور، لافتة الى ان الاجراءات السورية عند نقاط العبور الشرعية بين لبنان وسورية، إن كان في العريضة او في البقيعة هي نفسها التي عند نقطة الدبوسية – العبودية الا ان عبور هاتين النقطتين يقتصر على السيارات السياحية وبعض حافلات الركاب، ولذلك فان الحركة تبقى دائما تقارب شكلها الاعتيادي، والعابرون لم يشكوا الانتظار طويلا كما هي الحال عند نقطة العبودية

وذكرت تقارير ان «الأمانة السورية» تلجأ الى تفريغ الشاحنات من حمولتها ثم إعادتها، موضحة ان تفتيش كل شاحنة يستغرق نحو ساعة، ما يؤخر مرورها. ولافتة الى ان عمليات التفتيش مستمرة منذ اربعة ايام على معبر العبودية (الدبوسية من الجانب السوري)، المؤدي الى مدينة حمص.
وفي ردّ «رسمي» من «كتلة المستقبل» على السفير السوري و»حزب الله» انتقدت في بيان صدر عن مكتبها الاعلامي «الحملة المتصاعدة والمنسقة والتي تتوخى الزج بتيار المستقبل وبعض نوابه في أمور ملفقة وتخرصات».

وذكر البيان: «إن سعادة سفير الجمهورية العربية السورية في لبنان يعلم تماما ان الدولة السورية والدولة اللبنانية مرتبطتان باتفاق قضائي موقع عليه في دمشق بتاريخ 25 فبراير1951 والاتفاقية الملحقة المعقودة في 23 ابريل 1997 ينظم العلاقة القضائية بين الدولتين تنظيما دقيقا وشاملا.

وعلى هذا، فإذا كان ثمة ما يقال من تورط لبناني في أحداث سورية، فلا بد أن يُنظَّم ملف من وزارة العدل السورية ويُسلم بالطرق المعروفة الى الدولة اللبنانية كي يقوم القضاء اللبناني بمهامه، علما أن القضاء اللبناني يتحرك بعد ورود ملف إليه عن طريق الإنابة القضائية كما نصت على ذلك الاتفاقية، لأن القضاء اللبناني لا يمكن أن يتحرك تلقائيا في حال عدم وجود ملف، ولا يمكن له أن ينغمس في تحقيقات لمجرد وجود تراشق سياسي تغلب عليه المناكفات والافتراءات وتغيب عنه الوثائق».

ولاحظت ان كتلة نواب «حزب الله» أظهرت «لهفة وتسرعا لإدانة تيار سياسي لبناني واسع من غير محاكمة ولا وثائق ولا إثباتات، وهي بذلك لم تشذ عن نهجها المعروف، والقائم على إلصاق التهم وتجاهل المحاكم، بل ومحاربتها، سواء أكانت لبنانية أم دولية».

واذ لفتت الى ان النائب جراح «طلب موعدا رسميا للقاء الرئيس نبيه بري بحكم مسؤوليته عن حصانة وكرامة وسلامة النواب، لإبلاغه بحقيقة الحملة الظالمة التي يتعرض لها، وليطلب منه اتخاذ الإجراءات اللازمة لصون حقوقه الشخصية والأمنية»، اكدت «للبنانيين، وللشعب السوري الشقيق، أن أيا من نوابها، أو أيا من مؤسسات تيار «المستقبل» لم يتدخل ولا يمكن أن يتدخل فيما يجري الآن في القطر الشقيق والعزيز، وهي تؤكد أنها لا تتمنى للاخوة السوريين وللدولة السورية، سوى الأمان والاستقرار والازدهار، علما أن المسؤولين في تيار «المستقبل» لا يملكون الرغبة أو الإرادة أو المصلحة أو القدرة على تحريك أي أحداث أمنية سواء في لبنان أو في سورية».

السابق
سورية… حقيقة الاستهداف الخارجي!
التالي
السياسة: “8 آذار” تضيق الخناق على ميقاتي: إما الانصياع لشروطنا وإما الاعتذار