التسوّق طريق إلى المتعة… والديون

"هواية"، "فشّة خلق"، "هوس"… أسباب متنوعة تزيد من عادة إقبال الشباب على التسوق، إذ تكاد تضيق بهم المراكز التجارية، على رغم كثرتها. للوهلة الأولى قد لا يستغرب بعضهم الأمر، نظرا إلى ضيق مجالات الترفيه في لبنان. إلا أن هذه العادة تنطوي على محاذير كثيرة، وقد حوّلت حياة عدد كبير من الشباب إلى نقمة، من دون أن يشعروا أو يدروا. "يمدّني التسوق براحة نفسية واسترخاء لا يمكن تلمّسهما حتى في ممارسة الرياضة. لذا، لا أوفر أي مركز تجاري أو مهرجان للتسوق". هذا ما عبّرت عنه ليلى (23 عاما)، وهي تلتقط أنفاسها في أثناء تنقلها من متجر إلى آخر. لا تنكر هذه الشابة أنّ رغبتها في التسوّق تفاقمت مع الطفرة التي شهدها لبنان في بناء المراكز التجارية، وتقول: "من قبل، كنت أكتفي بالتوجه إلى بعض الأسواق التجارية، والمحال. لكنّ الأمر تبدّل أخيرا". وتضيف ممازحة: "مين بيضيعني بيعرف وين يلاقيني!"

من جهة أخرى، تجد جويل (27 عاما) صعوبة في تحديد موازنة خاصة بالتسوّق، "يمكن أن أنفق كامل راتبي الشهري من دون تردد، وهذا لا يشكل لي أي إحراج، شرط ألا ألجأ إلى الاستدانة من الآخرين، أو طلب قرض من المصرف". وتضيف: "على سبيل المثال، إذا أعجبتني سترة معينة، قد أشتري منها ما توافر من ألوان. كذلك بالنسبة إلى الحذاء، فالتسوق لذة لا يمكن وضع حد لها".

مخطئ من يظن أنّ عادة التسوّق حكر على العنصر النسائي، فيوضح ميلاد (25 عاما): "لا شك في أن الاهتمامات بين الجنسين قد تختلف، ولكنّ هذا لا يعني ان الرجال لا يجدون في التسوق متعة ومجالا للابتعاد عن ضغط أعمالهم اليومية". ويضيف: "يحتل التسوّق حيزا أساسيا من انشغالاتي، فلا أتردد أيام العطلة في اقتناص الفرصة والسفر إلى الدول العربية، حيث المراكز التجارية أكثر انشراحا من لبنان".

بالنسبة إليه، يعترف جهاد بأن إقباله على التسوّق بدأ يخرج عن إطاره الطبيعي، ولا سيما بعدما تبيّن له أن خطيبته تقاسمه العادة نفسها، فيقول: "منذ أيام المراهقة، أحرص على الاعتناء بمظهري، ومع الوقت، تحول هذا الاهتمام إلى هوس، وما زاد الطين بِلّة أن خطيبتي أيضا تولي التسوق أهمية. لذا، سرعان ما ينفد راتبنا في الأسبوع الأول من الشهر". ويضيف: "ما يزيد إدماننا التسوق ليس المراكز التجارية المنتشرة بكثرة فقط، إنما توافر البطاقات المسبقة الدفع ايضا، ملاذنا الوحيد".

حال مرضية!

في المقابل، يحذّر الاختصاصي بالامراض النفسية الدكتور أسامة دحدوح، من تحوّل عادة التسوق عند الشباب إلى حال مَرَضية: "في الواقع، يحظى التسوق بإقبال واسع في صفوف الشباب، ولكن إذا نظرنا إليه عن كثب، نجد أنه تحوّل لدى كثيرين منهم إلى مشكلة نفسية يصعب عليهم تجاوزها بمفردهم". ويتابع موضحا: "تظهر عوارض التسوق المرضي أو "shopaholic"، حين يتجه المرء نحو التسوق على نحو مفرط، فيشتري أغراضا بكمية كبيرة، من دون ان يكون في حاجة إليها، بحثا عن متعة الشراء والتلذذ بها". ويعتبر دحدوح ان هذه الحالة تبلغ ذروتها حين لا يعود في إمكان المرء السيطرة عليها، حتى بعد تدهور ظروفه المادية.

أمّا عن الدوافع التي تكمن وراء تفشي هذه الظاهرة، فيوضح دحدوح: "لا شك في أن طفرة تشييد المراكز التجارية يشغل حيّزا أساسيا في التأثير في الشباب ودفعهم في اتجاه تبذير أموالهم في التسوق، وكذلك تسهيلات الدفع المتوافرة، منها بطاقات الدفع المسبق". وتطرّق إلى أسباب أخرى شخصية: "حال الفرد النفسية والاجتماعية تؤثر في سلوكه، وهذه الظروف تتفاوت بين شخص وآخر، منها الملل أو الشعور بفراغ أو بنقص ما. من هنا، يعمد كثيرون الى الانشغال بالتسوق وشراء ما لا يلزمهم، لمجرد شفاء غليلهم".

في هذا السياق، لفت دحدوح إلى ان الابتعاد عن المراكز التجارية والأسواق خطوة أوّلية لكي يساعد المرء نفسه على الحد من شهيته على التسوّق، وفي مرحلة لاحقة "قد يلجأ نحو علاجات متخصصة، كزيارة معالج نفسي.

التنزيلات، مهرجانات التسوق وغيرها من الوسائل، تشكل طعما بالنسبة إلى كثير من الشباب، يتحول التسوق في حياتهم حالا من الإدمان يصعب تجاوزها. والمؤسف انها غالبا ما تورّطهم في ديون يعجزون عن تسديدها. إزاء هذه العدوى المتنقلة، يبقى السؤال: هل سيحدّ التسوق الإلكتروني من هذه الحال المرضية أم سيزيد الطين بِلّة؟

السابق
ندوة طبية نسائية في كفررمان
التالي
دراسات عن العنف الجندري: المرأة ضحيّة المجتمع