عون vs ميقاتي: نبش قبور الاتصالات

قد ينفع الترقيع مع سجن روميه وسواه من السجون موقتا، لكنّه لم يعد ينفع مع "السجن الكبير"، أي الترقيع على ما يبدو، بعد أن نشرت منظمة الشفافية العالمية (CPI) دراسة عن نسبة الفساد المستشري داخل البلدان، فاحتل لبنان المرتبة 127 من أصل 178، ورُسم بالأحمر الداكن في خريطة الفساد، ما يعني أنه من بين أكثر البلدان فسادا.

على مدى عشرين سنة الماضية، اي منذ العام 1992، برزت في لبنان ظاهرة التوظيف السياسي للملفات الإدارية والاقتصادية والمالية، وجرى زج بعضها في معارك تحت شعار محاسبة المرتكبين ومحاكمة الفاسدين، فكانت الملفات تستخدم للضغط اكثر مما هي خطوات جريئة لأياد بيض، ووظفت ملفات الفساد إما من خلال قوى سياسية، وإما من خلال أجهزة أمنية رسمية اختبأت وراء وجوه، أو لبست لبوس شخصيات نيابية اتخذت محاربة الفساد عنوانا، وتكاثرت وتناسلت هذه الظاهرة منتصف التسعينيات لتصل إلى أوجها مع بداية عهد الرئيس إميل لحود، وخصوصا بين العامين 1998و2000، في المواجهة المعلنة بين فريقي لحود والرئيس الشهيد رفيق الحريري.

واستمر الوضع على هذه الحال إلى حين عودة العماد ميشال عون من منفاه العام 2005، وخوضه انتخابات نيابية وتشكيله ما عرف لاحقا بتكتل التغيير والإصلاح، الذي جعل مكافحة الفساد أبرز عناوينه الإصلاحية.

صوّرت مقاربة هذا العنوان الإصلاحي على أنه غير تقليدي، فالعماد عون نفي من الحكم وأقصي من بناءات الجمهورية الثانية، وجعلته أعوام النفي الـ15 بعيدا من لوثة السلطة وتلاوين الإفساد التي رافقت الممارسة السياسية بين العامين 1992 و2005. حمل البرنامج البرتقالي عناوين إصلاحية متعددة، لكنها ظلت شعارات بسبب عدم مشاركة عون في السلطة التنفيذية حتى العام 2009، وهو دخوله الاول الى الحكومة عبر عدد من الوزارات، من بينها وزارة الاتصالات، الوزارة الأمنية والاقتصادية بامتياز. وهنا بيت القصيد.

وضع الوزير جبران باسيل يده على عدد من الملفات في هذه الوزارة وأحالها الى القضاء، غير أنه لا يزال يشكو حتى اليوم عدم مواكبة قضائية لعمله. ومن بين هذه الملفات، واحد تقدم به إلى أجهزة الرقابة المالية والقضائية والإدارية، تضمّن مئات الصفحات هي عبارة عن إخبار بوجود هدر في إدارة ملف الخلوي منذ العام 1994، بما يفوق المليار دولار، تطال شركتي الخلوي السابقتين Libancell وCellis التي كان للرئيس نجيب ميقاتي حصة وازنة فيها. كما ان باسيل ورث ملفا آخر كان يهدف الى اعفاء الشركتين المذكورتين من متوجبات ضريبية لمصلحة الدولة على خلفية ربحهما الدعوة التحكيمية في ملف الخلوي. وهو الملف الذي تصدى له وزراء التيار في حكومة السنيورة، ومنعوا تمريره ونجحوا في ارجاء بته، لكنّه بقي نارا تحت رماد، اذ اعيد تحريكه في نهاية العام 2010، لكنّ الحاجة الملحّة إلى تسمية الرئيس ميقاتي مطلع هذا العام، وضعته مجددا في الدرج لئلا يحدث تشويشا على عملية تأليف الحكومة ويعكّر صفو العلاقات بينه وبين عون.

لكنّ اللافت أنه، وقبل يومين، أعيد هذا الملف إلى التداول وفوجئ الجميع بتناول النائب السابق إيلي الفرزلي مجمل ملف الاتصالات في وقت كثر الحديث عن قرب اتفاق حول الحكومة، فتخطى الفرزلي إخبار باسيل الذي تعود مفاعيله الى العام 1994 ونبش الملف من أصله بالرجوع الى العام 1988،عندما أسس الأخوان ميقاتي شركة للاتصالات الدولية لتملأ حاجة اساسية عاناها اللبنانيون آنذاك بفعل تضرر قطاع الاتصالات وندرة الخطوط الهاتفية الدولية عبر شركة "تيلي أوريان" التي عرّفت اللبنانيين يومها إلى ما ظلّ يسمّى أعواما بـ"تلفون ميقاتي". وفي كواليس هذا الملف ان ثمة استخداما لمرافق الاتصالات العائدة للدولة من دون ترخيص او اذن منها، وهو قد يكون المقصود في كلام الفرزلي. والأهم ان هذا الملف قد يتحول جزائيا لكنه يبقى رهن العلاقة المتأزمة بين عون وميقاتي على خلفية تشكيل الحكومة. ومن هذه الزاوية يمكن فهم التنافس المخفي على هوية وزير الاتصالات المقبل، فهل يستخدم هذا التلويح بوجه ميقاتي في حال استمرار التباين في ملف تشكيل الحكومة، فيصبح كغيره من الملفات التي توظف سياسيا ليس إلا؟

السابق
النفط والأمن الإسرائيلي وإيران
التالي
توازن الضعف بين التسوية السياسية والحسم العسكري