الحريري ـ إيران… علاقة تحكمها “القمصان السود”

في تشرين الثاني العام 2010 زار الرئيس سعد الحريري طهران على رأس وفد وزاري متنوع الانتماءات السياسية، بما فيهم وزيران من الكتائب اللبنانية والقوات اللبنانية. شكلت الزيارة آنذاك مفاجأة للخصوم قبل الحلفاء، ولا سيما أنها تزامنت مع الأزمة الحكومية التي كانت تعيشها البلاد جرّاء اعتكاف الفريق المقرّب من ايران عن حضور الجلسات الوزارية.

زيارة الحريري الى طهران التي هدفت الى إرساء العلاقة الجيدة بين الدولتين، وليس بين أطراف، كما رُدّد تكرارا من هناك، سمع في أثنائها الحريري دعما معلنا للمقاومة التي يجسدها حزب الله، فردّ على طريقته معبّرا عن تمسكه بالدولة المرجع الأساس في أي مقاومة للعدوان، مشددا من إيران على الاستقرار في لبنان الذي هو مسؤولية اللبنانيين في الدرجة الأولى.

وفي لقائه مع المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي، سمع الحريري كلاما واضحا عن ارتباط وجود لبنان وأهميته باستمرار المقاومة التي ستبقى حتى زوال الكيان الاسرائيلي بحسب المرشد الأعلى… وشبّه السيد خامنئي أمام الحريري لبنان بالصبية الجميلة التي كانت تدعى "إزميرالدا" Notre Dame، والتي كانت تقاوم الراغبين الكثر بها بـ"شفرة" صغيرة… فطلب الحريري الكلام وأجاب: "لكن، يا سماحة السيد، في بعض الأحيان إذا لم يعرف حامل هذه الشفرة استعمالها، قد تجرحه ولو كانت صغيرة"…

ردّ رئيس حكومة لبنان فاجأ الجانب الإيراني، كما بعض الوفد الوزاري اللبناني…

منذ تشرين الثاني إلى شهر نيسان… إلى موقف الحريري إبّان افتتاح أعمال الدورة السادسة للملتقى السعودي اللبناني في بيروت… مرت الأيام… ليتحول الكلام الذي كان يقال داخل الغرف ووراء الجدران الى كلام علني يطلق من على المنابر وفي الاعلام…

فهل من ارتباط بين سقوط حكومة الرئيس الحريري وتوقيت إطلاق موقفه المتشدد من ايران؟

بغضّ النظر عن الشكل الذي اتخذته العلاقة بين الحريري كرئيس حكومة أو كرئيس تيار سياسي أو كزعيم للفريق الأكثري السابق وطهران، تتحدث أوساطه عن إشكالية كانت دائما قائمة مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، وإن غير ظاهرة، بسبب تحالفها مع جزء من اللبنانيين ومع منظمة عسكرية هي حزب الله، ما أسهم في خلق وضع استثنائي فرض على لبنان تطورات سياسية وميدانية بدءا من تفاهم الدوحة الذي جاء نتيجة غزوة بيروت في السابع من أيار وصولا الى انقلاب "القمصان السود" الذي أدى الى إسقاط حكومة الحريري.

هذه الاشكالية لم تغب يوما عن لقاءات الرئيس سعد الحريري مع المسؤولين الايرانيين، فهو بحسب أوساطه تحدث مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إبّان زيارته لبنان عن أهمية قيام الدولة القوية في لبنان والانتقال بالعلاقة بين البلدين الى مستوى علاقة الدولتين، والموضوع نفسه أثاره في أثناء زيارته الأخيرة طهران وحتى في لقاءاته المتكررة مع السفير الإيراني في لبنان.

اختلفت التعابير لكنّ المضمون بقي نفسه… تحولت اللغة من الديبلوماسية الى اللغة الصريحة والمباشرة… فالرئيس الحريري الذي أصبح خارج الحكم، لم يعد ملزما الكلام المنمق والضبابي، قال إنه تحرّر فبدأ يتصرف على هذا الأساس، وانطلق بالـ"لأ" للسلاح…

الى هذه الأسباب تضيف أوساطه عامل الاستقواء بالخارج لتخويف الداخل وإحداث التغيير قسرا، وهذا ما ظهر واضحا في مرحلة إسقاط الحكومة وفي اثناء الاستشارات النيابية وصولا الى التكليف، إذ عمد حزب الله، انطلاقا من وضعيته الاستثنائية التي هي وليدة ارتباطه بإيران، الى خلق الخلل الدستوري والاستمرار به.

الى ذلك كله انضم كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، والذي أدّى الى ما أدىّ اليه من انعكاسات سلبية على مصالح اللبنانيين في الخليج العربي. وموقف حزب الله الذي هو جزء من الحكومة اللبنانية وصاحب السلطة الاستثنائية والامتداد الواسع في المنطقة، تأثيره ليس بالطبع كأي موقف لأي حزب عادي في لبنان.

لهذه الأسباب مجتمعة، قال الرئيس الحريري: "نحن في لبنان لا نرضى أن نكون محمية ايرانية…"

السابق
بركات: ارسلان لن يرضى إلا بوزارة أساسية وإلا فسيصدر موقفاً حازماً في الوقت المناسب
التالي
البلدية والقوى السياسية: لمعالجة أزمة نفايات صيدا