مصـر: ترويض “الاخوان المسلـمـين”

بعد نحو شهرين من إلهام الاحتجاجات في الشارع ثورة ديموقراطية، اقترحت الحكومة الانتقالية المدعومة من الجيش قانوناً يحظر التظاهرات. وأحد الأسباب هو أن الجميع يتظاهرون، حتى الشرطة. يريد عناصر الشرطة مزيداً من المال، لأنّهم باتوا ينتزعون رشاوى أقل الآن نظراً إلى تراجع سلطتهم.
وإذ أصبحت الشرطة خارج الخدمة، يلجأ الجيش إلى البلطجية لترهيب منتقديه. وعندما يغضب فعلاً، يعتقل الناشطين من أجل الديموقراطية ويمارس التعذيب بحقّهم. كما كتبت في مقالي السابق، لقد حاول حتّى إذلال الناشطات عبر إخضاعهنّ لـ"فحوص عذرية" إلزامية.

وقد ضُمَّت جماعة "الإخوان المسلمين" التي كانت محظورة في السابق إلى هيكلية السلطة. بدلاً من التنديد بالنظام، تتحوّل جزءاً منه – ويمارس بعض ناشطيها العنف أمام جامعة القاهرة.
لكن بالنسبة إلى الأميركيين، على الأرجح أن ما يحصل هو فوضى مطمئنة. تخوّف الغرب في شكل أساسي من سقوط مصر في أصولية إسلامية على الطريقة الإيرانية – ويبدو لي ذلك انعكاساً للعفاريت التي تقضّ مضجعنا نحن أكثر منه للعفاريت المصرية. بالفعل، يتزايد الاحتمال بأنّ مصر لن تتغيّر بقدر ما توقّع كثر. فضلاً عن ذلك، على الأرجح أن أكبر الخاسرين في الثورة سيتمثّلون في المجموعات الإسلامية المتطرّفة والعنيفة التي تفقد الزخم عندما ينضم "الإخوان المسلمون" الأكثر اعتدالاً إلى المنظومة.

يقول الأستاذ خالد فهمي من الجامعة الأميركية في القاهرة "تُبذَل جهود حثيثة لتجميد الثورة". إنه أمر مخيِّب للناشطين من أجل الديموقراطية أمثاله، لكنه مطمئن لمن يخشون الاضطرابات.
بالاستناد إلى رحلتي الثالثة إلى القاهرة منذ بدء الاحتجاجات، إليكم رأيي حول المسار الذي تسلكه الأحداث:
– مصر ما بعد الثورة ستشبه إلى حد كبير مصر ما قبلها، لكنها ستكون أقل قمعاً بقليل وذات مجتمع مدني أكثر نفوذاً. سوف يستمرّ الجيش في إدارة الأمور، كما فعل منذ عام 1952 من خلال ضبّاط سابقين مثل حسني مبارك، وسوف يؤمّن استمرار الوضع على ما هو عليه.

– سوف يستمرّ الناس في التعرّض للتعذيب، لكنهم سيشتكون منه أكثر. سيظلّ السلام قائماً مع إسرائيل، لكن المسؤولين المصريين سيتحدّثون بلهجة أقوى عن المعاناة في غزة. 
– الرهان الأفضل لتسلّم الرئاسة هو عمرو موسى. إنه وزير خارجية أسبق تولّى قيادة الجامعة العربية: سياسي متمرّس وبراغماتي من شأنه أن يضخّ نفحة هواء منعشة إنما ليس عصفة قويّة.
– سيؤدّي الإسلاميون دوراً أكبر في المجتمع والحكومة، كما يفعلون في تركيا. لكن هذا سيعني أيضاً أنهم يحاولون البناء بدلاً من التفجير.
لا شك في أن المجموعات الإسلامية أكثر نشاطاً من السابق. قال لي محمد علوية، أستاذ النقد الأدبي في جامعة القاهرة، إن طالباً ينتمي إلى "الإخوان المسلمين" اقتحم أخيراً مكتب عميد وشهر مسدّساً وهدّد بإطلاق النار عليه إذا لم يُقدِّم استقالته على الفور (في النهاية تراجع الطالب). وأضاف علوية أنه يخشى الآن الطلاب الذين ينتمون إلى "الإخوان المسلمين".
أما الإسلاميون الصاعدون فهم السلفيون الذين يعتبرون أن "الإخوان المسلمين" معتدلون أكثر من اللازم. هاجمت مجموعة من السلفيين في الآونة الأخيرة مسيحياً قبطياً على خلفية اتّهامه بالقيام بنشاط جنسي غير مشروع وقطعت أذنه.
ينهار النظام والأمن إلى حد ما. عندما كان المصريون يحتفلون بيوم المرأة العالمي في 8 آذار، ضايقتهم عصابات من الرجال. وعندما حاول محمد البرادعي الحائز على جائزة نوبل للسلام والمرشّح للرئاسة، الإدلاء بصوته في الاستفتاء الأخير، تعرّض لهجوم.

وعندما يصل مراسلون أجانب لتغطية أخبار قد تُظهر مصر بصورة سيّئة، تطاردهم عصابات غاضبة أحياناً. لحسن الحظ، تبيّن حتى الآن أن المراسلين المذعورين أسرع في الركض من المصريين الذين يكرهون الأجانب.
لكن يجب أن نكون واقعيين: فالطرق التي تقود إلى الديموقراطية حافلة بالمطبّات دائماً – وبصراحة، أشعر بالرضى حول ما يجري في مصر، فقد جرى ترويض "الإخوان المسلمين" عبر ضمّهم إلى النظام. تقول الجماعة إنها لن ترشّح أحداً للرئاسة، وستكتفي بالتنافس على أكثر بقليل من ثلث المقاعد البرلمانية. وتشير على موقعها الإلكتروني إلى أن هدفها هو "دولة مدنية" وليس "دولة دينية"، وتشدّد على أهمّية احترام الأقلّية المسيحية.
لعل الخاسر الأكبر من صعود "الإخوان المسلمين" هو عدوّها، تنظيم "القاعدة" الذي لم يشارك في التظاهرات من أجل الديموقراطية ولطالما اعتبر أن السبيل الوحيد للتغيير هو العنف.
باختصار، تذكّرني مصر اليوم ببلدان أخرى خلال مراحل انتقالها إلى الديموقراطية – إسبانيا بعد فرانكو، وكوريا الجنوبية عام 1987، ورومانيا أو أوكرانيا في التسعينات، وأندونيسيا في شكل خاص بعد إطاحة ديكتاتورها عام 1998. ظلّ الوضع في أندونيسيا متقلقلاً لبعض الوقت – رأيت ذات مرة عصابات في جاوه تقطع رؤوس الناس – لكنّه استقرّ، وانحسر التهديد الأصولي، وأصبحت أندونيسيا ديموقراطية مستقرّة (ولو غير منجَزة).
إذاً، أجل، مصر في حالة فوضى. هذه حال الديموقراطية الناشئة على الدوام تقريباً. فلنتعوّد على ذلك.
(ترجمة نسرين ناضر- النهار) 

السابق
مجــــــد لبـــــــــنان
التالي
خيار شيعة العرب