خيار شيعة العرب

تشن دول الخليج العربي ما يبدو أنه هجوم مضاد ومنسق على إيران وشركائها وحلفائها العرب، بعد انكفاء خليجي تام أمام هجمات ايرانية متلاحقة، كادت تعتبر العراق منصة أو على الأقل نموذجاً يمكن تعميمه على كل بلد عربي يعيش فيه شيعة، وصارت تصنف طهران مركزاً لمشروع امبراطوري فارسي يتخطى شواطئ البحر المتوسط، ويصل في بعض الأحيان الى سواحل المحيط الاطلسي.
الهجوم في ذروته حالياً. وتستخدم فيه جميع انواع الاسلحة المتاحة، عدا طبعاً الأسلحة العسكرية والامنية، التي لا يمكن استبعاد اللجوء اليها في المستقبل المنظور عندما تزداد ضراوة الهجمات المتبادلة ويشعر أحد طرفيها أنه فقد القدرة على حماية دفاعاته التقليدية، وبات معرضاً لاختراقات جدية لأمنه واستقراره، أخطر من الاختراق الذي كانت تمثله انتفاضة شيعة البحرين الأخيرة.. التي دفعت كما يبدو ثمن تلك المواجهة الخليجية الإيرانية، وانتهت الى هزيمة سياسية كبرى للمعارضة الشيعية البحرينية، والأهم من ذلك الى اول نكسة سياسية لإيران او بالتحديد لسياستها العربية منذ مطلع العقد الماضي.

كان المشروع الفارسي وهمياً، ليس له أي سند على ارض الواقع الايراني المضطرب بفعل أسوأ انقسام داخلي وأدنى أداء اقتصادي منذ الثورة الاسلامية قبل 32 سنة، لكن القيادة الايرانية الحالية ساهمت في تضخيم الوهم وفي تحويله الى تهديد، بناء على معطيات غير علمية حول المشروع النووي الايراني، وعلى قراءات غير واقعية لانتقال الغالبية الشيعية في العراق للمرة الأولى في التاريخ من المعارضة الى الحكم. وهي قراءات تتعرّض هذه الأيام لتحديات أمنية متجددة توحي بأن الجبهة العراقية فتحت على مصراعيها بين دول الخليج وبين إيران.

وليس من المبالغة أبداً القول إن لبنان هو إحدى هذه الجبهات التي شهدت في الآونة الاخيرة انقلاباً نفذه حلفاء ايران على الشرعية الانتخابية والدستورية، اذا جاز التعبير، ما أطلق أجراس الإنذار في مختلف الدول العربية، التي رأت ان طهران اخلت بموازين القوى اللبنانية، واستعدت لحملة مضادة لن تكون نتيجتها على شيعة لبنان اقل مما تعرّض له شيعة البحرين.. الذين انتهى بهم الأمر الى مناشدة ايران عدم التدخل في شؤونهم الداخلية. وهو ما يبدو مرجحاً ايضاً في الحالة الكويتية التي تسجل ايضاً هجوماً مركزاً على الاختراق الايراني.

ما يجري في سوريا، هو في جانبه الأساسي محصلة طبيعية للأزمة الداخلية العميقة التي يواجهها النظام المنتمي الى حقبة أواسط القرن الماضي، لكنه أيضاً نتاج ذلك الخلل في سياسته الخارجية التي احتفظت لإيران بموقع الشريك الاستراتيجي، ما دفع المتظاهرين السوريين الى توجيه هتافاتهم الأولى ضدها مباشرة، ومعها حزب الله.. بحيث بات من السهل الافتراض أن الجبهة السورية انضمّت الى الجبهات الأخرى في المواجهة مع طهران، او هي على الأقل وجهت إشارة لا يمكن لدول الخليج الا ان تلتقطها، وتتعامل معها باعتبارها فرصة إضافية للحدّ من النفوذ الإيراني في العالم العربي كله.
ما زال بإمكان الشيعة العرب في أي بلد أن يعلنوا فك ارتباطهم مع ايران، لكنه ما زال من الصعب على طهران أن تعترف بأنها تخسر حالياً مناطق نفوذها العربية الواحدة تلو الأخرى.

السابق
مصـر: ترويض “الاخوان المسلـمـين”
التالي
الشرق الاوسط: حزب الله يستشعر حربا إسرائيلية قريبة..