الحكومة تنتظر معالجة “إشعاعات فوكوشيما”؟!

لم يَعد ينقص اللبنانيين إلاّ انتظار انتهاء ازمات العالم كلها حتى تكون لهم حكومة… كل ذلك بفضل السياسيين الذين يحلو لهم ربط مصير لبنان بآخر أزمة في آخر مصر من أمصار الدنيا، حتى يُقدموا، او يتقدموا، في اتجاه حل الازمة الداخلية.
في البداية دُعي اللبنانيون الى انتظار ولادة الحكومة حتى تبلور المشهد المصري الجديد، بعدما سبقه المشهد التونسي، فانتصرت “ثورة النيل” وبقي لبنان بلا حكومة… ثم تفجرت الثورة الليبية التي لم تنتهِ فصولا بعد، ولم تولد الحكومة… واستعرَت حركة الاحتجاج في البحرين ودخلت قوات “درع الجزيرة” اليها، ولم تولد الحكومة… ثم وقعت الاضطرابات في درعا وبعض المحافظات السورية وتمكن الرئيس السوري بشار الاسد من استيعابها امنيا وسياسيا وإصلاحيا، ولم تولد حكومة لبنان بعد… وربما على اللبنانيين ان ينتظروا معالجة أزمة تسرّب الاشعاعات من مفاعل فوكوشيما الياباني، “لأن هذه الاشعاعات قد تصل الى لبنان”!!! وقد يبقى بعدها الحبل على الجرار.
وعندما يقال ان المعنيين بتأليف الحكومة ينتظرون تبلور المشهد العربي الجديد وطبيعة المواقف الدولية منه، حتى يتفقوا على التشكيلة الوزارية العتيدة، يأتي مَن يقول إن تجدد التواصل السوري – السعودي بدأ يفرض أجندة سورية ـ سعودية جديدة في لبنان، ومعطيات من شأنها ان تنسف كل ما نُسج تحضيرا لتأليف الحكومة، وتعيد طرح تأليف حكومة وحدة وطنية تشارك فيها قوى 14 آذار التي كانت اعلنت، بعد اسبوعين على تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، انها لن تشارك في “حكومة حزب الله”، وفق تعبيرها.
في هذا السياق، يجزم مرجع كبير بأن ما يعوق الولادة الحكومية هو الخلافات القائمة بين المعنيين على الاحجام والحقائب، ويؤكد ان كلا من سوريا والمملكة العربية السعودية وقطر تريد بقوة ان تؤلف الحكومة في معزل عن انشغالات قادتها بالقضايا الداخلية والعربية الطارئة. وفيما يقول البعض ان الرياض “لم تعطِ دمشق وميقاتي الضوء الاخضر في شأن التأليف”، فإن الثابت هو ان قطر ابلغتهما تأييدها في هذا الصدد، وان الجانب السعودي نصح لرئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري زيارة أميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قبل يومين، للوقوف على ما لديه من معطيات في هذا الصدد. لكنّ مقرّبين من الحريري يؤكدون ان هذه الزيارة تستهدف “تعزيز الروابط والعلاقات” بينه وبين القيادة القطرية، ويَردّون التأخير في ولادة الحكومة الى “خلافات مستحكمة” بين أطراف فريق 8 آذار، مشيرين الى وجود “قلق خليجي جدي” على الوضع اللبناني.
غير ان احد المطلعين، يرى ان زيارة الحريري لقطر، تتخطى تعزيز العلاقة مع القيادة القطرية، الى البحث معها في اعادة النظر في موقفها من التطورات اللبنانية، ولكنه ربما لم يفلح في ذلك، لأن القطريين اعطوا كلمتهم لدمشق وميقاتي، وليس من السهولة بمكان ان يتراجعوا عنها. ويعتقد هذا السياسي أن ولادة الحكومة لا تتوقف على إعادة توزير الوزيرين زياد بارود وجبران باسيل وغيرهما في اي وزارة، وأن مصير البلد لا يمكن ربطه برغبات بعض السياسيين ونزواتهم، وبالتالي لا يمكن المعنيين بالتأليف التفلت من الاعتبار الاقليمي في أي خطوة يتخذونها او تتخذ في المجال الحكومي وبالوضع العام. ويقول ان المهم هو ما يحصل في البحث السوري ـ السعودي الجديد، وهل ان لبنان موجود في صلبه ام لا. فإذا كان موجودا، فإن كل ما يجري الآن من مشاورات ولقاءات حول الوضع الحكومي هو بمثابة تقطيع للوقت. واذا كانت دمشق تنصح بتأليف الحكومة وتؤكد انها لا تتدخل فيه، فلربما تبحث في مستقبل الوضع اللبناني في مكان آخر، لأن هذا الوضع يتصل بصلب الداخل السوري، خصوصا بعد استيعاب الاضطرابات السورية الاخيرة عسكريا وامنيا، وبدأ استيعابها اصلاحيا. وحتى الآن لا نتائج نهائية فعلية للقاءات والمفاوضات بين ميقاتي والاكثرية الجديدة، فاجتماع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مع رئيس “جبهة النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط ليل أمس الأول أريدَ مِنه ترطيب اجواء التأليف، فكان اجتماع الامس بين ميقاتي و”خليلَي” حركة امل وحزب الله، والوزيرين غازي العريضي وجبران باسيل، وتعددت الروايات والتسريبات حول ما دار خلاله، لتتقاطع عند التأكيد أنه اعاد فتح الابواب للبحث في تذليل العقبات التي تؤخر الولادة الحكومية. والواقع ان هذا اللقاء بدد اجواء سلبية كانت قائمة، بالارتكاز الى نتائج لقاء نصر الله – جنبلاط، وتخللته مقاربة جديدة لموضوع تمثيل “المعارضة السنية” في الحكومة، ولكنه لم يحل عقدة حقيبة وزارة الداخلية التي يتمسك بها رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون. وفي المطلق فإن هذا الاجتماع اعاد فتح الباب لتبادل المقترحات.
وقد روّج قريبون من ميقاتي انه أعدّ تشكيلة وزارية ثلاثينية، وكان يهم بزيارة رئيس الجمهورية ميشال سليمان ليصدرا مراسيمها، وان المجتمعين تمنوا عليه التريّث في ذلك، فرد عليهم إيجابا لكنه طلب منهم تقديم ما لديهم من مقترحات. لكن احد المجتمعين اكد ان لدى ميقاتي كثيرا من التشكيلات، وانه لن يذهب الى حد اعلان اي منها من دون الاتفاق مع الاكثرية التي سمّته لتأليف الحكومة، فهل يمكنه ان يطرح أسماء لأي فريق، من دون تشاور وتوافق مسبق عليها؟. الواضح ان ميقاتي ما زال مُحرجا في تمثيل المعارضة السنية بفيصل عمر كرامي، إزاء حليفه وعضو كتلته النيابية احمد كرامي، ولكن عقدة حقيبة وزارة الداخلية، تبقى عقدة العقد الداخلية العَصيّة التي تؤخر ولادة الحكومة.

السابق
أميركا تستقيل أو لا تستقيل من العالم ؟
التالي
مصدر أمني لـ”الأنباء”: تم تحديد هويات خاطفي الإستونيين السبعة