معجزة سورية

عاصفة التغيير تهب على سوريا. تسببت حتى الآن بخسائر بشرية وسياسية ومادية جسيمة، لم يعد بالامكان تعويضها الا بحل جذري ليس له أفق لدى الشعب وليس له وجود لدى النظام. الصلات مقطوعة بين الجانبين. الحوار يدور في الشارع وحده، بالرصاص الحي من جهة، وبالشعار العفوي من جهة اخرى. الوقت ضيق وهو لا يخدم سوى أحدهما. ومساحة الاهتمام تقتصر على كل اللبنانيين، وبعض العرب وبعض الايرانيين والاتراك. والبقية تراقب من بعيد حدثاً كان حتمياً، لكن مفاجأته الوحيدة انه سبق موعده المرتقب بثلاثة اشهر، وهو يسابق الآن الحدث الليبي الاكثر أهمية والحدث اليمني الاشد خطورة.

كان واضحا ان الهوة عميقة بين النظام المغلق على سلوكيات وشعارات موروثة منذ نصف قرن، وشعب تواق الى الانخراط في مسيرة القرن. لكن، لم يكن ظاهرا للعيان كل هذا التوتر المتبادل، والمتصاعد يومياً. ولم يكن ثابتا ان ما كان النظام يعتبره نقطة قوته الاساسية، أي السياسة الخارجية المفرطة في الطموح، هي نقطة ضعفه الرئيسية، ومشكلته الاضافية التي تتراكم مع مشكلات الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية.

المفارقة المذهلة هي ان النظام نفسه بادر الى الاعتراف بمعضلة جوهرية اخرى تواجهه، لكن الجميع كان ولا يزال يتفاداها ويعمل على إخراجها من جدول أعماله، هي المعضلة الطائفية التي تضاعف من خطورة الحدث السوري، وتجعله فريدا لا تنطبق عليه أي من المعايير التونسية والمصرية والليبية واليمنية، وتجعله أقرب ما يكون الى الحدث البحريني.. مع فارق مهم وحاسم هو ان النظام السوري لن يجد على الارجح أنصارا أو حلفاء في الخارج يمكن ان يهبوا لنجدته على غرار ما حصل في البحرين. والصمت المدوّي الذي يسود طهران حاليا ويعبر عن شعور بالصدمة، والهمس الخافت الذي يتردد في أنقرة، ويتسرب بين الحين والآخر على اللسان الطليق لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، لا يوحي بأن دمشق يمكن ان تعتمد على أهم وآخر حليفين لها. أما ما يقال في واشنطن وباريس والرياض والقاهرة فهو لا يخرج عن سياق تلك الحتمية التاريخية التي أرساها سقوط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وان كان البعض في هذه العواصم يلح على الرئيس بشار الاسد لكي يتحرك بسرعة متناهية ولا يرتكب الاخطاء الفادحة التي يرتكبها الجيل القديم من الحكام العرب.

المشكلة كانت وستبقى داخلية، برغم التخريف الرسمي عن تورط جهات خارجية، فلسطينية تارة أو أردنية تارة اخرى، أو إسرائيلية دائما (وربما لبنانية في وقت لاحق). عناوين المشكلة بسيطة جدا، لكن حلولها معقدة جدا. النظام يعيش في عالم افتراضي لا حاجة فيه الى الاصلاح والتغيير، والشعب يعيش في عالم خيالي لا أثر فيه لمعارضة جدية ولا حتى لجيل الفايسبوك والانترنت، الذي يصنع المعجزة. العثور على قواسم مشتركة بينهما يزداد صعوبة يوما بعد يوم، ويفسح المجال للتكهن بأن الجانبين لا يملكان من خيار سوى المواجهة التي تؤدي في نهاية المطاف الى انكسار أحدهما.

السابق
نتنياهو وتحويل السلطة الفلسطينية إلى رهينة مرة أخرى
التالي
الخليج والتحدي اليمني… والتحديات الداخلية