مغارة النفاخية..ودلائل جديدة

يُشكّل الجنوب عموماً ومنطقة جبل عامل خصوصاً، إرثاً ثقافياً وحضارياً مهمّاً جداً، إذا ما أُخد بعين الإعتبار الأماكن الأثرية المكتشفة وغير المكتشفة حتى الآن.
ومن ضمن هذه المكتشفات البكر، تلك المغارة الطبيعية التي جرى إكتشافها والواقعة في وادي جبلي إلى الشرق من مدينة صور في بلدة النفاخية، التي تتبع عقارياً بلدة صريفا، حيث عثر في داخلها على "نوازل" وصواعق طبيعية أثارت الإنتباه، ما استدعى تدخل سلطات الدولة اللبنانية، التي وضعت يدها على المغارة ليتم لاحقاً العمل بها من قبل إدارة المغاور في وزارة السياحة، من أجل البدء بأعمال التنقيب بداخلها، بعدما تفقد المكان النائب العام الإستئنافي في الجنوب القاضي سميح الحاج،
الذي أمر بتعيين حارسٍ قضائي على المغارة، خشيةً من أي أعمال تعبث بما تحتويه.
تفاوتت المعلومات بشأن مغارة النفاخية، فمنها يُشير إلى أنها تضاهي مغارة جعيتا، وربما أفضل منها، بينما هناك من يُشير إلى أنها تشبه المغارة جعيتا نوعاً، ولكن ليست بحجمها.

من ناحيته، مدير الآثار في الجنوب المهندس الأثري علي بدوي، أشار إلى أن تلك المنطقة تحتوي على أماكن أثرية مهمة، وغير مكتشفة حتى الآن، إنما الظاهر في مدينة صور أنه عندما تم العمل في الأربعينيات من القرن الماضي، تبيّن أن بعض المواقع هي عبارة عن قلاع، لأنها مستعملة، ولا تزال المساحات الأثرية التي يتم إكتشافها في مناطق الجنوب، تظهر وجود مناطق ذات مخزون أثري عالٍ جداً، في محيط المدن وعلى الشواطئ، وأيضاً في المناطق الجبلية والتلال.
وقال: إن "مغارة النفاخية، وعندما تم الكشف عليها، تبين أن هناك آلياتٍ لها كما هي موقع لمغاور طبيعية غير أثرية، لأنه لم يعثر في داخلها على أي نشاط إنساني تاريخي، يجعلها موقعاً أثرياً قد تم الكشف عليها في المرحلة الأولى لتقيّيم وضعها، وذلك بالتعاون مع دائرة المغاور في دائرة السياحة التي ستهتم بهذا الموضوع"، مضيفاً "في المرحلة الأولى، تبيّن أن هناك فجوة طبيعية للمغارة، يُمكن أن تكون ملاصقة لمغارة ثانية أصغر حجماً من الأولى، وبطول لا يتجاوز مئة متر، وتضمن مشاهد جميلة من الصواعق والنوازل، موجودةً في داخلها، وهي لا تزال في طور التشكيل، لأنها لا تزال حية".
وأوضح بدوي "أن هناك مغاور نعتبرها ميتة جيولوجياً بسبب إنقطاع المياه عنها، إلا أن مغارة النفاخية لا تزال حيطانها ترشح، كما أن في داخلها ردميات كبيرة، نتجت بسبب إكتشافها سابقاً".
واستطرد قائلاً: إن المرحلة المقبلة بالعمل، تبدأ بمحاولة تبيان تنظيف الأتربة، ومحاولة تبيان إذا ما كان هناك فتوحات أو لا، واعتماد آليات معينة، وبعدها يتم وضع التقرير النهائي حول هذه المغارة.
أما بشأن الكسارة الموجودة في المنطقة والعائدة لصاحب الأرض، حيث تم إكتشاف المغارة، فأشار إلى أن القانون يلزم الإبتعاد عن المغارة، وبعد الانتهاء من العمل يتم تقرير ماهية العمل هناك.
وقال: إن الكسارة مقفلة سابقاً، وما يجري لاحقاً يتعلق بتطبيق القانون الخاص بالكسارات، ومدى تأثيرها على المواقع الطبيعية، نحن بانتظار صدور التوصيات النهائية للحفاظ على المغارة وتطويرها، إذا ما كانت كبيرة، وإن كانت مجدية لاستثمارها إقتصادياً، وان هذا النوع من العمل قد يستغرق وقتاً طويلاً.
وختم بدوي: إن موضع إكتشاف المغارة قد أُحيل إلى "دائرة المغاور" في "وزارة السياحية" التي ستهتم بالموضوع بالتعاون مع فرق استكشاف المغارة المختصة، وبناءً عليه، تصدر تقريرها وتوصياتها، إذا ما كانت المغارة ليست للإستثمار السياحي، أو يمكن أن تكون للبحث العلمي، حيث يتم إغلاقها وإبقاؤها للإستثمار ولو بأحجام صغيرة.

من جهته، أوضح الباحث في الحضارات البيولوجية والجيولوجية والإثنولوجية موسى ياسين أن القلاع الموجودة في جنوب لبنان هي قلاع تعود إلى العهد الكنعاني، وأكثر بناء هذا القلاع هم أبناء النبي يعقوب (ع) وإبن أخيه عيص، مشيراً إلى أن إسم النفاخية، يعود لكونها تقع في آخر جبال تومات نيحا، وهو مذنب للسلسلة الغربية، ولأنها أرض منتفخة بُنيت عليها منازل البلدة وهي مدينة العهد.
واستطرد بالقول: ربما تأخر اكتشاف المعلم التاريخي الذي لا مثيل له في العالم، وهو المغارة الجديدة التي أُكتشفت قبل عدة أيام، ولقد تم اكتشاف المغارة في العام 2008، من خلال المعالم المتواجدة في المنطقة، عندما حاصرت الهزات الأرضية التي لم تكن كذلك، إنما هي "رُباتٌ" حيث منطقة جبل عامل، التي تعتبر أكثر المناطق تعرضاً لهذه "الرُبات"، أي الرابية التي تحفظ الأرض من الكوارث الطبيعية، مثل الهزات والزلازل والبراكين، لأن الهزات تأتي شمالاً ويميناً، وإذا كانت كذلك لانحصرت الكوارث في المنطقة، لكنها "رُبات" تحفظ الأرض ولا تؤثر بها إلا في مكان معين، فعندما حصلت هذه "الرُبات" نزلت بعض الحيطان في النفاخية بشكل أفقي.
واعتبر أن مغارة النفاخية ذات معالم جيولوجيا عظيمة، إذا نقبّنا في داخلها لوجدنا نهراً من الماء، في ناحيتها الشمالية يوجد نهر من الكبريت، وهذا ما تشير إليه الرائحة الكريهة المنبعثة، ومن الممكن أن يكون في داخلها حيوانات متحجرة، كما أنها أطول من مغارة جعيتا لأنها تصل إلى تحت المنازل في بلدة النفاخية، كما في داخلها يوجد أشياء عظيمة جداً، وربما غير موجودة في مغارة جعيتا.
وأمل من جميع المسؤولين ومن "وزارة السياحة" الإهتمام بهذه المغارة لما لها من تاريخ أثري وسياحي وحضاري، وبحاجة إلى سوّاح لأن لدينا أماكن سياحية وأثرية في الجنوب.

ودعا إلى الإسراع ببدأ عملية التنقيب داخل مغارة النفاخية، مناشداً الرئيس نبيه بري بعدما أخذ الخطوة العظيمة وأمر بإغلاق المغارة، لأنه يُحافظ على أثار وتاريخ لبنان، ولا يفرق بين جنوب وشمال، ويحب كل حبة تراب من لبنان، وذلك إلى حين وصول المؤسسات أو الشبكات العالمية للبدء بعملية التنقيب.
ويعتمد ياسين في بحوثه استناداً إلى القرآن الكريم والتوراة والإنجيل وجميع الكتب السماوية، توقع أن تُفتح فجوة بين بلدتي صريفا وشحور، يخرج منها البترول، دون أي عملية تنقيب، وذلك خلال ست سنوات، وإذا جاؤوا بشركات أم لم يأتوا ستفتح هذه الفجوة.
أما رئيس بلدية صريفا محمد ذيب نزال، أوضح أن المغارة تقع في المنطقة التابعة عقارياً لبلدة صريفا، وقد علمنا بهذه المغارة قبل عدة أيام، من خلال الإعلان عنها في بعض وسائل الإعلام، وهي تقع في ملك آل عساف.
وقال: رأينا المغارة وما تتمتع به من مناظر طبيعية جميلة جداً، ونأمل من الدولة إتخاذ كافة الإجراءات والبدء بعملية التنقيب وإظهار ما إذا كانت معلماً سياحياً من الممكن أن يعود بالنفع على جميع بلدات المنطقة، والأمر يتوقف أيضاً من الإنتهاء من عملية الإكتشاف والبحث، خصوصاً أن الكسارة ذات ترخيص متوقف منذ مدة طويلة عن العمل، وهناك أكثر من 20 عائلة يعتاشون من العمل فيها.
واستطرد بالقول: هناك البعض للأسف بات يشكك وكأن أصحاب الكسارة مرتكبون جريمة أثرية، لهذا يجب إظهار الأمور المناسبة.
وأبدى قلقه في الأيادي التي يُمكن أن تعبث من محتويات هذه المغارة، علماً أن الحارس القضائي الذي جرى تعيينه ليس مخفراً أو جهازاً أمنياً بإمكانه الوقوف بوجه من يريد الدخول إليها بالقوة.
وختم نزال مناشداً الرئيس نبيه بري، الذي أعطى توجيهاته في إغلاق المغارة إلى إيلاء هذا الموضوع الأهمية اللازمة، من أجل الإسراع بعمليات التنقيب.

السابق
الانترنت غائب في المنطقة الحدودية
التالي
الموسوي: معركة السلاح انتحار