اختبـار لإيـران

يرسم الدخول العسكري السعودي الى البحرين عدداً من الخطوط الحمراء في وجه الثورات الشعبية التي تجتاح العالم العربي، وفي وجه الاميركيين الذين اعتبروا ان ثمة فرصة تاريخية أمام العرب الآن لكي يباشروا في إجراء إصلاحات جذرية تحتاجها أنظمتهم ومؤسساتهم الحاكمة.. وفي وجه بعض اللبنانيين الذين أساؤوا تقدير موقف الرياض عندما قررت ان تسحب يدها من الوساطة مع سوريا.
الانتشار السعودي في البحرين هو في المقام الاول خطوة دفاعية عن المنطقة الشرقية السعودية، ذات الغالبية الشيعية، التي استلهمت الثورتين التونسية والمصرية من أجل المطالبة بحقوق سياسية واجتماعية محددة، وخطوة وقائية ضد أي تحرك يمكن أن تشهده الرياض ذات الاقلية الليبرالية التي كتبت في الآونة الأخيرة مجموعة من العرائض والرسائل المنادية بتعديلات دستورية في نظام الحكم السعودي، وقوبلت بردود فعل مشددة من السلطة.
لكنه ليس تحركاً عسكرياً داخلياً فقط، لا سيما أن المعارضين الشيعة والليبراليين تلقوا رسالة الانذار الرسمية وعملوا بموجبها فأحجموا عن تنظيم تظاهرات واحتجاجات، واقتصر الأمر على القيام بتجمعات صغيرة هدفها الدعوة الى الإفراج عن معتقلين سياسيين، وتأجيل البحث في مطالب إصلاح النظام الى مرحلة لاحقة، خصوصا أن القيادة السعودية قدمت بعض المساعدات المالية الى المواطنين السعوديين لاحتواء الازمة الاقتصادية، واستقبلت وفوداً شيعية من المنطقة الشرقية ووعدتها بتحسين أوضاعها والإفراج عن سجنائها.
هو ايضا خط أحمر عريض يعلن ان موجة التغيير والاصلاح ممنوعة من الوصول الى منطقة الخليج العربي، حتى ولو اقتضى الامر الاصطدام مع الادارة الاميركية الحالية برئاسة الرئيس باراك أوباما التي دأبت على تشجيع الدول الخليجية الست على المضي قدماً في انتهاز الفرصة لتفادي وضع يرث فيه المتطرفون الاسلاميون السلطة من ملكيات وإمارات مغلقة، استفادت في الماضي من الحروب الباردة بين الغرب والشيوعية، أو لإقفال أي نافذة يمكن أن يتسلل منها الايرانيون الى تلك الدول للاستفادة من الاشتباك بين الحكام والمعارضين.
ولعل أغرب ما في التحرك العسكري السعودي نحو البحرين، انه يتعارض مع الرغبة الاميركية المعلنة في ان تتجاوب الانظمة العربية مع رغبات شعوبها وتطلعاتها، وتتنافى مع الحاجة الاميركية الملحة الى إيجاد مخرج من المأزق البحريني الناجم عن استبدال الحوار بالاشتباك في الشوارع، القريبة من قاعدة الاسطول الخامس الاميركي في المنامة.. والحاجة الاميركية ايضا الى إيجاد حل سحري للصراع المحتدم على السلطة في اليمن.
ربما كان هذا التحرك ناجماً عن شعور سعودي بأن النظام البحريني يفقد سيطرته على الوضع في بلاده وبالتالي يعجز عن فتح الحوار المطلوب والمتكافئ مع معارضيه الشيعة، الذين بالغوا في الآونة الاخيرة في رفع سقف مطالبهم الى حد إعلان «الاتحاد من أجل الجمهورية» البحرينية، والمس بأحد أهم المحرمات الخليجية. لكن أهم ما في ذلك التحرك انه يختبر ايران وردود فعلها الحساسة في البحرين بالذات، ويضعها في موقف حرج بين الصمت الذي يؤدي الى ضعف مكانتها وطموحاتها الاقليمية، والرد الذي يدخلها في مواجهة شاملة مع العرب.. لن يكون لبنان بمعزل عنها.
  

السابق
ساحة الحرية كانت فارغة
التالي
الديار: الاتصالات لتشكيل الحكومة تجاوزت الاطار السابق على صعيد شموليتها