انتصارات محمد بن سلمان وحكومة نهاية النظام اللبناني

حسن روحاني ومحمد بن سلمان
انتصر الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي على الجميع في قضية اغتيال الصحافي جمال الخاشقجي.ليس أدل على ذلك من هشاشة التخريج الذي سيق لتفسير ما جرى في القنصلية، والذي اعتمد نظرية المشاجرة المفضية إلى موت غامض بلا جثة ولا دليل.

نجح بن سلمان في دفع العالم إلى توظيف الموضوع في سياقات لا تتصل بالعدالة والحقيقة، ولا بإدانة قتل الصحافيين ولكن بالحسابات الخاصة. ترك الجميع يلعبون هذه اللعبة قبل أن يلقي بأوراقه الحاسمة على الطاولة، مؤسسا لزمان الاستثمارات المنتجة للشرعيات من تركيا إلى مصر وأميركا.
كان الجميع ينتظرون موقفا أميركيا حاسما أو ابتزازا أميركيا للسعودية على خلفية هذه القضية، ولكن الأمور ذهبت في اتجاه تأكيد عمق اختراق بن سلمان لعهد ترامب الرئاسي، بحيث تحول منتجاً له ولشرعيته في الداخل الأميركي عبر تأثيره الكبير على زيادة عدد الوظائف التي جعلته يتحول عمليا إلى رب عمل للأميركيين.
كذلك يتجه بن سلمان ليكون الراعي الرسمي لمعركة الولاية الثانية لترامب، ما يعني أنه سيكون منتجا للعهد الترامبي، أو للزمن الترامبي وتأويلاته المفتوحة والمتناقضة لكل القضايا،والتي تبتعد عن أي تحديد ممكن.

اقرأ أيضاً: الصحافي جمال الخاشقجي قتيل الكلام المستحيل

هكذا سيصبح الأمير بن سلمان بطل الحريات ورائد معركة التحديث في الداخل السعودي وأمام العالم، وسيتاح لهأن يكون ولي دم الصحافي القتيل، وأمير الانتقام له والذي يرجح أن يطال كل الجهات المعترضة، ويؤسس لما يمكن أن نطلق عليه تسمية النظام السعودي الجديد.
تقوم شرعية هذا النظام في المنطقة على أنه بات منتج الشرعيات وممولها، فبعد أن خرجت مصر من دائرة القدرة على إنتاج النظام العربي أو تحديد وجهاته مع نجاح السعودية في إلحاقها برؤيتها في الأمن والسياسة، لم يعد هناك ما يحول دون توكيد سلطة هذا النظام الذي تبدت أولى معالمه في فرض فيروس نقص المناعة تجاه قضية اغتيال الصحافيين على العموم، وربطها بشكل أو بآخر بقضية الحرب على الإرهاب.
من هنا انفتحت معركة صناعة الشرعيات في المنطقة على عنواني الحرب على الإرهاب والغربنة. لعل بن سلمان نجح في جر الأمور إلى الانتظام داخل هذين السياقين بشكل واضح، دفع بإيران إلى الدخول على خطه، وتجرع كؤوس سم إقرار قوانين الحرب على الإرهاب ومكافحة تبييض الأموال، وتوجيه خطاب عام إلى العالم، تعلن فيه عن استعدادها لخلع ثوب إيران الملالي وارتداء ثوب الغربنة، إذا كان الأمر يفضي إلى تخلصها من سيف العقوبات الأميركية المتصاعدة ضدها.
إيران الملالي لا تستطيع السير في ركاب الغربنة دزن التسبب بجروح خطيرة في بنية النظام. الشرعية الدولية التي تطمح إلى انتزاعها من خلال السير في هذا المشروع ستؤدي إلى أن يأكل النظام الايراني نفسه فالبنية التي بثها في جماهيرة تتأسس على رفض الغربنة والعداء لها. من هنا لا يتوقع أن يكون هذا الانتقال آمنا وسلسا، بل يفرض على النظام العمل على اجتثاث ما كان قد أسس له، والذي اكتسب من خلال عناوينه كل شرعيته.
الصعوبات ليست مماثلة في حالة بن سلمان فالجمهور السعودي الذي يغلب عليه الشباب المتصل بالغرب، ينظر إلى عملية التحديث التي يقودها ولي العهد بوصفها إعادة انتاج لسعودية تتلاءم مع مجالاته العلمية والسلوكية، وشكل العيش الذي يرغب فيه.
تحت هذا العنوان يمكن لقضية الخاشقجي وغيرها العبور دون أثر يذكر في الداخل السعودي، كما أن تخريجاتها كشفت عن تلازم مصالح النظام العربي الجديد الذي يقوده الأمير محمد بن سلمان مع مصالح الدول الكبرى في العالم، والتي تحاول أوروبا اختراقها دون جدوى، لأنها كانت قد سقطت بقوة في الامتحان السوري.
وربما تجدر الإشارة إلى ان التعامل الأميركي مع قضية الخاشقجي ينطلق من صيغة النجم الذي تمت صناعته في أميركا، وتاليا فإن دفاع بعض الشخصيات عنه وحرصهم على إدانة السعودية، إنما ينطلق من الحرص على الدفاع عن منتج أميركي، وعن فكرة النجم الأميركي الذي حين يراق دمه فان ذلك يعني إراقة دم الكون.
رد ترامب على هذا العنوان بنفسه حين أعلن أن الخاشقجي ليس أميركيا، وتاليا فان دمه لن يكون عالميا. هكذا فان أميركا لم تصب بأي أذى، كما لا يمكن للدفاع عن الخاشقجي أن يتحول إلى دفاع عن أميركا ودمها الذي لا يهدر.
هكذا لم يعد الخاشقجي فقيد أميركا، بل صار قتيل القنصلية وحسب، لا بل قتيل مشاجرة شوارعية في القنصلية، وجثته التي يمكن أن تظهر أولا تظهر لا تستحضر بكاء العالم، بل إقالة البعض من قادة المخابرات والأجهزة السعودية كالعسيري والقحطاني تمهيدا لمقاربة جديدة في ما يخص الشأن اليمني والداخل السعودي، ويمكن أن تتبعها سلسلة تصفيات مشرعنة سلفا، لكل من لا ينتظم تحت عباءة نظام بن سلمان الجديد.
في لبنان كان لافتا أن إيران ومنتجها اللبناني الفاخر، أي حزب الله، امتنعا عن الكلام المباح في قضية الخاشقجي، وكانت تصريحات نصر الله تجاه هذه القضية مهادنة. لعل السبب يعود إلى أن إيران لا تملك أي أدوات توظفها في سياق هذه الحرب مع السعودية، ما عدا الحكومة اللبنانية، التي لا تزال الإطار الصالح لفتح كباش مع السعودية والمنطقة والعالم من خلالها.
دعا نصر الله إلى عدم تحديد مدة زمنية نهائية لتأليف الحكومة، وفي اللحظة الأخيرة بعد أن أوشكت الحكومة أن ترى النور، انفجرت جملة من القضايا والمشكلات حول بعض الحقائب وغيرها، لجمت الاندفاعة الحكومية وأعادت تجميدها.
تتوجه الحكومة كما يطبخها الحزب في عنوانها العريض إلى ان تكون حربا ضد ما انتجته السعودية في لبنان، أي اتفاق الطائف، كما يحرص الحزب على تحويلها إلى مؤسسة لنسف الدستور، وتدمير صلاحيات رئاسة الحكومة، وتحجيم الجهات التي توالي السعودية كالقوات اللبنانية.
ببساطة يواجه حزب الله عدم القدرة على الاستثمار في قضية الخاشقجي ضد السعودية بإعلان نهاية النظام اللبناني الحديث. التأسيس لعرف حصة الرئيس الوزارية، وتحويلها إلى عنوان أساسي للسماح بتشكيل الحكومة يصيب أمرين في آن واحد، فهو يؤسس للخروج على الدستور من قلب السلطة التنفيذية، ويجعل من رئاسة الحكومة منصبا شكليا فارغا دون قدرات ولا صلاحيات.

اقرأ أيضاً: جمال خاشقجي يصف مَقاتل لبنان التي رسمتها نهاية صحافته

يرد الحزب على انتصارات بن سلمان بسلب السعودية القدرة على تثبيت معادلتها اللبنانية، التي أنهت الحرب وأسست للنظام اللبناني في الفترة التي تلتها، ويعلن عن قيام حكومة نهاية الحكومات في لبنان، أو الحكومة التي تمثل مقبرة الطائف وما أسس له من زمن سعودي في البلد، كان التوافق على النظر إليه كإطار ضابط عنوانا أساسيا من عناوين التوافق اللبناني القليلة.
تمويت زمن السعودية في لبنان يفتح الباب أمام الزمن الإيراني والأسدي ولكن ما تجدر الإشارة إليه يتعلق بأن الزمن السعودي في لبنان كان يحمل نزوعا إلى إنتاج نموذج تقوم شرعية سعودية بن سلمان الحالية على النجاح في تحقيقه، بمعنى أنه يشكل الصيغة التي تجعل من أي بلد حاليا آيلا للمثول في زمن العالم وفي قلب خطاب الشرعية الدولية.
المفارقة المرعبة تكمن في أن حزب الله يخرج لبنان من زمن العالم عبر قوننة حكومة موت الحكومات التي تعلن أن النظام اللبناني يعيش احتضارا طويلا في اللحظة التي تتبارى فيها دول المنطقة، ومن ضمنها إيران، على اللحاق بزمن العالم واستحداث مشاريع غربنة،ربما ستضع حزب الله نفسه في مواجهة مآلات الشرعية الإيرانية المشتهاة.

السابق
إليسا تنتظر لقاء جعجع – فرنجية.. بإيمان مسيحي!
التالي
الرئيس بري لمثليي لبنان:لا حقوق لكم