القبضات المرفوعة تسقط في حضن الجنسية الاميركية!

الجنسية الأميركية
فاجأني السؤال، لم أفكر بالأمر من قبل على اعتبار أن الجميع في لبنان يسعى لنيل جنسية ثانية وخاصة أمريكية أو أوروبية، كما يسعى لكي يكون له مسكن في أكثر من منطقة في لبنان. علّمته الحرب أن لا يأمن لمكان واحد.

منذ وفترة وجيزة هاتفتني رؤى:
– بابا شو شعورك لمن باخذ الجنسية الأمريكية؟
تلعثمت ثم أجبتها: هذه قيمة مضافة.

أخذتني مسألة الجنسية، جنسية الولايات المتحدة الأمريكية، إلى عوالم متعددة وأيقظت لدي مشاعر متناقضة. أعادتني إلى زمن الصبا، زمن الأحزاب اليسارية، زمن القبضات المشدودة والحناجر التي تصدح بـ”الموت لأمريكا”، الزمن الذي كنا نُصْلي فيه الولايات المتحدة عداء مكينا بينما تأخذ شعوب الشرق وزعماؤها بألبابنا. يوم كنا نهرب من السؤال المحرج، لماذا تسعى شعوب الأرض قاطبة، الشعوب التي نرفع رايات الكفاح بإسمها وندعي أننا ندافع عن قضاياها، تسعى للحصول بأي ثمن على الجنسية الأمريكية أو على جنسية أي بلد من بلاد أوروبا الغربية؟لماذا إذا فتحنا الحدود فيما بين دول العالم وتركنا الخيار للشعوب، تغادر الجماهير فرادى وجماعات الجِنان الإشتراكية وتزحف نحو بلاد الإمبريالية؟!

اقرأ أيضاً: الجرائم في لبنان «تتغوّل» على الطريقة الأميركية!

أخذتني مسألة الجنسية إلى الغش والكذب بل إلى النفاق، هذه المفردة التي وردت عشرات المرات في القرآن، أخذتني إلى هذا الثالوث الذي يَسِمُ سلوك العديد ممن يسعى بشتى الوسائل الغير مشروعة واللاأخلاقية للحصول على الجنسية الأمريكية ويناهض ليل نهار ،لا سياسة البلد، بل البلد بعينه باعتباره بلاد الكفر والإلحاد والخلاعة، ولا يتورع عن أن يَلْهَجَ بدعاء “الله يهدّك يا أمركا” رغم أنها تأوي أهله وأهل وطنه وشعوب من أربع رياح الأرض وتؤمن لهم سبل العيش الكريم والعلم والترقي.أخذتني مسألة الجنسية إلى طلاق الزوجات وإلى تَكَبّد الحوامل مخاطر السفر لنيل شرف الوضع في بلاد العم سام!!

اقرأ أيضاً: «رجل الدين» مصطلح دخيل على الإسلام

يا بنيتي غادر والدك، منذ دهر، السجن الفكري الذي أسره لعقد من الزمن، وكان هذا السجن بالنسبة إليه من السِّعَةٍ بحيث يفيض عن حدود العالم ولكنه يقتصر على معتقد صلب ،على هوية ثابتة، على يقين لا يساوره الشك وعلى حقيقة ساطعة لا تغرب شمسها ولا تأتيها العتمة لا من خلفها ولا من أمامها.لم تعد الهوية بالنسبة له معطى ثابتا، لم تعد له هوية طائفته أو دينه ولا وطنه.أخذت هويته تتشكل وتنمو وتتسع بمقدار نمو واتساع مداركه،صارت له هوية إنسانية يحاول أن يشذّبها من التمييز والتعصب والعنصرية قدر إمكانه. ولم تعد له الجنسية، كما الهوية، مسألة مقدسة بل صاريرى في تعدد الجنسيات غنى للشخصية وصَبٌّ للماء في خمر القومية والوطنية العمياء. ويتخذ مثالا على ذلك من الصورة المرفقة، من موطنك الثاني ذاته،من البلاد التي شهدت أبشع أنواع التمييز العرقي والعنصري وأصبحت الآن ،بفضل اكتساب مواطنيها لجنسيات متعددة ،على رأس الشعوب الأقل عنصرية في العالم.
صار فكر والدك الآن قابلا لكل هوية ولكل جنسية.
مبروك.

السابق
«رجل الدين» مصطلح دخيل على الإسلام
التالي
الصواريخ الايرانية إذ تعبر الحدود