لماذا تكتُم الأجهزةُ الأمنيةِ ما يعلمُه الصيداويّون عن «الرصاصةِ الأولى»؟

أحداث عبرا
اهالي صيدا والاجهزة الامنية يعلمون من أطلق الرصاصة الأولى على الجيش اللبناني في معركة عبرا، التي ادت الى الهجوم على مسجد الشيخ احمد الاسير وتصفية اتباعه قتلا واعتقالا، وسقوط حوالي 20 شهيدا للجيش.

جارنا من مدّعي السطوة والهيبة “علّمَ عليه أحدُهم فأهانه، ولم يرَ أحدٌ من سكان الحي ما جرى، ولما سُئل جارنا عمّا جرى… أنكر أن أحداً غريباً مرّ من الحي أصلاً!

اقرأ أيضاً: في عيون اللبنانيين: القضاء مسيس

قصة جارنا مع الذي أهانه، هي نفسها قصتنا مع أجهزتنا الرسمية التي تعلم بما قام ويقوم بين “حزب الله” وسراياه، وبسبب عجزها أمامه فهي تنكر معرفتها بشيء من ذلك. هذا التوصيف يعلل كيف أن أجهزة أمنية رسمية نفت أمر مشاركة “حزب الله” وسراياه في معركة عبرا صيف 2013، قبل أن يصبح الأمر الذي يعرفه أهالي صيدا يقيناً (بما في ذلك المنكرون منهم)؛ حقيقةً يعرفها اللبنانيون جميعاً (بما في ذلك الذين ينكرون منهم).

ليست مناسبة هذا الكلام تحقيق محطة الجزيرة الذي عرضته الأحد الفائت عن معركة عبرا بعنوان: “عبرا؛ من أطلق الرصاصة الأولى”. وإنما شرارته، مناسبة هذا الكلام هو التحرك المستمر لأهالي الموقوفين بسبب تلك الأحداث ومطالبتهم بالعفو عن أبنائهم بعد الأحكام القاسية التي صدرت بحق بعضهم. في الواقع إن كل من شارك في قتال الجيش اللبناني إنما ارتكب فعلاً جرمياً وخطيئة وطنية لا يسهل تجاوزها. هذا صحيح، لكن الأمر ليس كما يريد البعض تبسيطه بالقول: إن مجموعة إرهابية قاتلت الجيش وينبغي محاسبتها.

1- ثمة مؤشرات كثيرة على أن هذه المجموعات وقعت ضحية فخ نُصب لها:
أ‌- لم تكن هذه المجموعة على عداء أصلاً مع الجيش والمؤسسات الأمنية، قبل الاشتباك الأخير، وهذا مثبت في خطابات الشيخ أحمد الأسير.
ب‌- أحد قيادات هذه المجموعة؛ الشيخ أحمد الحريري، كان بجانب أبناء المؤسسة العسكرية لحظة انهمار الرصاص عليهم كما يظهر بوضوح في تحقيق الجزيرة.
ت‌- ثمة سوابق تجيز اتهام شقق “حزب الله” بفتح النار، بالنظر إلى الاشتباك الأول بتاريخ 18/6/2013، لا سيما الشقة نفسها التي يشتبه أن الرصاصة الأولى خرجت منها، حيث تبين لاحقاً أن هذا الاشتباك كان بمثابة استطلاع بالنار.
ث‌- إن معظم إصابات أبناء المؤسسة العسكرية الذين كانوا على حاجز عبرا كانت من الخلف، أي أن قتلهم أتى غدراً، من طرف ذي مصلحة.

2- مع يقينية مشاركة “حزب الله” وسراياه في المعركة، منذ لحظتها الأولى وإلى ما بعد انتهائها (الاستفزازات اللاحقة وإطلاق النار على مسجد الإمام علي في الفيلات وأماكن أخرى)، تصبح العدالة مبتورة، ويصبح القول: “عجزٌ عن معاقبة فريق، يوجب الرحمة مع الفريق الآخر”، في محله تماماً، ليس رأفة بهذا الفريق المستضعف، بل احتراماً لمفهوم العدالة نفسها.

3- إن المحكمة العسكرية التي تتصدى لهذا الملف منتقدة في تعاطيها مع كل ما تقدم إليها من معطيات حول أسباب ما حصل، فضلاً عن أن المحكمة نفسها منتقدة في وجودها وفي صلاحيتها، وفقاً للمؤسسات الحقوقية ولوزير العدل السابق نفسه؛ أقله يجب أن تكون متوازنة في تعاطيها مع الملف، من خلال فتحه على مصراعيه واستدعاء الأطراف كافة.

بالعودة إلى تحقيق الجزيرة؛ ثمة وقائع يمكن إضافتها لتوضيح ما جرى.
1- التحضير السابق للمعركة ومشاهد التدشيم في تلة مار الياس التي رآها كل من زار عبرا قبيل المعركة (للمفارقة أنها تقع قرب ثكنة لقوى الأمن الداخلي) ما يؤشر إلى النية المبيتة.

2- تزخيم شقق الحزب في عبرا قبيل المعركة، لدرجة استفزت سكان المباني التي تقع فيها الشقق الثلاث، مع التذكير أن سكان مبنى الدندشلي، كانوا أول من استشعر الخطر القادم إليهم، فسطروا عريضة للمحافظ نقولا بو ضاهر في شهر شباط 2013، وأنهم نظموا بعد ذلك اعتصاماً وجولة على المفتي، وفعاليات المدينة للمطالبة بإخلاء هذه الشقق من المسلحين، بعدما شهروا سلاحهم بوجههم، وأن السيد حسن نصر الله نفسه اضطر للاعتراف بوجود مسلح في هذه الشقق حيث قال في 27/2/2013: “نحن لدينا مراكز في عبرا قبل أن يبنى مسجد بلال بن رباح”.

السلوكة

3- إنّ أول من دخل إلى مسجد بلال بن رباح والمباني القريبة منه هو حزب الله وسراياه وباعتراف مسلحيهم، وفقاً لتقرير بثه تلفزيون “بلادي”، وووفقا لما نقلته وسائل الإعلام اللبنانية كافة، لمشاهد المسلحين بالشارات الصفراء وباللباس العسكري مع صرخة: “لبيك يا زينب”، علماً أن مسلحي الحزب احتلوا خلال المعركة عشرات المنازل بعدما أخرجوا أهلها منها وعرّفوا عن أنفسهم بصفتهم الحزبية (بعض البيوت سرقت كما هي حال فيلا آل الصلح).

4- لم تكن مشاركة الحزب شكلية في المعركة بالنظر إلى حجم ضحاياه، إذ رغم التكتم، فقد نعى الحزب سبعة قتلى هم: م. صالح (الحارة-24/6/2013)- م. فواز (الحارة- 24/6/2013)- ع. حميد (الحارة متأثراً بجراحه 5/7/2013)- إ. عساف– (كفر حتى- 24/6/2013)- ن. بيروتي (جبشيت- 24/6/2013)- ع. ترحيني (عبّا- 24/6/2013)- ع. مرتضى (كفرمان – 3/7/2013) متأثراً بجراحه وهو من السرايا.

5- لا يعرف الصيداويون أن الحزب وسراياه شاركوا في القتال وحسب، وإنما يعرفون أن هؤلاء ارتكبوا جرائم حرب أيضاً.. وعلى سبيل المثال لا الحصر:
· توقيفهم الناس على الهوية والظن ونقلهم وتعذيبهم في مجمع حزبي لهم في صيدا.
· اقتحامهم وتخريبهم مركز الرحمة الخيري وإطلاقهم النار على دارة النائب بهية الحريري.
· تركهم الجرحى ينزفون حتى الموت ومنعهم الإسعاف من الاقتراب.

اقرأ أيضاً: فضل شاكر: قصدت حزب الله بـ«الفطيستين» وهذا شرطي لأسلم نفسي!

6- انتفاضة أبناء المدينة لكرامتهم (وليس دفاعاً عن ظاهرة الأسير أو هجوماً على أي جهاز أمني) بعدما شعروا بالاستباحة والإهانة من قبل الحزب وسراياه، وتجع الآلاف منهم في مسجد الزعتري والشوارع المحيطة بحضور فعاليات المدينة ومن بينهم نائب المدينة الرئيس فؤاد السنيورة رفضاً لما جرى، وقد أعقب ذلك حملة لتنظيف صيدا مما يسمى “سرايا المقاومة”.

إن ما يحزّ في القلب أن صيدا لا تزال تدفع إلى اليوم فاتورة هذا الجرح الدامي. المعالجة الأمنية أخذت مداها، وتحتاج المدينة، وتاليا الوطن، إلى بلسمة الجرح.

السابق
جوزيف عون قائداً جديداً للجيش اللبناني
التالي
حركة شيعية عراقية تعلن تشكيل فيلق لتحرير الجولان!