مهن شريفة احتقرها الناس… وخلقتها الحاجة

ماسح الاحذية
"أكل العيش مر"...يجولون في الطرقات سعياً وراء رزقهم، بحثاً عن قوت يومهم، غير آبهين بحرارة أو برودة الطقس. هم أشخاص يهجرون منازلهم فترة ليست بقصيرة إستجابة لإحتياجات الناس ولكسب رزقهم بالحلال الطيب. أشخاص تزذانهم "عزة النفس والكرامة" يتحملون نظرة البعض الدونية وكلماتهم الجارحة لكي لا يمدون يد العوز إلى من لا يرحمون.

يقول طاغور: “تدنو من العظمة بقدر ما تدنو من التواضع!” ألم تسألك نفسك يوماً لماذا فلان أصبح هكذا؟ ألم تفكر أن هذا الشخص كان من الممكن أن تكون شهادته أعلى من شهادتك وأفضل منك لو توفر له ما توفر لك؟ ألم تحاول أن تستمد من قوته وإصراره دافعاً لترتقي به في حياتك نحو الأعلى؟ فأحسن معاملتك مع الناس لتجد من يعاملك بحسن.

اقرأ أيضاً: الحوار يدخل مرحلة حاسمة وحزب الله يجزّىء «سلّة برّي»

يتفق الجميع على أن العمل ضرورة من ضروريات الحياة وهذا لتلبية مختلف الإحتياجات اليومية وحفظ الكرامة في العيش وتحقيق الذات،إلا أن ثمة إختلاف يكمن في نظرة المجتمع لبعض المهن البسيطة كماسح الأحذية، عامل النظافة،العتال…

في الصيف، تحت درجات الحراراة المرتفعة،وفي الشتاء تحت زخات المطر القارسة نراهم يتنقلون بين الأزقة بحثاً عن «لقمة العيش». لكن…لا نظرة إحترام، راتب لا يسمن ولا يغني من جوع، صحة معرضة للخطر، وكم هائل من الإهانات…هذه هي حال أشخاص كثر مشوا في طريق وعرة،أرجحهم القدر صعوداً ونزولاً.
يوميات ماسح الأحذية
أدوات، منشفة، مادة تلميع.. أشياء إحتضنها صندوق خشبي أكل عليه الدهر وشرب، ومنضدة تتربص أرضاً تنتظر رزقة تأتي من بعيد. عجوز هزيل الجسد، شاحب الوجه، عيناه غائرتان تائهتان في متاهات الأسى والحزن، ينزوى فى ركن صغير يترقب أرجل أجساد منها سائرة وأخرى مترامية في المقاهي. وعندما يأتيه الزبون يشرع بمسح الحذاء، ينكب عليه،فلا شيء يشغله ولا صوت يلهيه، همه الوحيد أن يظهره بمنظر لماع،نظيف،لا غبار عليه،فيدغدغه بالفرشاة حتى يخرج من بين يديه مصقولاً كالمرآة. وبعد إنتهائه يتناول أشياءه البسيطة يطلق تنهيدة عميقةً، ويعود ليبحث عن زبون أخر تاركاً تنهيداته بين حجارة الحائط الذي يسنده وحكاية طوت بين زواياه إلى الأبد…

ويقول لـ«جنوبية» “كنت طفلاً عندما تعلمت تلك المهنة وكنت لا أفهم نظرة الناس لي. اليوم تغيرت المعادلة، بدأت أشعر بإحراج كبير، فليس هناك شخص أفضل من شخص فلماذا تلك النظرة الدونيّة والقاسية من قبل الناس؟ هناك أشخاص كثيرون يحاولون إفتعال المشاكل، يحاولون إستفزازي ولكنني لا أجيب. أحاول إنهاء عملي من “تم ساكت””.

وتابع،”أعلم أن هناك أعمالاً أشرف، ولكن ليس باليد حيلة، فلا أجيد غيرها، وهي مهنة مستورة، صحيح أن مردودها ليس جيداً ولكنها تؤمن لنا لقمة العيش بدلاً من الشحاذة”.

عامل النظافة ليس زبالاً

في اليابان، عامل النظافة هو مهندس صحي، ينعم بحياة كريمة تضاهي حياة المسؤولين الكبار، أين هو في لبنان؟! إن النظرة الدونية له، لم تكن يوماً نظرة إنسانية.فهنا، هو «الزبّال»، لا مهندس النظافة.

ذاك الرجل الذي إقتنع بواقعه ووظيفته والذي يرفع كل أثر سيء يتركه صاحبه على الأرض، يحني ظهره ورأسه مئات المرات يومياً ليعكس صورة نظيفة عن بلدنا…متى سنعلم أولادنا أن النظافة من الإيمان وأنه يجب ألا نرمى مخلفاتنا فى الشوارع؟ وأن من ينظف ويصلح ما نتلفه هو عامل نظافة كأي مواطن آخر، له حقوق واجبات؟

عامل النظافة

يحمل علي (عامل نظافة في منطقة البربير) مكنسته السوداء على عربة صغيرة يدفعها أمامه بيدين أَرهقهما التعب، ويتنقل بحذر شديد بين تلك الأزقة لجمع أكياس القمامة، وعندما يغلبه الجوع والنعاس نراه يستلقي على حائط أبيض يلونه بقصصه وآلامه. يقول لـ«جنوبية» “عملنا شاق جداً؛ فجمع النفايات وكنس الطرقات يجهدنا، والكثير لا يبالي ذاك يرمي بقاروة ماء فارغه أو علبة طعام وآخر يرمي قمامته ولا يتنازل حتى أن تكون في كيس غير مخروم كي لاتتناثر هنا وهناك”.

علي يتشارك ورفاقه مصاعب الحياة في غرفة صغيرة، غرفة تشهد على معاناة يوم طالت مشقتهم فيه. ويتابع:”تخفي كثيراً من المعاناة والآلام التي نعيشها في مهنة لم نختارها لأنفسنا إنما فرضتها علينا صعوبات الحياة من أجل لقمة عيش كريمة. نأسف على فئة من الناس لا تعترف بالإنسانية وتقابلنا بما هو سيئ وبذيء”.

اقرأ أيضاً: لهذه الأسباب يسلّم مطلوبو عين الحلوة أنفسهم

ماسح الأحذية، عامل النظافة… وغيرها من المهن التي يتخذها البعض وسيلة للهروب من شبح الفقر، إلا أنها ترافقها إهانات موجهة بكلمة أو نظرة إلى ممارسيها عن قصد أو عن غير قصد.

السابق
يزبك وهبي: دوللي من القلّة.. ضوء الـLBCI
التالي
إتفاق بين السعودية وروسيا… حول النفط فقط!