شكرا للفن السابع…!

السينما
سواء كان الفيلم السينمائي يتحدث عن حفل لقالب كاتو فاسد؛ أو عمل فني لا يستحق الوقوف عنده، طالما يشاهده ويحضره الناس فهو يستحق الكتابة مدحاً؛ أو نقداً، وستكون ممتعة ومقنعة على الأقل للكاتب ذاته بما سيصفه من حقائق ومعلومات...

وبعيداً عن المقدمة هذه لم أكن يوماً من روّاد؛ أو هواة السينما وصالاتها. لم أفكر يوماً في الدخول إليها لمشاهدة فيلمٍ سينمائي، كنت أكتفي بالنظر إلى الجميلات وهنّ يدخلن؛ أو يخرجن من وإلى صالات السينما أمامي، بينما كنت أحتسي فنجان قهوتي “السفري” مقابل الباب الكبير للمبنى وأنا أدخن السجائر.

لم يسيطر عليّ الفضول كعادته، كلما حاولت إدراك شيءٍ ما. ذاك الفضول الذي يشبه الانتحار، والذي كاد أن يقودني نحو الهاوية في أحيانٍ كثيرة، لكن للسينما حكاية أخرى في حياتي، لا تشبه قصص الآخرين، ومدى تعلّقهم بهذا الفن وما قدمه من أعمال عبقرية خالصة. كنتُ أعيش في مدينة نائية في هذا الشرق، وفي جزئيته الخاصة على علاقة مزدوجة بإحداهن، علاقة عاطفية كما كل جيلي؛ وجنسية في الوقت ذاته أيضاً، نعم هو اعتراف في الخصوصية التي نبتعد عنها، لكن لم يكن لديّ بيتٌ مستقل خاص، استقبل فيه الحبيبة والعاشقة والـ«صاحبة» في المفهوم الشعبي، ولم يكن لديّ حافلة صغيرة، لنمضي فيها معاً نحو الجبال في يومٍ ربيعي، ولم يكن لدي صديق متزوج أو مستقل، كي أستعين ببيتهِ. المرة الوحيدة التي شعرت فيها بأهمية وجود الأصدقاء المتزوجين، كانت عند ذهابنا سوياً لمنزلِ مذيعٍ في التلفزيون، كان صديقاً مشتركاً بيننا، ولسوء الحظ كان بيته صغيراً وجاءت زوجته من العمل باكراً، «كبسة من نوع آخر»، بالله عليكم ماذا سنفعل في هذه الحالة؟ وكيف سنمارس الجنس ؟

في الكافيتريات أو المقاهي، مهما كانت راقية؛ أو أسعار فناجين القهوة فيها باهظة الثمن، لا يمكن لأي شاب في تلك المدينة النائية، أن يلتقط من فتاته سوى قبلةً صغيرة «عالطاير» وسط زحام الزبائن، نعم كانت الأبواب مغلقة دائماً في تلك المدينة أمام مثل هذه العلاقات، حتى التافهون كانوا يطلبون بطاقات عائلية، فيما لو أراد أحد الشباب مثلي أن يمارس الحبّ مع فتاته في فندقٍ ذي النجوم الخمسة. كانت الحياة صعبة للغاية ، جرّبت ذات مرة أن أمارس الحبّ في الهواء الطلق على مقعدٍ قديم في حديقةٍ كبيرة قبيل غروب الشمس. كان عمال النظافة آنذاك، ينصرفون نحو بيوتهم، بينما كان فمي مطبقاً على شفاهها حيناً وعلى عنقها حيناً آخر. هكذا قضينا معاً عشقنا حتى غروب الشمس، لكن ما باليد حيلة سوى أن نستعين بحقائبنا التي معنا. كانت إحدى الحقائب تخفي يدها في مكانِ سريّ للغاية قبل أن ننصرف من هناك، ونحن نخطط معاً أين يمكن أن نتمتع بحريتنا الجنسية في هذه المدينة؟

سينما ايرانية

وتستمرّ الحكاية في اليوم التالي، كان لقاؤنا أمام صالة السينما. شربنا القهوة أولاً، ثم تناولنا البوظة… كانت تلك، هي المرة الثانية التي أتناول فيها البوظة في فصل الربيع بعدما تناولتها بصحبة الصديقان (حليم يوسف، وخلدون العلي) في أنطاكيا قبل عامين. تذكرتهما بينما كنت أخطط للدخول إلى السينما… ترى ماذا يشاهد الأغبياء في الداخل؟ أعتقد أنه مكان آمن لممارسة الجنس دون أيّة رقابة، بل أنه مخصص لإعداد مثل هذه الأفلام الجنسية. أشياء كثيرة راودتني خلال جلسة تفكيري هذه. حتى أنني ألتفتُ للفتاة التي معي، وقلت لها: «يلا بنا، إلى الصالة». إذ كانت هذه الجملة مفتاح شراء تذكرتين والمضي نحو المكان المنتظر. كتبت قصيدة عن تلك المغامرة، ونشرتها في صحيفة لبنانية، قال لي أحد الأصدقاء بعد ذلك «شو هالقصيدة… كلها سيكس من نوع خاص؟!».

داخل الصالة، كان هناك من يشبهنا تماماً. اندهشت للوهلة الأولى من قلة وجود الجمهور نتيجة عدم اهتمام سكان تلك المدينة بالسينما، وقلت لفتاتي، «إن هذا المكان كبير، كيف سنمارس الجنس هنا؟» فضحكتْ بينما كنت أقبلها بشغف مع جنون الحالة. كان ذلك وسط الظلام. لم تكن الإنارة تخيّم على المكان، وحين سمعت تنهداتها، صرت أخطئ بين صوتها والفتاة التي تموت في الفيلم الّذي من المفترض أننا كنا نشاهده…

اقرأ أيضاً: هشام حداد بعد فصله لـ«جنوبية»: هناك عملية سطو على التيار

لقد كان فيلم رعب؛ ولم يكن فيلماً رومنسياً كالذي عشنا تفاصيله خلال وقت العرض. نعم السينما، حققت لي حلمي، على كرسيين صغيرين ملتصقين بجوار بعضهما. ومنذ ذلك الوقت، عرفت ماذا تعني السينما؟ ولماذا تم اختراعها؟ ومن يعمل على إخراج أفلامها؟ يُقال أن أحدهم دخل إلى السينما لأول مرة، وظن أنه مجلسٌ عربي، فقام بإلقاء السلام على كل الحضور باليد، وعندما خرج من الصالة، قال لأصدقائهِ «والله سلّمت عالزلم وما شفت الفيلم» (والتي تعني باللهجة السورية المحكية، أنه ألقى السلام على جميع الرجال ولم يشاهد شيئاً من الفيلم)، وهكذا أنا، تعرفت على السينما، وكنت أسير رغباتي الجنسية، فشكراً لكَ أيها الفن السابع الذي حققت حلمي المزدوج، أيها الفن العظيم، وإلى فيلمٍ آخر أراكم بخير يا حلوين .. .

* كاتب وصحافي كردي

السابق
العثور على قنبلة في القاع
التالي
عبد اللهيان: عرضنا على الأسد مرتين المجيء لإيران.. وهذا رده