إيران مهتمة بعودة السلام الإقليمي… كيف؟

لا تشك لحظة القيادة الايرانية في أن روسيا “حلبت معها صافياً” عندما قبلت طلبها التدخل العسكري في سوريا لمنع اسقاط الرئيس بشار الأسد ونظامه في الصيف الماضي. لكنها لا تشك لحظة أيضاً في أن تجاوب روسيا معها كان دافعه فقط مصالحها في الشرق الأوسط، وذلك لمواجهة ما تعتبره هجمة أميركية عليها في أوروبا الشرقية، بل في العالم كله. وعدم شكّها لم يكن أساسه التقويم النظري للعلاقات بين الدول الصغرى والمتوسطة وبين الدول الكبرى، بل كان له أساس آخر ناجم عن تجربة عملية من التعاون السياسي والعسكري داخل سوريا بين طهران وموسكو ودمشق الأسد، وعن تجربة عملية في التشاور الروسي – الأميركي بهدف إنهاء الحرب في سوريا بتسوية سياسية مقبولة من الجميع. فالتجربة الأولى أظهرت أن الهدف الوحيد ربما للعمل العسكري الروسي كان تلافي سقوط منطقة الأسد ثم تمكينه من المحافظة عليها. بوتين كان أول من أطلق على هذه المنطقة اسم “سوريا المفيدة”.

وما جرى بعد ذلك أكد أن “التوسّع” الروسي في التورّط بغية استعادة كامل سوريا وتسليمها للأسد لم يكن قراراً متخذاً في موسكو. فالتردّد الذي أظهرته القيادة فيها أكثر من مرة، ولا سيما في موضوع استعادة حلب بكل أريافها، كلّف النظام السوري ومثله “حزب الله” وإيران، مؤسسته وراعيته، خسائر كبيرة في الأرواح وألحق أضراراً بالمعنويات. وأثبت حتى الآن على الأقل أن “سياسة الكرّ والفرّ” في المعارك بين المتحاربين لها الأفضلية في روسيا. ويعني ذلك في وضوح أن قرار الحسم الشامل لا يزال غير وارد عند بوتين. والمعركة الأخيرة في حلب لا بد أن تدفع، جرّاء نتائجها حتى الآن والتي قد تتغير، الزعيم الروسي الى التمسّك بسياسة المصالح وتلافي التورّط الشامل في سوريا. فحدودها المفتوحة على أكثر من دولة والتعبئة الواسعة جداً ضد نظامها في أوساط سنّة العالم العربي بل العالم الاسلامي، من شأنهما مدّ أعدائه بالأعداد التي يريدون من المقاتلين وبالكميات التي يحتاجون إليها من الأسلحة والذخائر والأموال. والموقف الأميركي الملتبس من سوريا في نظر الكثيرين من العرب وغير العرب، ليس ملتبساً على الاطلاق في رأي “خبراء استراتيجيين” أميركيين، رغم الاعتراض عليه بل رفضه من جهات أميركية جدية. فالمصالح هي أساسه. وعدم التورّط العسكري الواسع على الأقل في الشرق الأوسط مع المحافظة عليه لها في شكل أو في آخر في النهاية، هو إحداها. وأميركا الآن “المنبوذة” ربما أخلاقياً من المسلمين شيعة وسنّة، تقول مع كم صغير جداً من الخسائر لروسيا وإيران: اذا أردتما التسوية السياسية الجدية في سوريا والعراق واليمن نحن جاهزون. أما اذا أردتما تسوية تؤمّن سيطرتكما على المنطقة وإخراجنا منها فإنكما تستطيعان متابعة الحرب، وذلك يقتضي منكما زيادة تدخلكما الى الحد الأقصى. وفي ذلك استنزاف لكما، ونحن سننتظر نتائجه. واذا ظننتما أن الإرهاب بوجهيه السني والشيعي سيثنينا عن موقفنا ويدفعنا الى التسليم لكم في الشرق الأوسط تكونان واهمتيْن. ومن يعش ير.

اقرا ايضًا: إيران .. من دولة منبوذة إلى قوة إقليمية

لماذا هذا الكلام الآن عن هذا الموضوع وبهذه الطريقة؟
لأسباب عدة تكشف عنها معطيات جديدة لا بد أن تكون لها آثار كبيرة على المنطقة وخصوصاً حيث التحالف الأسدي – الروسي – الإيراني شغّال، إذا ثبتت صحتها طبعاً. وهي تشير، استناداً الى الخبراء الاستراتيجيين الأميركيين أنفسهم، الى أنه صار واضحاً بل جلياً لواشنطن، أن تعاون إيران مع الأسد وبوتين بدأ يهتز أو أن “الفريقين” لم يعودا على موجة واحدة. والسبب أن القيادة في طهران قد تكون تفكّر في البحث عن طريقة للخروج من “المستنقع” ولتسوية العلاقة المتردية جداً مع السعودية. وأنها تشعر أن الأسد ربما صار رهينة عند موسكو أو أنه لا يزال مصراً على استعادة سوريا كلها. وهذا أمر لم تعد تهتم له كثيراً لأن منطقته (الأسد) صارت آمنة، ولأن الإصرار على استعادة كل سوريا لن يعيد السلام الى المنطقة. وربما بدأت طهران تضع بعض مسافة بينها وبين دمشق الأسد للسبب المُشار إليه، وكذلك للخسائر الكبيرة التي منيت بها مع حلفائها من الميليشيات وفي مقدمهم “حزب الله”.
هل يفتح التحليل المفصّل أعلاه مع المعطيات آفاقاً جديدة في المنطقة وهل يضع موسكو وواشنطن على طريق التفاهم فالاتفاق؟

(النهار)

السابق
لبنان ومعركة حلب!
التالي
ما بعد قمة بوتين – أردوغان