عندما عاد الأسد إلى الحياة

أثبتت أحداث الربيع العربي ولا سيما سقوط مبارك في مصر وبقاء بشار الاسد في سوريا، خطأ التقديرات الاستخبارية، ليس الاسرائيلية فقط، بل على مستوى كل العالم

خلال زيارة لي في سوريا في شهر كانون الاول 2012 لاجراء تقرير حول الحرب الاهلية في الدولة أنا وزميلي إيتي انجل، وصلنا الى قرية صغيرة في شمال غرب الدولة تم احتلالها للتو من قبل المتمردين الذين يقاتلون ضد نظام بشار الاسد. وقد استقبلنا نموذج بلاستيكي من النوع الذي كان يعلق ذات مرة في الصف في دروس البيولوجيا، قام المتمردون بتعليقه على شجرة. “هذا هو بشار الاسد الكلب”، قال أحد المقاتلين، “هذه ستكون نهاية بشار ومعاقبته على ما فعله بالشعب السوري”.

إقرأ أيضًا: الانسحاب الروسي يقرّب خيار انسحاب «حزب الله» من سوريا؟
في التقرير الذي تم بثه في برنامج “عوفدا”، قمنا بتبني تقديرات المتمردين. وقد كانت هناك اسباب لذلك. فالتقارير من الجبهة في تلك الفترة كانت منهجية ومتتابعة: الاسد يفقد المزيد والمزيد من اراضي الدولة والمتمردون يوسعون سيطرتهم في الدولة. وبعد لحظة سيصلون الى مركز دمشق. التوقع المتفائل ولكن الخاطيء للمتمردين كان يشبه ما توقعته اسرائيل ايضا. في كل يوم كانت تنشر في وسائل الاعلام تقارير تقول إن الاسد يعد أيامه الاخيرة. ووزير الدفاع في حينه، اهود باراك، قال في أكثر من مناسبة إن سقوط الاسد سيتم خلال شهرين.
الآن، وبنظرة الى الوراء، الصورة في سوريا تغيرت كثيرا عما كانت عليه في ذلك الحين. صحيح أن الاسد قد فقد أجزاءً واسعة من الدولة، لكنه نجح في البقاء والتحصن في السلطة. العملية العسكرية الواسعة لسلاح الجو الروسي ساعدته على قلب الموازين في الاشهر الاخيرة. حتى لو كان ذلك بشكل بطيء. باراك تحول الى رجل اعمال خاصة والمتمردون السوريون الذين تحدثنا معهم يتعرضون الآن للقصف بطائرات بوتين القتالية والاسد وحده، حتى اليوم، ما زال في مكانه.
الاستخبارات في اسرائيل تؤمن أن النظام القائم اليوم هو أبدي
الوزير زئيف الكين ألقى خطابا في نهاية الشهر الماضي، تصدر العناوين. وقد حذر فيه من أن السلطة الفلسطينية ستنهار وأنه يجب على اسرائيل البدء في الاستعداد لهذا الحدث وتأثيراته الدراماتيكية. وحسب ادعاء الكين فان الاجهزة الامنية لا تهييء نفسها للسيناريو المرعب الذي يتحدث عنه. “أن تكون أسيرا للقناعة التي تقضي بأن الوضع الراهن أبدي، هذا للأسف الشديد هو أحد الاخطاء المنتشرة لدى الجهات الامنية في اسرائيل، بما في ذلك الاكثر جدية منها”، قال الكين. “الامثلة على ذلك كثيرة منها تقديرات اسرائيل حول مصير الرئيس المصري حسني مبارك. لقد كنت عضو في لجنة الخارجية والامن وسمعت جهات رفيعة المستوى تقول إن مبارك لا يمكن أن يسقط. وكان ذلك قبل انهيار نظامه بأسبوعين. وقالوا ايضا إن نظام الاسد أبدي. وبعد ذلك قالوا لي إنه خلال اسبوعين سيختفي الاسد لأن مصيره قد حُسم. لكننا جميعا نرى الآن الواقع أمام أعيننا”.
الكين هو واحد من وزراء الكابنت السياسي الامني الذين يجدون أنفسهم في الآونة الاخيرة يتناقشون كثيرا مع الجهات الامنية الرفيعة، وبشكل غير مباشر ايضا مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعلون حول “انتفاضة الافراد” المتصاعدة. ومن المهم ذكر اقواله حول الموضوع الفلسطيني في هذا السياق. ولكن اقوال الكين عن أسبقيات تشير الى عدم قدرة الاستخبارات على توقع التطورات التي من شأنها تغيير النظام العالمي، وهي تذكير مهم لموضوع لا يتم الحديث عنه كثيرا في وسائل الاعلام الاسرائيلية وهو حقيقة أن أحداث “الربيع العربي” ومنها الحرب في سوريا، التي اندلعت قبل خمس سنوات، قد فاجأت اسرائيل واجهزتها الامنية.
المفاجأة ضربتنا مرة اخرى في هذا الاسبوع حينما أعلن بوتين أنه سيسحب قواته من سوريا. رئيس الاركان غادي آيزنكوت تطرق لهذا الموضوع اثناء عرضه على لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست. وقد اعترف أنه لم تكن لاسرائيل أي معلومات مسبقة عن الخطوة الروسية. وقال آيزنكوت إن اسرائيل توقعت، بناء على معلومات وتقديرات استخبارية، أن روسيا ستنضم للحرب الاهلية في سوريا. لكن صحة هذه الاقوال جزئية فقط. صحيح أن اسرائيل لاحظت ذلك قبل حدوثه بوقت قصير، لكنها حسب اقوال رفيعي المستوى على مدى السنين عن سقوط نظام الاسد، لم تتوقع انضمام روسيا قبل فترة طويلة.
“قصة سوريا هي قصة فشل استخباري، لكنه ليس فشلا اسرائيليا فقط، بل هو فشل لجميع الاجهزة الاستخبارية في العالم – من الولايات المتحدة ومرورا بالدول الغربية وانتهاء بجيراننا في الشرق الاوسط”، هذا ما قاله عضو الكنيست آفي ديختر رئيس “الشباك” السابق، “يجب أن نتذكر أن خط التفكير خلال سنوات كان أن سوريا هي دولة مستقرة، مع نظام مركزي قوي. في المقابل، بعد أن بدأت الحرب كان خط التفكير هو أن سقوط الاسد يحتاج الى بضعة اشهر فعليا. هذه التقديرات كانت خاطئة تماما”.
ديختر يعتقد أنه قبل الحديث عن سوريا، يجب أن تتوقف اسرائيل قليلا أمام احداث الربيع العربي التي بدأت في عام 2011 مع اندلاع الثورة في تونس. “النقطة الاولى التي فوت الجميع فيها ما يحدث كانت مصر”، قال. ومثل الكين فان ديختر الذي كان في حينه في لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست، يتذكر الارشادات التي كانت تقول إن الرئيس المصري حسني مبارك مستقر على كرسيه، وإن “الاخوان المسلمين” لا يشكلون أي تهديد حقيقي لسلطته في القاهرة.
“كان واضحا أن الاسد سيسقط مثل القذافي”
حادثة واحدة كانت موجودة بقوة في وسائل الاعلام في القاهرة، وهي ارشادا لرئيس الاستخبارات العسكرية أمام لجنة الخارجية والامن في تاريخ 25 كانون الثاني 2011. ذلك اليوم الذي بدأت فيه المظاهرات الصغيرة في ميدان التحرير في مركز القاهرة، الامر الذي أدى في نهاية الامر الى سقوط نظام مبارك. قال رئيس الاستخبارات العسكرية في حينه إن قادة الدول العربية يتابعون باهتمام وقلق الثورة التي حدثت في تونس، ويتخذون خطوات مانعة. لكنه قال ايضا “لا يوجد الآن أي خوف من استقرار النظام المصري، الاخوان المسلمون غير منظمين بما يكفي من اجل الاستيلاء على السلطة أو الاتحاد من اجل خطوة كبيرة”.
وأشار ديختر الى أنه بعد أن اتضح أن نظام مبارك في طريقه الى السقوط – احتاج ذلك الى ثلاثة اسابيع فقط – وجدت الاجهزة الامنية في اسرائيل صعوبة في الكشف عن زخم “الاخوان المسلمين”. وحسب قوله “كان هذا سائدا لدى الاجهزة الاستخبارية في العالم وبما في ذلك في الدول العربية المجاورة، بأن سقوط مبارك لن يؤدي الى صعود الاخوان المسلمين بالضرورة. بل ان النظام القديم سيستمر في البقاء ولكن بدون مبارك، أو أن القوى العلمانية أكثر في الدولة هي التي ستمسك زمام السلطة، اولئك الذين أحدثوا ثورة ميدان التحرير. الاخوان المسلمون انتظروا الفرصة وفي نهاية المطاف انتصروا في الانتخابات الاولى التي تمت بعد الثورة”.
لم تنته المفاجآت هنا. “بعد انتصار الاخوان المسلمين حدثت مرة اخرى تقديرات غير صحيحة”، قال ديختر، “لقد حصل الاخوان المسلمون على العناق من الامريكيين، وكان يبدو أنهم سيسيطرون على الدولة فترة طويلة من الوقت. لم يتوقع احد أن الجيش المصري سيقوم بالانقلاب خلال عام واعادة السيطرة على الدولة، والقاء جميع قادة الاخوان المسلمين في اقبية التحقيق، كان عندنا من طالب بأن نستعد لحقبة جديدة تعود فيها مصر لتكون عدو محتمل، وقد فاجأ السيسي الجميع مرة اخرى”.
الامثلة التي يتحدث عنها ديختر حول مصر تشمل ايضا التصريحات التي قيلت في الموضوع السوري ايضا. تحدثت وسائل الاعلام في شهر كانون الاول 2011 ان مبارك يعتقد أن “الاسد سيسقط خلال الاسابيع القادمة”. في ايار 2012 قيل إن قسم الاستخبارات في الجيش “يعتقد أن الاسد في طريقه الى السقوط”. وفي تموز 2012 كانت تقديرات الاستخبارات العسكرية ان الاسد سيصمد “بين عدة اشهر وحتى سنتين”. في ذلك الشهر كانت الـ سي.آي.ايه تعتقد ان الاسد سيسقط قريبا، وكانت هذه هي القناعة التي تسيطر على وسائل الاعلام الدولية. ومنذ ذلك الحين مرت اربع سنوات، وليس فقط ان الاسد ما زال موجود في القصر الرئاسي في دمشق، بل نجح ايضا في اعادة احتلال مناطق في شمال سوريا في الاونة الاخيرة.
“التوقعات بأن الاسد سيسقط خلال عدة اشهر لم تقل من فراغ”، قال ديختر، “كان هذا يبدو منطقيا، ويبدو انه بعد الاحداث المفاجئة في مصر، سرعة حدوث الامر وبشكل مفاجيء، حيث لم يعد هناك مبارك، دفعت الناس الى الاعتقاد بتكرار الامر في سوريا، في ليبيا القذافي، حيث كانت الحرب هناك عنيفة جدا تطلب الامر عدة اشهر من لحظة انطلاق المظاهرات في الشوارع حتى اعدام القذافي وتفكيك الدولة، ولم يتوقع احد ان ايران وفي اعقابها روسيا ستبذلان كل هذه الجهود من اجل الحفاظ على سلطة الاسد، لم نكن نتوقع حدوث هذا”.
هل انقذ الاقتراح الاسرائيلي الاسد؟
مصدر اسرائيلي رفيع المستوى شارك في الكثير من النقاشات حول الموضوع السوري قال هذا الاسبوع لاخبار “واللاه” أنه في نظرة الى الوراء، كان واضحا ان الحدث الذي غير الاتجاه بالنسبة للاسد قد تم في ايلول 2013. حينما انسحب الرئيس الامريكي براك اوباما من الخطوط الحمراء التي وضعها البيت الابيض حول استخدام السلاح الكيميائي. اوباما وعد أنه اذا تبين ان الاسد قد سمم الآلاف من مواطنيه بالغاز فان الولايات المتحدة ستتدخل وتضرب قوات النظام. لكن اوباما تراجع عن ذلك مقابل الموافقة السورية – الروسية على اخراج السلاح الكيميائي من سوريا.

إقرأ أيضًا: نصرالله يطل الاثنين: بعد سوريا جاء دور اسرائيل
في هذا الموضوع بالذات عرفت اسرائيل الاتجاه بدقة، كما قال الشخص رفيع المستوى. “مع مرور الوقت تولد الانطباع الخاطيء ان الحديث هنا عن حدث مدته يوم، وان اوباما تراجع فجأة عن وعوده”، واضاف، “لكن من كان مطلعا على الامر يتذكر جيدا ان الامر استمر عدة ايام، كان يلاحظ خلالها تراجع تدريجي في الموقف الامريكي عن الخط الاحمر الذي وضعوه بأنفسهم، ودون الدخول الى تفاصيل كثيرة. يمكن القول إن اسرائيل بالتأكيد لاحظت اتجاه تطور الاحداث وهناك من يقول انها ساهمت في نقاش الامر”.
مايكل اورن الذي كان سفير اسرائيل في واشنطن في السنوات 2009 – 2013 ادعى في كتاب نشره في الصيف الماضي ان فكرة اخراج السلاح الكيميائي من سوريا مقابل امتناع الولايات المتحدة عن قصف قوات الاسد، كانت مبادرة اسرائيلية، وبشكل محدد مبادرة الوزير يوفال شتاينيتس. هذا الادعاء لم يحصل على المصادقة الرسمية من أي جهة في الولايات المتحدة أو روسيا.
“المغزى الحقيقي لهذا الحدث كان أن الاسد قد يبقى، خلافا للتوقعات التي تم سماعها في السنوات الثلاثة الاولى للحرب، طالما أنه يستمر في الحصول على الدعم من روسيا”، قال المصدر الاسرائيلي، “اذا لم يتدخل العالم لاسقاطه بعد وجود الأدلة على استخدام السلاح الكيميائي. فمن الواضح أنه لا شيء يستطيع تغيير ذلك. ونظرا لأن المتمردين السوريين ضعيفين ومنقسمين فانهم لا يستطيعوا ايقافه بقواهم الذاتية، الامر الذي يعني أنه طالما نجح في البقاء أمام هذه المعارضة فانه هنا كي يبقى”.
مثل عجّة يعلون
التقديرات حول سقوط الاسد تم استبدالها بادعاء جديد هو أنه قد يبقى في دور محدود “رئيس علويستان”، أي رئيس دولة علوية تكون في منطقة الشاطيء في سوريا مع ممر ضيق الى دمشق، وليس أكثر من ذلك. حسب هذا السيناريو فان سوريا ستتفكك الى دويلات بل وحمائل وتكف عن كونها دولة. ومن وضع هذه النظرية هو وزير الدفاع يعلون الذي قال: “يمكن عمل العجة من البيض، لكن لا يمكن عمل البيض من العجة”. أي بعد تفكك دولة مثل سوريا لا يمكن اعادة تجميعها.
لقد تطرق الكين بشك الى هذه النظرية في خطابه في الاسبوع الماضي وبعد استعراضه اخطاء الاستخبارات في السنوات السابقة، أضاف: “يبدو أن اقوالنا في السنة الاخيرة حول العجة التي لا يمكن عمل البيضة منها، لن تصمد في امتحان الواقع بناء على أنباء الايام الاخيرة”. ديختر ايضا اقترح أن نحذر من اعطاء المضامين بناء على تجربة السنوات السابقة. “هذه الجملة حول العجة صحيحة أكثر بالنسبة لليبيا المكونة من قبائل، أما في سوريا فيوجد سكان من السنة هم الاغلبية وقد يسيطرون على الدولة حتى لو تطلب الامر المزيد من السنوات بسبب تصميم روسيا على ابقاء الاسد”.
هناك أمر يتفق عليه الجميع: اسرائيل تصرفت بحكمة عندما امتنعت عن تدخلها في الحرب السورية. لا سيما بسبب الطابع غير المتوقع للاحداث. الصحافي نظير مجلي، محلل الصحيفة العربية “الشرق الاوسط” في اسرائيل زعم أنه “في العالم العربي هناك تقدير لسلوك اسرائيل التي نجحت في عدم انجرارها وتدخلها في الحرب السورية رغم أن جهات كثيرة حاولت اغراءها للدخول الى الحرب خلافا لمصالحها. وحينما يتم حساب الربح والخسارة فمن الواضح أنه حتى لو اخطأت اسرائيل في فهم الواقع، فان سلوكها الاستراتيجي تجاه الازمة في سوريا كان صحيحا”.
من ناحية اخرى، قال مجلي: “لقد فوتت اسرائيل فرصة استراتيجية لاستغلال الوضع الجديد في الشرق الاوسط من اجل تحقيق المصالح الامنية والسياسية الاوسع. يمكن لاسرائيل أن تحسن علاقاتها مع دول عربية كثيرة ونقل العلاقات من الجانب السري الاستخباري فقط الى مجالات اكبر. ومع مرور الوقت فان هذه الفرصة آخذة بالانغلاق.

(موقع واللا – أمير تيفون)

السابق
جنبلاط: كيف خرج الانترنت وكيف عاد الى خزينة الدولة
التالي
مهزلة عراقية: مقتدى الصدر يقود ‘المجتمع المدني’!