الانسحاب الروسي يقرّب خيار انسحاب «حزب الله» من سوريا؟

وليد شقير
يرصد القادة السياسيون اللبنانيون تطورات الأزمة السورية، لا سيما نتائج القرار الروسي سحب الجزء الأساسي من القوة الجوية من سوريا وانعكاسها على المفاوضات بين النظام والمعارضة في المرحلة القريبة المقبلة، لمحاولة استكشاف ما إذا كانت ستترك آثاراً على الوضع السياسي اللبناني الذي يسيطر عليه الجمود في إيجاد مخارج للأزمة السياسية وللشغور الرئاسي.

والسؤال الذي بادر المحللون والقادة السياسيون إلى طرحه هو إذا كان الانسحاب الروسي سيقرب خيار انسحاب «حزب الله» من سوريا، بحيث يؤدي ذلك إلى حلحلة إحدى العقد التي تزيد من تشنج الوضع السياسي اللبناني وتحول دون انتخاب رئيس للجمهورية على قاعدة أن اكتمال عقد السلطة في لبنان وملء الفراغ مرتبط بوضوح ما ستؤول إليه السلطة في سوريا.

إقرأ أيضًا: سوء تفاهم بين ايران وروسيا حول سوريا

ومع تعدد القراءات لخلفية وأبعاد القرار الروسي الذي فاجأ الجميع، فإن الجواب على الأسئلة حول ما إذا كان سيقود إلى انسحاب «حزب الله» من سوريا لا يلبث أن يأتي سلبياً. وعلى العكس، فإن الأوساط السياسية اللبنانية والديبلوماسية الأجنبية تعتقد بأن الحزب سيواصل تدخله في بلاد الشام طالما أن هدفه مساعدة نظام الرئيس بشار الأسد على الثبات في الحكم، وأن الحاجة إلى تحقيق هذا الهدف قد تكون ملحّة أكثر مع سحب روسيا معظم قواتها الجوية. وبالتالي ليس هناك في الأفق ما يدعو للاعتقاد بأن إيران ستستغني عن وجود «حزب الله» وسائر الميليشيات التابعة لها، إلى جانب الأسد، ما دامت طهران لم تحصد من التسوية السياسية المفترضة في سوريا ما تطمح إليه، في الإطار الجيوسياسي الإقليمي، وهذا يبقي على الوضع اللبناني وفق «الستاتيكو» الحالي.

لكن الشخصيات المهتمة بمتابعة أبعاد الانسحاب الروسي الجزئي، تعتقد من خلال صلاتها بالدوائر الخارجية ومنها الروسية، بأن وراء إعلان الرئيس فلاديمير بوتين الخطوة جملة اعتبارات تتلخص بالآتي:

1 – إن توقيتها ملائم لإعلان نجاح التدخل الروسي لجهة منع سقوط النظام بالقوة.
2 – إن لها مفعول الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد بعد سلسلة من التباينات العلنية بين موسكو ودمشق، ومن يدعم الأسد في شأن المفاوضات من أجل الحل السياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 2254 الصادر في 18 كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وهي تباينات ظهرات بين مسؤولين سوريين محيطين بالأسد وبين مسؤولين سوريين استمروا في الإصرار على اللازمة التي لم ينفك النظام يكررها منذ بداية الأزمة، والقائلة بأولوية البحث في محاربة الإرهاب، على البحث في قيام هيئة الحكم الانتقالي التي نص عليها بيان جنيف 2012 والذي كرر القرار الدولي تبنيه، فالنظام أصيب بنشوة «الانتصار» الذي حققه جيشه والحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة له ومنها «حزب الله» في ريف اللاذقية في الأسابيع الأولى، بحيث أخذ تصلبه في خوض المفاوضات الجدية مع المعارضة يزداد، خلافاً للأجندة الروسية التي هدفت منذ بداية التدخل الجوي في 30 أيلول (سبتمبر) الماضي، لإطلاق مفاوضات الحل السياسي.

3 – إن موسكو أبلغت بوضوح رجالات النظام في أكثر من مناسبة، بأن تفاهمها مع واشنطن على الحل السياسي جدي، آخرها حين اضطر السفير الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين للرد على إعلان الأسد أنه سيعمل على استعادة الأراضي السورية كافة داعياً إياه الى القيام بما يلزم لإنجاح التفاوض.

ويشير بعض أوساط المعارضة السورية التي تعاطت بإيجابية مع قرار بوتين، معتبرة أنه يدفع المفاوضات إلى الأمام، إلى أن موسكو انزعجت من دعوة الأسد إلى انتخابات عامة الشهر المقبل، ومن رفضه البحث بالحكم الانتقالي لوضع دستور جديد، لكن المعارضة أيضاً اعتبرت أن موقف موسكو لم يتح الانتقال إلى التفاوض الجديد أيضاً لأنها أصرت على الجانب الأميركي أن يقنع المعارضة بأنه يحق للأسد أن يشارك في الانتخابات الرئاسية التي يفترض أن تُجرى بعد 18 شهراً من المرحلة الانتقالية، وهو ما ترفضه قيادة المعارضة.

وفي المقابل، تتقاطع معلومات قيادات لبنانية مع أخرى من المعارضة وأوساط ديبلوماسية حول شعور إيراني، قبل القرار الروسي بالانسحاب الجزئي بأن موسكو تعطي اتفاقها مع واشنطن الأولوية حول مجريات الأمور على الساحة السورية، مقارنة بتنسيقها المفترض مع طهران التي لم تكن مرتاحة للتباين العلني بين موسكو والأسد أيضاً، وهذا هو أحد العوامل الذي يفسر التقارب الإيراني – التركي، إضافة إلى العامل الآخر الذي جمع القوتين الإقليميتين، وهو مواجهة التوجه الكردي إلى إقامة إقليم مستقل في ظل فيديرالية سورية، وتشير المعلومات إلى أن القيادة الإيرانية أرفقت الانفتاح مع أنقرة باتصالات سبقت القرار الروسي، مع المعارضة السورية التي تشكلت منها الهيئة العليا للمفاوضات، داعية إياها إلى حوار مباشر، (من دون أن ينتج من الرسائل الإيرانية استجابة من المعارضة حتى الآن). لكن هذه الرسائل تعني أن طهران تسعى إلى اختراق الثنائية الأميركية – الروسية في مساعي الوصول إلى الحل السياسي.

إقرأ أيضًا: لغز مصير الأسد الذي وافقت عليه روسيا وإيران

وتلخص الأوساط اللبنانية المراقبة مفاعيلَ القرار الروسي الأخير، القراءات المختلفة بالقول أنه من المبكر استنتاج أي انعكاس لها على لبنان، طالما أن أبعاد الانسحاب الجزئي لم تتبلور بعد، على الصعيد السوري.

(الحياة)

السابق
نقل ماهر الأسد من الفرقة الرابعة إلى رئاسة الأركان
التالي
نصر الله يطلّ الإثنين ليعلن الجهوزية للحرب!