اغتيال القنطار… ملاحظات أساسية

ثمة حيثيات عدة يجب التوقف عندها في عملية اغتيال سمير القنطار المسؤول في حزب الله، والقيادي في ميليشيا الدفاع الوطني السورية – الشبيحة – العملية التي لها أيضا دلالات أو معان عدة يمكن بل يجب التوقف عندها، لن يكون لها أي تداعيات جدية لا في الساحة السورية، ولا في الصراع مع إسرائيل الذي لم يعد مطروحا بجدية على أجندة الحشد الشعبي السوري والإقليمي، وبالتأكيد فلا ردّ أو ردود جدية على العملية التي ستنتظر ليس فقط المكان والزمان المناسبين، وإنما الطريقة المناسبة وحتى إذا حصل شيء ما فسيكون صغيرا ومحدودا، ولحفظ ماء الوجه، وبما لا يحول دون أو يمنع الانخراط في الصراع أو القضية المركزية، ألا وهي الدفاع عن نظام بشار الأسد أو ما تبقى منه في الحقيقة.

بداية ثمة خرق بل اختراق أمني كبير في عملية الاغتيال، والأمر لا يتوقف على التنصت أو التتبع الإلكتروني للاتصالات الرسائل الإلكترونية، وما شابه ومثل هذه العمليات كما معظم التجارب السابقة فلسطينيا لبنانيا وعربيا تحتاج إلى عنصر بشري على الأرض، ومن الجلي أن ثمة اختراق إسرائيلي كبير، أما في حزب الله أو في ما تبقى من المنظومة الأمنية للنظام مع العلم أن حزب الله، وعندما كان مقاومة صغيرة في حجمها كبيرة في فعلها، محصورة في جنوب لبنان، وفي حالة دفاعية وردعية أمام إسرائيل ويمارس أساليب أقرب إلى المقاومة الشعبية المسلحة كان عصيا تقريبا على الاختراق، ولكن بعدما تم إخضاعه لفكرة جيش المقاومة وتحويله إلى ما يشبه الجيش التقليدي للسيطرة على الدولة ومفاصلها في لبنان، كما للعب دور رأس الحربة في مشروع الإمبراطورية الفارسية؛ بات أشبه بالأنظمة العربية الاستبدادية التي وإن كانت في حالة عداء أو حتى قاتلت إسرائيل، إلا أن اختراقها وعلى أعلى المستويات بات أمرا شائعا، وحتى يسيرا وفي حالة الحزب تحديدا يمكن العودة فقط إلى حالة التجسس الأخيرة، والتي تورط فيها المسؤول عن العمليات الخارجية المعنية بالرد على الاغتيالات الإسرائيلية في مفارقة جسدت ليس فقط واقع الحزب، وإنما استنزافه على جبهات عدة بعيدة عن جبهته الأساس في الجنوب اللبناني.

الأمر الآخر المهم في اغتيال القنطار يتمثل بما كان يفعله سمير في سورية، ويمكن فقط مراجعة تصريحه الداعشي أو الداحشي بالأحرى – من الحشد الشعبي- لصحيفة الخبر الجزائرية في بداية الثورة عن قطع يد من يفكر يفر في حمل السلاح ضد النظام أو تصريحه التكفيري السياسي والتخويني لتلفزيون النظام عن اعتبار المعارضة أو الثوار بمثابة الوجه الآخر للصهاينة.

إذن، بداية ذهاب سمير إلى الشام مع حزب الله حتى قبل داعش بحجة حماية المقامات الدينية الشيعية، ثم باتت اللغة أوضح مع اعتبار الدفاع عن نظام الأسد بمثابة القضية المركزية لحزب الله، كما قال أمينه العام والوعد بالانتصار وهزيمة الثورة السورية وإعادة هيبة النظام وسطوته.

مع الاقتناع بصعوبة بل استحالة الانتصار على الشعب الثائر تبدلت اللغة، وبدأ الحديث عن التسويات، ولكن الأهم بدأ التفكير مع تآكل هيبة وسطوة النظام في فتح جبهة الجولان للترويج لفكرة أن وجود الحزب في سورية هو ضمن عمله المقاوم الذي لم يتخلى عنه حتى مع انخراطه في المعركة البائسة إلى جانب النظام.

المفارقة أو السوريالية هنا أن النظام السوري الذي قتل من الفلسطينيين واللبنانيين أيضا أكثر مما قتلت إسرائيل حسب التعبير البليغ للحكيم جورج حبش، كان في الماضي يستخدم الجبهة اللبنانية لاكتساب الشرعية أو لإيصال الرسائل إلى إسرائيل بينما بدأ الوضع الآن مختلفا مع فعل حزب الله وإيران الشيء نفسه، ولكن بشكل عكسي طبعا.

بدأت فكرة فتح الجبهة في الجولان مع حزب الله، لكن اغتيال المجموعة التي كان يقودها جهاد مغنية معطوفا على استنزاف الحزب وزيادة الخسائر من قتلى ومصابين في صفوفه – ثلث قوته القتالية تقريبا – دفع إيران إلى دعوة بعض الفصائل الفلسطينية الإسلامية الصغيرة القيام بالمهمة ذاتها في سياق تأسيس حشد شعبي فلسطيني يخفف العبء عن حزب الله في سورية – طهران لا تثق بالفصائل الفلسطينية العلمانية – وعندما رفضت تلك الفصائل القيام بالمهمة نتيجة الرفض الشعبي الواسع للبيئة الفلسطينية في سورية ولبنان، لجأت طهران إلى آخر الخيارات أي ميليشيا الدفاع الوطني أو الشبيحة، والدروز منهم تحديدا بقيادة فرحان الشعلان بمواكبة من سمير القنطار وإشراف تام منها.
إذن المجموعة التي كان يعمل سمير معها في آخر أيامه هي من الشبيحة المتورطين بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري، ومعظمهم إن لم يكن كلهم من أصحاب السوابق والماضي الجنائي المعيب، وعوضا عن انخراطهم في تحالف الأقليات المذهبي والكارثي، فإنهم أخلاقيا ملوثون لدرجة العجز عن القتال في معركة مقدسة وشريفة، وفتح جبهة الجولان مع أخذ العبارة الصحيحة والأخلاقية للإمام موسى الصدر في الحسبان “يأبى شرف أن القدس أن يتحرر إلا على أيدي المؤمنين الشرفاء” والشبيحة بالتأكيد ليسوا من هؤلاء.

في ما يتعلق بالرد لن يكون هناك رد كبير وجدّي، على عملية الاغتيال لا من حزب الله، ولا من إيران، وحتى إذا فكّر هؤلاء في الردّ فإن روسيا لن تسمح لهم بذلك بصفتها اللاعب المركزي الآن المحتل لسورية والمتحكم سياسيا وعسكريا بمقاليد الأمور فيها.

حزب الله لم يرد جديا على اغتيال جهاد مغنية، ولا حتى على اغتيال مغنية الأب بعدما أفشل العميل الإسرائيلي في صفوفه كل محاولات الردّ، التي لم تكن في لبنان، ولا في سورية على أي حال، وإذا لم يرد الحزب جدّيا وبعملية كبيرة على اغتيال هؤلاء فهل سيفعل ردّا على اغتيال القنطار الذي لم يكن مسؤولا كبيرا في صفوفه.

جهاد عماد مغنية

ويجب الانتباه كذلك إلى أن عدم الرد ينبع كذلك من استنزاف الحزب في معركته المستحيلة في سورية، وهو ليس بوارد فتح جبهة جديدة كون القضية المركزية له باتت تتمحور بالدفاع عن بشار الأسد وبقايا نظامه، ومع ذلك يجب الانتباه أيضا إلى ما قاله نائب رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال يائير غولان منذ أيام عن أن حزب الله ما كان أيضا ليوجه السلاح ضد إسرائيل حتى لو لم يكن متورطا في سورية نتيجة التعقيدات والوقائع التي أفرزتها حرب تموز الأخيرة في تموز/ يوليو 2006.

إيران أيضا لن تفعل مع أنها كانت المشغل الرئيس لسمير ومجموعته من ميليشيا الشبيحة في الجولان، وهي لن تردّ لأنها بانتظار رفع العقوبات الغربية عنها في سياق الاتفاق النووي، وهي المستنزفة في سورية تحاول الآن بالتنسيق مع روسيا ان تحقق بالسياسة، ما عجزت عنه بالحرب وتحت ذريعة محاربة داعش أو تعب العالم الغربي المنافق من القضية السورية.

وكما قلنا سابقا حتى لو فكر الحزب أو إيران في الردّ، فإن روسيا لن تسمح لهم كونها باتت اللاعب الرئيس سياسيا عسكريا في سورية، وهي صاحبة معادلة السماء لنا وللإسرائيليين، أيضا والأرض لإيران وميليشياتها، وهي المعادلة التي مكّنت تل أبيب من اغتيال القنطار، كما مواصلة تنفيذ عملياتها وغاراتها ضد أهدافا لإيران وحزب الله في سورية ولبنان، متى رأت ذلك مناسبا لمصالحها ودائما على قاعدة التفاهم التام مع الروس.

موسكو لا تريد أيضا أي تشويش على إدارتها للملف السوري، وهي أصلا لا تنظر بعين الرضى للميليشيات على اختلاف مسمياتها أو أشكالها كونها تمارس التشبيح والبلطجة من خلال الدولة نفسها، كما حصل في جورجيا وأوكرانيا، ويحدث الآن في سورية بعكس طهران المغرمة والمستلبة لفكرة الميليشيات والحشد الشعبي على اختلاف مسمياته وأشكاله.

في الأخير سيمر مرور الكرام اغتيال القنطار، وكأن شيئا لم يكن، وعندما تصد الكتلة الأكثرية العربية الإسلامية هجمة الإمبراطورية الفارسية والحشد الشعبي الأقلوى، والمذهبي وينتصر الشعب السوري ويكتب المؤرخون مسيرة ثورته، فلن يتم التطرّق للقنطار واغتياله إلا ضمن فقرة أو سياق الحديث عن انخراط الأقلية في حرب خاطئة خاسرة ويائسة، بعدما اعتبرتها الكتلة أو الأكثرية العربية الإسلامية من ماليزيا إلى طنجة جزء لا يتجرأ منها عندما كانت مقاومة تتصرف ضمن تعريف الإمام محمد مهدي شمس الدين الرائع للمنطقة التي لا أقليات فيها، وإنما أكثريتان واحدة عربية وأخرى مسلمة.

(عربي21)

السابق
اربعة اسباب تفرض على جنبلاط الانحياز لفرنجية في مقابل عون وجعجع
التالي
الراعي في بكركي: للالتقاء حول المبادرة الجدية المدعومة دولياً وإهداء البلاد رئيسها