الأمطار الخريفية تبدّد قسماً من ثروتنا الوطنية

عدم التعامل مع النفايات كإنتاج منزلي – مجتمعيّ، هو المسؤول عن هذا الهدر الحاصل لهذه «الثروة الوطنية»، بحيث أنّها تحوّلت وبالاً على البلد، بدل أنْ تكون المدخل للدفع به في الإتجاهين المستبْعَدين في «اللا نسق» اللبناني منذ وقت طويل: الاتجاه التصنيعي للبلاد، والاتجاه البيئي لترشيد استخدام الموارد بالشكل الذي يسمح بتكامل بين القطاعات، وبين المناطق، وتحفيز فضاءات الاقتصاد المستدام.

منذ سنوات طويلة، وهذه الثروة الوطنية تُهْدَر. طبعاً هناك افادات خاصة ونكبات عامة على خلفية هذا الهدر، لكن مشكلته الأساسية ليست في هذا التربّح الزائد عن حدّه، بحدّ ذاته، ولا في ايصالنا الى طريق مسدود في آخر الأمر. المشكلة في التعامل مع النفايات على أنّها فقط نفايات. المشكلة في التعامل مع نفاياتنا كما لو أنها ليست نفاياتنا، بل بلاء هبط علينا من المريخ.

المنظر الكارثي للغاية لـ»نفاياتنا المكدّسة» في الأماكن العشوائية، وقرب التجمعات السكنية والجامعات والمستشفيات، وهي تبعثرها الأمطار، هو منظر لن يُعطى حقه من داخل أرضية التراشق حول المسؤول عن عدم إقرار خطة وطنية لحل المشكلة حتى الآن. لن يُعطى حقه إلا بإعادة التشديد على ان هذه النفايات نفاياتنا نحن، وهي ليست نفايات فقط، وهي ثروة وطنية، والمشكلة الأساسية أنّ هذه الثروة الوطنية تُهدر، والعاقبة الصحية لعدم حل المشكلة قبل موسم المطر تتكامل مع مشكلة هدر هذه الثروة، وهدر مردودها من طاقة ومواد ومال و»سيليكون طبيعي» لما خرّبته الكسارات.

أبعد ما طرح في الصيف الذي انقضى عن الواقع كان اشكالية تصدير هذه النفايات والايحاء بأن بلدان العالم تقف بالطابور وتنتظرها. في الوقت نفسه، هذا الطرح البعيد عن الواقعية يضمر الحل الواقعي للمشكلة: لماذا من الممكن التفكير بتصدير النفايات؟ لأنّها كميات من المواد الأولية، والمواد القابلة لإعادة التدوير، والمواد التي يمكن أن تلاقي وظائف، كلّ في مضمار ومكان. أكثر من ذلك: الوظائف التي يمكن أن توفرها الجغرافيا اللبنانية لهذه المواد أفقها متعدد وواسع جدّاً.

انتقلنا هذا الصيف من اشكالية «ترافض» النفايات بين المناطق الى اشكالية تحويل النفايات الى وقود ثوري، الى سماد طبيعي لـ»ثورة لاطائفية». في الحالتين، يجري تغييب النظرة الى هذه النفايات كنفاياتنا، وكإنتاج منزلي ومجتمعي يمثل مدخلاً للتصنيع الجدي للبلاد، وللكهربة البيئية للبلاد، وللتحرّك باتجاه الاقتصاد المستدام. النظر الى الجغرافيا اللبنانية كما لو كانت نظرة الى اي منطقة يمكن ان تضحي لنفايات الأخرى، كما النظر الى النفايات كمسرح لتفريغ الاسقاطات الأيديولوجية، كل هذا يشوّه المسألة: نحن أمام قضية اهدار ثروة وطنية، ونحن أمام نموذج للدولة اهداريّ بطبيعته لهذه الثروة الوطنية. أن ينتج هذا النموذج من يتربّح على هذا الهدر لثروة النفايات، أو ينتج من يبتلى به، فهذا، على أهميته، يتفرّع من المشكلة الأساسية.

حالة غريبة جداً أن لا يعي الناس بأن ما يشاهدونه من أكياس قمامة «أنتجوها» بمعرفتهم، وربما بإفراط استهلاكي، لكن حتماً، بمردود ايجابي، اذا ما عولج بالشكل الملائم، وشرط المعالجة اعادة التعرّف على هذه النفايات من حيث هي ثروة. فقبل أن يدب «رُهاب الكوليرا» في النفوس، حريّ بالناس التذكّر بأنّ هذه الأمطار الخريفية تبدّد ثروتنا!

عدم التعامل مع النفايات كإنتاج منزلي – مجتمعيّ، هو المسؤول عن هذا الهدر الحاصل لهذه «الثروة الوطنية»، بحيث أنّها تحوّلت وبالاً على البلد، بدل أنْ تكون المدخل للدفع به في الإتجاهين المستبْعَدين في «اللا نسق» اللبناني منذ وقت طويل: الاتجاه التصنيعي للبلاد، والاتجاه البيئي لترشيد استخدام الموارد بالشكل الذي يسمح بتكامل بين القطاعات، وبين المناطق، وتحفيز فضاءات الاقتصاد المستدام.

منذ سنوات طويلة، وهذه الثروة الوطنية تُهْدَر. طبعاً هناك افادات خاصة ونكبات عامة على خلفية هذا الهدر، لكن مشكلته الأساسية ليست في هذا التربّح الزائد عن حدّه، بحدّ ذاته، ولا في ايصالنا الى طريق مسدود في آخر الأمر. المشكلة في التعامل مع النفايات على أنّها فقط نفايات. المشكلة في التعامل مع نفاياتنا كما لو أنها ليست نفاياتنا، بل بلاء هبط علينا من المريخ.

المنظر الكارثي للغاية لـ»نفاياتنا المكدّسة» في الأماكن العشوائية، وقرب التجمعات السكنية والجامعات والمستشفيات، وهي تبعثرها الأمطار، هو منظر لن يُعطى حقه من داخل أرضية التراشق حول المسؤول عن عدم إقرار خطة وطنية لحل المشكلة حتى الآن. لن يُعطى حقه إلا بإعادة التشديد على ان هذه النفايات نفاياتنا نحن، وهي ليست نفايات فقط، وهي ثروة وطنية، والمشكلة الأساسية أنّ هذه الثروة الوطنية تُهدر، والعاقبة الصحية لعدم حل المشكلة قبل موسم المطر تتكامل مع مشكلة هدر هذه الثروة، وهدر مردودها من طاقة ومواد ومال و»سيليكون طبيعي» لما خرّبته الكسارات.

أبعد ما طرح في الصيف الذي انقضى عن الواقع كان اشكالية تصدير هذه النفايات والايحاء بأن بلدان العالم تقف بالطابور وتنتظرها. في الوقت نفسه، هذا الطرح البعيد عن الواقعية يضمر الحل الواقعي للمشكلة: لماذا من الممكن التفكير بتصدير النفايات؟ لأنّها كميات من المواد الأولية، والمواد القابلة لإعادة التدوير، والمواد التي يمكن أن تلاقي وظائف، كلّ في مضمار ومكان. أكثر من ذلك: الوظائف التي يمكن أن توفرها الجغرافيا اللبنانية لهذه المواد أفقها متعدد وواسع جدّاً.

انتقلنا هذا الصيف من اشكالية «ترافض» النفايات بين المناطق الى اشكالية تحويل النفايات الى وقود ثوري، الى سماد طبيعي لـ»ثورة لاطائفية». في الحالتين، يجري تغييب النظرة الى هذه النفايات كنفاياتنا، وكإنتاج منزلي ومجتمعي يمثل مدخلاً للتصنيع الجدي للبلاد، وللكهربة البيئية للبلاد، وللتحرّك باتجاه الاقتصاد المستدام. النظر الى الجغرافيا اللبنانية كما لو كانت نظرة الى اي منطقة يمكن ان تضحي لنفايات الأخرى، كما النظر الى النفايات كمسرح لتفريغ الاسقاطات الأيديولوجية، كل هذا يشوّه المسألة: نحن أمام قضية اهدار ثروة وطنية، ونحن أمام نموذج للدولة اهداريّ بطبيعته لهذه الثروة الوطنية. أن ينتج هذا النموذج من يتربّح على هذا الهدر لثروة النفايات، أو ينتج من يبتلى به، فهذا، على أهميته، يتفرّع من المشكلة الأساسية.

حالة غريبة جداً أن لا يعي الناس بأن ما يشاهدونه من أكياس قمامة «أنتجوها» بمعرفتهم، وربما بإفراط استهلاكي، لكن حتماً، بمردود ايجابي، اذا ما عولج بالشكل الملائم، وشرط المعالجة اعادة التعرّف على هذه النفايات من حيث هي ثروة. فقبل أن يدب «رُهاب الكوليرا» في النفوس، حريّ بالناس التذكّر بأنّ هذه الأمطار الخريفية تبدّد ثروتنا!

 

(المستقبل)

السابق
شهيب يمهل حتى يوم الخميس
التالي
هكذا سيكون الطقس في الأيام المقبلة