إسرائيل تغازل تركيا والعين على سوريا

أدلت القائمة بأعمال السفارة الإسرائيلية في أنقرة “أميرو أورون”، الأسبوع الماضي، بحديث مهم ولافت لصحيفة “صباح”، غازلت فيه تركيا بوضوح وتماهت تقريباً مع النظرة التركية تجاه الأحداث والتطورات بالمنطقة، خاصة في سوريا، وحتى في الملف الفلسطيني، حيَّدَت “أورون” الخلاف فيما يتعلق بحماس، مبدية انفتاح حكومتها على التعاون مع السلطات التركية لتحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، ما يعني قبولاً ضمنياً بموقف أنقرة، الذي يربط تحسين العلاقات بين البلدين بعدة شروط؛ آخرها يتعلق برفع الحصار عن القطاع الساحلي الصغير في فلسطين.
الديبلوماسية الإسرائيليةالكبيرة والخبيرة بشؤون المنطقة، حسب توصيف موقع واللا-الاثنين 11 آب – قالت أن حكومتها ترغب بتطبيع العلاقات مع تركيا بمجرد تشكيل حكومة ائتلافية، مع انتخابات مبكرة أو دونها، ونوهت إلى أن من أوائل الأمور التي قام بها “دوري غولد”، مدير عام وزارة الخارجية الجديد، عند تسلمه منصبه كان لقاؤه بنظيره التركي”فريدون أوغلو” في روما،شهر حزيران الماضي، للتباحث في سبل وآليات تطبيع العلاقات بين البلدين.
“غولد”ليس ديبلوماسياً عادياً؛ فهو الصديق والمستشار المقرب لرئيس الوزراء “بنيامين نتن ياهو” الذي يتولى رسمياً حقيبة الخارجية؛ ما يعنيأن “غولد” هو الوزير الفعلي في ظل المواقف المتطرفة جداً، وحتى غير الدبلوماسية، التي تطرحها نائبة الوزير “تسبيبي حوتوبيلي”.
معروف طبعاً أن أنقرة تطرح ثلاثة شروط لتطبيع العلاقات بين البلدين؛ وتتمثل في الاعتذار عن جريمة أسطول الحرية، أيار/ مايو 2010، والتعويض لشهدائها وجرحاها،إضافة إلى رفع الحصار عن غزة. وتم تقريباً تجاوز الشرطين الأولين، مع نقاش حول تفاصيل وآليات التعويض، بينما يجري النقاش حول الشرط الثالث، الذيكان بمثابة العقدة في العلاقات بين البلدين منذ ذلك التاريخ حتى الآن.
ما قالته الديبلوماسية الإسرائيلية لا يأتيحتما في السياق الديبلوماسي المُجَامِل؛فقد جاء تأكيد قويلكلامها من السيد “ياسين أقطاي”، مستشار رئيس الوزراء ونائب رئيس حزب العدالة والتنمية،الذي قال لصحيفة”الرسالة” الصادرة في غزة، الأحد 16 آب،أن الحوارات التركية الإسرائيلية، لتجاوز جريمة الأسطول، وصلت إلى مراحلها النهائية. ولم يكتفِ “أقطاي” بذلك، بل أشار كذلك إلى أن غزة تتجه نحو اتفاق شامل فيما يتعلق برفع الحصار وفتح المعابر، مضيفاًأن القيادة التركية ناقشت مع قيادة حماس، الأسبوع الماضى، تعهدات تركية جديدة تتعلق بغزة، يُعتقد أنها ذات صلة بتوفير الضمانات للممر البحري الذي سيربط بين ميناء غزة وشمال قبرص، والذي سيكون تحت رقابة دولية، تركية في جوهرها.
في الحقيقة، حرصت “أورون”، طوال المقابلة، على مغازلة تركيا، وهي أعلنت بوضوح رفضها للأعمال الإرهابية التي تعرضت لها البلاد في الفترة الأخيرة، ودعمت بقوة حق أنقرة في الدفاع عن نفسها في مواجهة تلك الهجمات، وهو أمر مهم جداً ولافت هذا الوقت، بالذات، خاصة في ضوء ما يشاع عن تنسيق إسرائيلي ما مع الحركات الكردية الانفصالية وإعلان حزب الشعوب الديموقراطية، صراحة، عن تأييده لعلاقات جيدة مع إسرائيل وإعطاء زعيمه”صلاح دمرطاش” الحق الحصري لليهود في القدس، عبر تصريحه الشهير: “ميدان تقسيم بالنسبة لنا كالكعبة عند المسلمين والقدس عند اليهود”.
بين الدولة التركية والحركات الانفصالية الكردية – ببعديها العسكري والسياسي – انحازت إسرائيل، كما الغرب، للدولة التركية، علماً أن الدعم الغربي – وحتى الإسرائيلي – لتلك الحركات جاء في سياق ابتزاز أنقرة والضغط عليها للتساوق مع السياسات الغربية إلى هذه الدرجة أو تلك، أو على الأقل عدم رفضها والاستعداد للتوصل إلى حلول وسط، كما كان الحل في الحرب ضد داعش.
حديث الدبلوماسية الإسرائيلية كان، بمجمله، لافتاً وحافلاً بالرسائل والمضامين، غير أن الأكثر أهمية تمحور في الجزء الخاص بسوريا؛ كونها تبنت تماماً النظرة أو التوصيف التركي للواقع السوري، كما الأسلوب الأمثل لحل الأزمة في سوريا.
“أورون” قالت عن حق – حتى لو أريد به باطل – أن الرئيس “بشار الأسد” قام بتدمير بلده وقتل شعبه وتشريده وأنه المسؤول الأولعما وصلت إليه الأمور في سوريا وأن لا حل إلا برحيله نهائياً عن السلطة هو ونظامه. غير أنها أضافت أن العلاقات بين تل أبيب وأنقرة لو كانت على مستوى جيد، ولو من ناحية التنسيق السياسي الديبلوماسي لما كانت الأمور قد وصلت في سوريا إلى ما وصلت إليه.
واضح أن الديبلوماسية المجربة سعت لتوصيل رسالة مفادها أن العلاقات الثنائية الجيدة بين البلدين ستكون سبباً من أسباب الاستقرار الإقليمي، وربما إنهاء الأزمة السورية، التي باتت أحد عوامل القلق لأنقرة، وعلى كل المستويات السياسية الاقتصادية والأمنية، ومن جهة أخرى جعل بلادها أحد أسباب الاستقرار والأمن ولاعباً إقليمياً أساسياً، وليس العكس،أي أحد أسباب التوتر والأزمات في المنطقة.
قراءة المواقف التي طرحتها الديبلوماسية الإسرائيلية ووضعها فيسياق التطورات السياسية والأمنية العاصفة في المنطقة تسمح لنا بالاستنتاج أن تل أبيب جادة في تحسين العلاقات مع أنقرة وستسعى لتجاوز العقدة الفلسطينية، أو الغزاوية، لصالح التركيز على الملف الأهم بالنسبة لتل أبيب، أي الملف السوري.
تل أبيب تفهم أن أنقرة، وبعد انخراطها في الحرب ضد داعش، وتأسيس المنطقة الآمنة في الشمال،ستكون اللاعب الرئيس،أو أحد اللاعبين الرئيسين في رسم المستقبل أو تحديد معالم سوريا فيما بعد “الأسد”، وهي تريد أن تكون على صلة وثيقة بالأحداث، كما لضمان أن لا تتأثر بالسلب من تغيير النظام الذي حافظ على الحدود الآمنة معها لعقود، وهو أهم ما تبحث عنه تل أبيب في سوريا الجديدة.
إضافة إلى تجاوز العزلة الإقليمية،وفتح قنوات اتصال دائمة مع الدول المهمة في المنطقة، لا تنظر إسرائيل الرسمية بارتياح إلى الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني، وهي تعتقد أن “أوباما” لا يمانع في استمرار طهران في سياستها الإقليمية التدميرية، أو حتى مكافأتها عليها، واعتبارها أحد عوامل الحل في سوريا العراق والمنطقة بشكل عام، والدولة العبرية تفهم أن تركيا، ورغم حرصها على علاقة جيدة مع إيران، خاصة في السياق الاقتصادي، إلا أنها منزعجة أيضاً من المضمون أو التداعيات الإقليمية للاتفاق، وهو ما قد يخلق أرضية تعاون، أو حتى للتهدئة، بين البلدين في الحد الأدنى.

تركيا
تركيا،من جهتها، لا ترفض، من حيث المبدأ، تحسين أو تطبيع العلاقات بين البلدين، ولكنها تصر على التنفيذ الكامل لشروطها، وإذا ما التزمت إسرائيل فعلاً برفع الحصار عن غزة، ولو في سياق تفاهم غير مباشر مع حماس، فستكون أنقرة سعيدة، وستقوم بما هو مطلوب منها، سياسياً وأمنياً، لإنجاح التفاهم،أما فيما يتعلق بالتحالف بين البلدين، فهو مستبعد كلياً، بينما التنسيق أو الحوار حول قضايا سياسية واقتصادية، بما في ذلك فلسطين سوريا وغاز شرق المتوسط،فأمر آخر تبدو العاصمة التركية منفتحة تجاهه، ولكن كما دائماً، على قاعدة المصالح القومية التركية والقوانين والمواثيق الدولية وتغليب الحلول السلمية السياسية والديبلوماسية، علماً أن القضية الفلسطينية ستظل دائماً العائق الأساس بين إسرائيل وتركيا، كما بين الدولة العبرية ودول كثيرة، ليس في المنطقة فقط، وإنما على مستوى العالم أيضاً.

السابق
الشرق الأوسط: لقاء عاصف بين سليماني والعبادي والسيستاني
التالي
انتبهوا يا مستخدمو آبل…