هل تدخل المصارف اللبنانية السوق الإيرانية أم إن الوقت لم يحن بعد؟

ينتظر المستثمرون اللبنانيون رفع العقوبات عن إيران لكي يفيدوا من سوقها المتعطّشة للاستثمارات الاجنبية، فهل ستواكب المصارف هذا التوجّه؟

شهد النشاط لمصرفي في ايران نوعاً من الجمود مع تأميم مصارف القطاع الخاص في أعقاب الثورة وتأسيس الجمهورية الإسلامية. لكن، منذ العام 2001 أعادت الحكومة تخصيص المصارف نظراً الى حاجتها لتنشيط الاقتصاد، الى أن إصطدم النظام المالي بالعقوبات والحصار في العقد الأخير. حالياً، يساهم النظام المصرفي في إعادة وصل الاقتصاد الإيراني بالعالم عبر أبعاد عدة

 

يحددها الخبير الاقتصادي والمصرفي غسان عياش بالآتي:

– تمويل الاقتصاد عبر توسيع قاعدة التسليفات الرأسماليّة والتشغيليّة للقطاع الخاص بغية رفع معدّلات النمو المتواضعة.

– تمويل إعادة تأهيل الصناعة عبر شراء آلات جديدة، بعدما هرمت منشآت الصناعة أسوة بمنشآت النفط.

– تسهيل التحويلات بما فيها العائدات النفطية وإدخال الاستثمارات الأجنبية المباشرة الى البلاد، وإعادة تحديث المؤسسات الخاصة.

– تمويل استيراد التجهيزات الجديدة لتحديث منشآت النفط والصناعة ووسائل النقل.
فهل سيكون للمصارف اللبنانية دور في هذه السوق؟ قد يكون مبكراً تقديم اجابات واضحة وفورية في شأن مستقبل التعاملات الاقتصادية اللبنانية – الايرانية عموماً والمصرفية خصوصاً، وفق رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه، “فالاتفاق النووي خطوة مهمة في اتجاه العودة الى العالم وأسواقه، لكن ثمة موجبات أمميّة وقانونية واجرائية وتنفيذية تقرر لاحقاً سرعة هذه العودة ومندرجاتها مع كل تقدم اضافي في هذا الملف الشائك”.
ويعتبر طربيه “ان اهتمام العالم بالسوق الايرانية امر بديهي بعد الاتفاق مع مجموعة 1+5 ضمن مسار دولي محدد. ومن الأولى بالاقتصاديين اللبنانيين أن يكونوا في طليعة المهتمين والمتابعين، فهذا بلد ضمن الفضاء الاقليمي للبنان وثمة رصيد مهم من العلاقات الثقافية والدينية المحفّزة معه، رغم ان التعاون الاقتصادي السابق كان محدوداً بسبب العقوبات الدولية. فإيران التي عانت العقوبات لم تفقد ميّزاتها الأساسية لا سيما حيال القوة السكانية والعاملة التي هي من الأكبر في المنطقة بعد مصر، واقتصاد هو الثالث اقليمياً بعد تركيا والسعودية، وثروات نفطية وغازية هائلة، وموارد طبيعية، ومرتكزات لقدرات صناعية وزراعية بلا حدود”.
كل هذه العوامل، اضافة الى ترقّب النهوض واعادة البناء وتحديث البنى التحتية المتهالكة والمشاريع المجددة والجديدة، ستحفّز تلقائياً انجذاب المصارف والمؤسسات المالية الى السوق الايرانية، وفق طربيه الذي يؤكد أنه “بحكم قوة المراكز المالية للمصارف اللبنانية وخبراتها المتراكمة في التمدّد الناجح الى 33 بلداً خارجياً، فانها مرشحة لتكون من بين أول المصارف التي ستواكب تطورات هذه السوق”.
لكن دخول السوق الايرانية، اسوة بأي سوق خارجية، محكوم بموجبات وتحديات أساسية يحددا أبرزها طربيه بالآتي:

– قوانين البلد المستهدف والمدى الذي تسمح فيه بدخول مصارف خارجية وشكل هذا الدخول.

– ضرورة التنسيق والتعاون بين البنك المركزي اللبناني والبنك المركزي في البلد المعني.

– التزام القوانين المالية الدولية، وخصوصاً العقوبات في الحالة الايرانية.

– التوسّع تبعاً لتطور العلاقات الاقتصادية وعمليات التبادل التجاري والاستثماري، اذ يتركز اهتمام المصارف أولاً على خدمة الاقتصاديين والتجار اللبنانيين والجالية العاملة أو الاغترابية في أي بلد، فضلاً عن اهتمامها بخدمة الاقتصاد في البلد المضيف.
ولكن ثمّة تخوّف من أن تتعارض مصالح المصارف اللبنانية في السوق الايرانية مع مصالحها في الخليج، إلاّ أن طربيه لا يجد أسباباً جوهرية لذلك، “نحن ندرك وجود خلافات سياسية بين الأطراف ترتفع حدتها أو تخبو وفقاً لمجرى الأحداث والتطورات، لكنها لم تصل يوماً بينهما الى حدود القطيعة أو ما بعدها. بدليل ان الامارات كانت من أهم منافذ التعاملات التجارية الايرانية في الفترة الماضية، وهي تستضيف جالية ايرانية عاملة وتجارية أسهمت في حركة ناشطة بين البلدين. كذلك ثمّة علاقات وعمليات تبادل تجاري متنوعة وبأحجام مختلفة مع سائر دول الخليج”.
ويرى طربيه أن “دول الخليج التي وقفت دوماً الى جانب لبنان وشعبه واقتصاده، ستكون متفهّمة ولن تجد ضرراً في أي تعاون اقتصادي مستقبلي بين لبنان وايران، بل ستدعم ما يفيد الاقتصاد اللبناني ويساهم في معالجة مشكلاته. هذه المعادلة نتوقعها في المجال المصرفي والمالي، اذ تتمتع المؤسسات اللبنانية برصيد كبير من الثقة، وهي تستقطب تاريخياً – ولا تزال – شراكات واستثمارات ومساهمات خليجية مهمة، بما يؤهلها مستقبلاً لتكون أحد الجسور والممرات النموذجية لدخول الاستثمارات الخليجية الى السوق الايرانية الواعدة”.
ومن المعروف أن الموارد البشرية تمثل أحد مكامن القوة في الجهاز المصرفي اللبناني. فلدى القطاع أكثر من 23 ألف موظف يحمل 72% منهم الاختصاصات الجامعية العالية. وما يوازي ذلك أهمية كذلك انتشار الاف اللبنانيين العاملين في المصارف العربية والمصارف الأوروبية والأميركية في عواصم المال الرئيسية، اذ يكاد لا يخلو مصرف عالمي في إداراته العليا من كفايات لبنانية تدير نشاطات مصرفية واستثمارية وإدارة ثروات وتوفير التعاطي مع الأسواق الخارجية وبخاصة أسواق الشرق الأوسط. هذه القوة بكوادرها ومهنيتها ومشاركتها في تطوير الادارة الرشيدة والحوكمة ومكافحة تبييض الأموال وبمستوياتها الاكاديميّة والتدريبيّة، تمنح وفق طربيه، “المؤسسات بعداً استراتجياً قابلاً للاستثمار ونقل القواعد والمهنية والتجارب الى أسواق جديدة. وهذا ما حصل ويحصل في معظم الأسواق التي تتمدد اليها المصارف اللبنانية أو تدير معاملات مالية ومصرفية معها. ومن المؤكد أن ايران مقبلة على ورشة اعادة الروابط المالية وتجديدها مع العالم الخارجي بعد الرفع النهائي للعقوبات. ومهمة مصارفنا، كما غيرها، اقليمياً ودولياً، أن تسعى لتكون في قلب تطورات الاقتصاد الايراني بعد نضوج المعطيات والوقائع المستجدة”.
وفي سؤال عن إمكان مشاركة المصارف اللبنانية في تمويل مشاريع في ايران واستثماراتها، يقول طربيه: “نحن نواكب الفرص، ولدينا فوائض مالية وازنة قابلة للتوظيف، لكن ضمن الحدود والشروط التي يضعها البنك المركزي للعمليات في الأسواق الخارجية، وضمن توزيعاتنا لمحفظة التسليف الخارجية. لذا، عند توافر الفرصة ومطابقة الشروط، يخضع التمويل حينها للشروط الأساسية، وأبرزها: تصنيف السوق ومخاطرها، جدوى المشروع، ملاءة المستثمر وتصنيفه، التدفقات المالية، والضمانات الحامية للاستثمار والتمويل”.

(النهار)

السابق
جائزة المجر الكبرى بـ«الفورمولا وان» فيتل ينتزع المركز الأول
التالي
وزير الداخلية : لن تنقل نفايات إلى الإقليم ولا مطمر فيه الا بالتوافق